اغتصب الذئب جحر ثعلب, وأجبر الثعلب أن يصبح تابعا له. ولم يهدأ الثعلب.. استخدم الدهاء والحيلة حتي وقع الذئب في بئر جافة. صاح الذئب من القاع متناسيا جدران البئر التي أطبقت عليه: هيا يا ثعلب.. لا تؤخر التدبير لخلاصي. تمهل الثعلب قبل أن يجيب: لكنني رأيت بالأمس حلما, أريد أن أستمع إلي رأيك في تفسيره..- صاح الذئب غاضبا: الآن وقت العمل لإخراجي وليس وقت تفسير الأحلام.. آمرك بالإسراع في وضع خطة لإنقاذي وتنفيذها.. صاح الثعلب ساخرا: ها أنت كعادتك تعود إلي إصدار الأوامر بغير أن تراعي إمكان تنفيذها, وترفض الاستماع إلي حلمي وهو وثيق الصلة بما نحن فيه!- عوي الذئب في عنف: إذن قل وأسرع.. لا تضيع الوقت ولن أنسي مساعدتك لي.. تمهل الثعلب وهو يقول في تأكيد: سلوكك الدائم في المراوغة أقنعني أيها الذئب أن أية محاولة لإنقاذك لن تؤدي إلا إلي وقوعي في ورطة جديدة لا نجاة لي منها! أدرك الذئب أن أساليبه الملتوية لن تخدع الثعلب بعد الآن, فبدأ القلق ينهش قلبه, واضطر أن يعود إلي التظاهر بالود محاولا أن يجعل لهجته أكثر رفقا وأقل تهديدا, قال: أنت تنسي صداقتنا الطويلة يا ثعلب, وتعرف جيدا أنك إذا أنقذتني فلا بد أن أحسن مكافأتك.. احتج الثعلب في سخرية: ما تطلق عليه صداقتنا لم يكن إلا سلسلة متصلة من القهر والسيطرة, لك كل الحقوق وليس لي إلا الطاعة بغير مناقشة!, ثم تمهل قبل أن يضيف وهو يضغط علي نطق كل كلمة ليؤكدها: أما عن المكافأة التي تزعم أنك ستقدمها لي, فلا شك أنها تشبه المكافأة التي قدمتها- في حلمي- الحية التي هربت من الحاوي. وواصل الثعلب حكايته بغير انتظار لموافقة الذئب علي الاستماع: رأي رجل الحية تزحف مرعوبة فسألها: ماذا أصابك ؟, سمع فحيحها: هربت من الحاوي.. إنه يبحث عني في كل مكان.. إذا أنقذتني منه وأخفيتني عندك سأحسن مكافأتك ولن أنسي جميلك, فأخذها الرجل طمعا في المكافأة ووضعها في جيبه. فلما جاء الحاوي ولم يجدها, انطلق مبتعدا يبحث عنها في مكان آخر, فزال عن الحية ما كانت تخاف منه.. فلما قال لها الرجل: أين المكافأة فقد أنقذتك مما تخافين ؟, أجابته في وقاحة وقد سيطرت عليها طبيعتها التي لا تفارقها: مكافأتك أن تختار العضو الذي أنهشه من بدنك.., ثم عضته عضة لا شفاء منها فانطفأت حياته.. وفي تأكيد أضاف الثعلب: ولا أنتظر أيها الذئب أن تختلف مكافأتك لي عما قدمته تلك الحية للرجل الذي أنقذها. استشاط الذئب غيظا وانفجر صائحا: أيها التابع المجنون, كيف توجه لي مثل هذا الكلام ؟! لقد نسيت نفسك.. أنت مجرد عبد لا يملك إلا طاعة سيده.. هيا ابحث عن شيء أتعلق به وأخرج, أو اجمع بعض أغصان الأشجار لأجعل منها كوما أصعد فوقه وأنجو. هنا أفلت زمام الثعلب, فصاح بالذئب في ثورة جامحة: يا لك من أحمق أصابه العمي فلا تبصر حقيقة نفسك وسوء موقفك.. كيف لا تدرك حدود قدراتك وأنت محاصر هكذا بغير أمل في هذه الحفرة الضيقة ؟! وبغير إضافة أخري, استدار الثعلب تاركا الذئب لمصيره, محاصرا وحده في قاع بئره المظلمة!!