ما أظن أن مصريا واحدا يتمتع بذرة عقل يقدم علي ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء التي ارتكبت الأسبوع الماضي علي عدد من الإخوة المسيحيين عند خروجهم من حفل زفاف بكنيسة السيدة العذراء مريم في منطقة امبابة. لا أتصور أن مصريا من أي ملة أو نحلة حتي ولو كان من جماعة الإخوان المسلمين التي أثارت في مصر الفزع وعطلت مرافقها وجامعاتها وقطاراتها طوال الأسابيع الماضية يقدم علي مثل هذه الجريمة البشعة في غايتها الدنيئة في وسيلتها. لابد أن كل مسلم مهما يكن قدر تدينه يعرف أن الاسم الوحيد الذي ذكر في القرآن الكريم هو اسم السيدة العذراء مريم البتول عليها السلام يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين هل أمام كنيسة هذه العذراء البتول ترتكب هذه الجريمة الشنعاء من مصري أيا كانت ملته؟. أنا أستبعد ذلك تماما ورغم كل ما كتبته عن جماعة الإخوان المسلمين في هذه الفترة الأخيرة وآخرها مقالي في المصري اليوم عن اعتدائهم علي علاء الأسواني في باريس فإنني أستبعد حتي علي هؤلاء أن يكونوا هم من ارتكبوا هذا الإثم الدنئ الذي حولوا به فرح مجموعة من الأبرياء إلي أحزان دون ذنب جنوه أو خطيئة ارتكبوها. إذن من فعل هذه الخطيئة ولماذا وما هي وسيلته؟ سؤال قد يستغربه البعض ويقولون إن المسألة أوضح من أن تثير هذا التساؤل. من يستطيع أن يقدم علي هذه الفعلة الشنعاء إلا الإخوان وبتمويل من تلك الإمارة الصغيرة في الخليج. لست من هذا الرأي. وعندي احتمال آخر ارجو أن يكون محل تفكير المخابرات العامة وأجهزة الأمن. في أكثر من مقال سابق قلت أكثر من مرة إن من يرد أن يكسر مصر ويمزقها ويقضي عليها فليس أمامه وسيلة إلي ذلك إلا إحداث فتنة طائفية تقضي علي الأخضر واليابس وتمزق شعبا عاش في وحدة متناغمة منسجمة علي مدي آلاف السنين. من الذي يريد أن يصل إلي هذه الغاية التي لن تتحقق بإذن الله وبإرادة الشعب الذي خرج يوم ثلاثين يونيو الماضي وخلق دولة جديدة بشرعية جديدة والشعب يوشك أن يكون هو الآخر جديدا. إذن من ارتكب الجريمة الشنعاء وما دوافعه وكيف كان ما كان؟ هناك كيان واحد في العالم يدرك جيدا ويخطط لتفادي هذا الإدراك ونتائجه هذا الكيان اسمه دولة اسرائيل التي تدرك تماما حتي وإن كنا نحن في غفلة ان صراعها مع مصر علي المدي البعيد هو صراع وجود وليس صراع حدود كما قال بعض قياداتهم ممن يحكمون الآن. ولا يتوهم أحد أن في اسرائيل يمينا متطرفا ويسارا معتدلا. اسرائيل دولة عنصرية استعلائية شعبها يعتقد في خرافة أنه شعب الله المختار. وإذا كانت اسرائيل توقن وتربي أبناءها علي أن المنطقة لا تحتمل دولتين قويتين مصر واسرائيل وكانت توقن وتربي أبناءها علي أن الصراع صراع وجود لا صراع حدود فإن مخططها الأساسي هو كيف تهدم كيان مصر من الداخل لكي تقضي علي هذا البلد لا قدر الله ولكي تخلو لها المنطقة ولا يعود هناك خوف من صراع الوجود. السبيل إلي ذلك قتل الوحدة الوطنية بمثل هذه الجرائم التي حدثت في امبابة أمام كنيسة السيدة العذراء. قال لي واحد من كبار رجال الأمن في مصر من تلاميذي وليس له أي لون سياسي إن تنفيذ كثير من الجرائم التي ترتكب لا يقوم به الفاعلون الحقيقيون سواء كانوا من الداخل أو من الخارج كما في حالتنا هذه في اعتقادي وإنما يقوم بها بعض معتادي الإجرام. قال لي هذا اللواء إن لكل جريمة ثمنا ينفذه هؤلاء المحترفون من معتادي الإجرام. قتل نفر له ثمن وقتل لواء له ثمن أكثر ضخامة وقتل دولة إذا كان ذلك ممكنا يمكن أن توظف له كل أموال الأرض. واسرائيل ببنوكها المنتشرة في أنحاء المعمورة وبسيطرتها علي قطاع كبير من عالم المال والاعمال والاعلام وبإدراكها أن الصراع هو صراع وجود لا حدود ورغبتها المؤكدة في هدم الكيان المصري لا يستبعد عليها ارتكاب شئ, ارجو أن يكون هذا الاحتمال ليس غائبا عن المخابرات والأمن المصري. ولكن شعب مصر بعد أن بدأ مرحلة جديدة في تاريخه وبعد أن بدأ خطواته نحو الحكم الرشيد والديمقراطية ودولة القانون لن يكسر ولن ينهزم أمام تلك الطغمة من شذاذ الآفاق. والله المستعان. لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل