في ظل حالة الانفلات الأمني والأخلاقي وتفشي الجرائم والعنف التي يشهدها المجتمع, جاءت حالات عقوق الوالدين, والجرائم الأسرية والحوادث المفزعة التي تطالعنا بها الصحف ووسائل الإعلام لتكشف عن ظاهرة خطيرة تهدد استقرار المجتمع وتماسكه, وتخالف تعاليم الشريعة الإسلامية التي جعلت سفك الدماء وعقوق الوالدين من الكبائر التي تلي الشرك بالله, ولتؤكد أن بر الوالدين والإحسان إليهما من أعلي مراتب الجهاد في سبيل الله. وفي ظل تزايد معدلات العنف, نتساءل عن أسباب ودوافع تلك الجرائم التي تتنافي مع الطبيعة البشرية, وكيف يمكن مواجهتها ونحن علي ابواب عهد جديد من الديمقراطية والحرية؟! التفكك الأسري الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, يرجع ظاهرة العنف المجتمعي والجرائم الأسرية إلي الجهل بقيم ومبادئ الإسلام وغياب دور الوالدين وسوء الاختيار عند الزواج ويقول: يجب أن يكون الاختيار علي أساس الدين, كما أن العناد بين الأزواج وشيوع وتزايد معدلات الطلاق يقود نحو العديد من المشكلات ويزيد من حالات الانحراف بين الأبناء, وفي هذه الحالة قد يرتكب الأبناء جرائم ضد الأب أو الأم, كما أن الإدمان يعد أحد أهم أسباب تلك الجرائم لأن إدمان المخدرات يصاحبه السرقة والقتل, والشخص هنا يقوم بسرقة أو قتل أقرب الناس إليه للحصول علي المال, فقد يسرق الشخص والده أو والدته أو يقتل أحدهما من أجل الحصول علي المال, والأخطر من كل ذلك هو البطالة وما يصاحبها من شعور باليأس والإحباط يجعل الشباب يقبل علي ارتكاب جرائم نتيجة الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها, وهنا لابد للأسرة أن تراعي ظروف الأبناء وتضع تصرفاتهم وسلوكهم تحت المراقبة لأنه قبل الإقدام علي ارتكاب تلك الجرائم تكون هناك مؤشرات وتغييرات في سلوك الجاني. الفضل وليس العدل أما الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, فيري أن السعي وراء الماديات وضعف الوازع الديني جعل القيم الجميلة التي عاشت عليها الأسرة المسلمة من أخلاق الماضي, وأصبح هناك البعض لا يري من هذه الدنيا إلا الجانب المادي فقط ويسعي للحصول عليه مهما تكن الأسباب فيسعي لإنهاء حياة أحد أفراد أسرته من أجل الميراث. وإذا كانت الخلافات الزوجية هي القاسم المشترك في الجرائم الأسرية فان الدكتور إدريس يطالب بحل هذه الخلافات داخل جدران المنزل, لأنها إذا دخلت ساحات المحاكم فإن فكرة الانتقام تصبح هي المسيطرة علي الطرفين, كأن تقوم الزوجة برفع دعوي إنهاء العلاقة الزوجية في محافظة غير التي يقيم فيها الزوج, ودعوي ثانية للنفقة في محافظة أخري, ويرد عليها الزوج بما يماثل من دعاوي أخري كالطاعة وضم الأطفال وغيرها, وفي ظل هذه الحالة من الخلافات المستمرة وعدم حصول كل طرف علي ما يريد من الطرف الثاني قد يسعي أحدهما للانتقام بارتكاب إحدي الجرائم ضد الطرف الثاني أو الاعتداء علي الأولاد انتقاما من الطرف الحاضن مثلا, وكذلك في حالة الخلاف علي الميراث بين الأشقاء فقد يقوم الأخ بالاعتداء علي أخيه أو أولاده, وفي مثل هذه الحالات لابد أن يتم التعامل بالفضل وليس العدل حتي يتم التوصل لحلول تنهي الخلافات بين الأهل دون حدوث تلك الجرائم. حقوق وواجبات الآباء وإذا كان تراجع منظومة القيم الإسلامية هو أحد الأسباب الرئيسية لتفشي الجرائم الأسرية, فإن علماء الدين يطالبون بإعلاء تلك القيم النبيلة التي أوجبت بر الوالدين والإحسان إليهما وجعلته فريضة إسلامية, والتي يوضحها الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق, قائلا: وضعت الشريعة الإسلامية الوالدين في مكانة عالية وجعلت لرعايتهم الجزاء الكبير,وكانت التوصيات القرآنية والنبوية واضحة في إعطاء الوالدين ما لهما من حقوق وواجبات تعد بمثابة الفروض العينية علي الإنسان وهذا قول الله تعالي واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا63 النساء وفي الآية نجد دلالة الاقتران بين عبادة الله الواحد الأحد وبين بر الوالدين والإحسان إليهما, كما نجد في السنة النبوية الشريفة ما يبين فضل الوالدين عندما جاء رجل يسأل الرسول صلي الله عليه وسلم من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟ قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك, ثم تتأكد التوصية في قول الله عز وجل إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما, حقوق الأبناء وإذا كان الإسلام قد أوصي الأبناء ببر الوالدين, فإنه كذلك جعل للأبناء حقوقا علي آبائهم وذلك من خلال التعاليم والضوابط والتوجيهات التي حددها لتربية الأبناء علي القيم التي تضمن سلوكهم وحسن أخلاقهم بما يعود بالنفع علي المجتمع, فأمر الآباء أن يربوا أبناءهم التربية الدينية الصحيحة التي تحميهم من الانزلاق في طريق المهالك, كما أمر بالعدل بين الأبناء حتي تسود المودة بينهم ولا يحقد إنسان علي أخيه, والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم, ويؤكد الدكتور طه أبو كريشة أنه إذا استقامت العلاقة الإنسانية بين أفراد الأسرة علي هذا الوجه المتبادل فإن وقوع ما يخالف هذه العلاقة يصبح غير وارد في البيت المسلم, لكن إذا شاهدنا في الواقع ما نشكو منه من انتشار الجرائم الأسرية فإن ذلك يرجع إلي عدم القيام بهذه المسئولية كما حددتها الشريعة الإسلامية.