حين تتوافر الإرادة لدي الحكومات تتحقق المعجزات!! ولكن يبدو أن الارادة الرسمية تجاه ضم الصناديق الخاصة والحسابات المستقلة إلي الموازنة العامة للدولة, لإحكام السيطرة عليها, وإخضاعها للرقابة الكاملة لم تتوافر حتي الآن! وعلي مدار سنوات طويلة, لم يتمكن أحد من وزراء المالية المتعاقبين ضم الصناديق والحسابات الخاصة للموزانة العامة للدولة, وكأن مؤسسوها والقائمون عليها قد أصبحوا فوق القانون, أو كأنها أصبحت دولة مستقلة داخل الدولة المصرية.. ولا تتعجبوا.. إذا علمتم أنها صارت منفذا لإهدار المال العام من خلال توزيع المكافآت علي المحاسيب, كما أصبحت أموالها فرصة للنهب والسلب!! تكاد تكون مصر علي حد قول عاصم عبد المعطي رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد- هي الدولة الوحيدة في العالم التي لها موازنتان: إحداهما صادرة بقانون, ومقيدة ببنود واعتمادات ولوائح, وهي الموازنة العامة للدولة, والأخري غير مقيدة بقانون, وهي الصناديق والحسابات الخاصة, ويتم الإنفاق منها وفقا لأهواء منشئها, وفي غير الأغراض المخصصة لها, وقد حان الوقت لضمها للموازنة أو ضم أغلبها. ولكن يبدو أن ذلك الإجراء يعد أمرا صعبا, نظرا لعدم توافر الإرادة السياسية في هذا الشأن, وكذلك نتيجة لضغوط كبيرة يتم فرضها علي أصحاب القرار في الحكومات المتعاقبة من منشئي تلك الصناديق, باستثناء القرار الأخير لوزير المالية السابق بضم20% من أرصدة هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة, وبرغم ذلك فالكثير من أصحاب هذه الصناديق يتحايل حاليا علي هذا القرار, لعدم تنفيذه! ويرجع السبب الرئيسي لغزارة أعباء تلك الصناديق بجميع أجهزة الدولة المختلفة- كما يقول رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد- إلي صرف الحوافز والمكافآت, والبدلات, وتشغيل المستشارين المختارين علي سبيل المجاملة, وشراء الهدايا, والسيارات, وسداد فواتير المحمول, والإعلانات, والمنح, والإعانات, ومصروفات الضيافة, وإنشاء مشروعات لا يستفاد منها في كثير من الاحيان, وذلك بأرقام فلكية, لا يمكن للقائمين علي هذه الصناديق توفيرها من خلال الموازنة العامة للدولة, بل في الأغلب الأعم يتم صرف معظمها دون وجه حق أو مبرر, ودون مقتضي قانوني لصرفها, مؤكدا أن ما أمكن حصره من هذه الصناديق بواسطة خبراء المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد في نهاية العام المالي2011-2012 قد بلغ نحو7103 صناديق وحساب خاص بلغت أرصدته في30 يونيو2012 نحو2,54 مليار جنيه. الرقابة غائبة ويشير تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب السابق والذي حصلت تحقيقات الأهرام علي نسخة منه- إلي أن عدم إحكام الرقابة علي هذه الصناديق والحسابات الخاصة نجم عنه مخالفات مالية جسيمة بلغت ذروتها في العام المالي2010/2009, حيث أن60% من إجمالي مصروفاتها يمثل مخالفات مالية, وإهدارا للمال العام, حيث يتم صرف جانب من أموالها في غير الأغراض المخصصة لها المنشأة من أجلها, فالانفاق علي شراء هدايا, ومكافآت, وبدلات لبعض العاملين يمثل نحو95% من المنصرف لبعض تلك الصناديق والحسابات الخاصة, إلي جانب صرف مكافآت وحوافز لبعض العاملين لا تربطهم بالصناديق والحسابات الخاصة صلة بأعمالها بالمخالفة للقانون رقم53 لسنة1973 بشأن الموازنة العامة للدولة وتعديلاتها. نهب المال العام - الإجابة تأتي علي لسان الدكتور د. سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة, والذي يؤكد أن الهدف من إنشاء الحسابات المستقلة والصناديق الخاصة هو تمكين وحدات الجهاز الإداري والوحدات المحلية من تنفيذ بعض الأنشطة وتقديم خدمات عامة, إلا أن هناك بعض الانتقادات التي وجهت لأدائها, ومن أهم هذه الانتقادات, سوء استغلال أموال الحسابات والصناديق الخاصة, حيث يقوم بعض المسئولين عنها بإنفاق مواردها علي تجديد مكاتبهم, وتغيير ديكوراتها, والاحتفالات, والمهرجانات والدعاية, ومجاملة بعض العاملين علي حساب البعض الآخر, عن طريق توزيع مكافآت وحوافز دون أية قواعد محاسبية أو مالية, كما أن الخدمات والأنشطة التي تقوم بها الحسابات والصناديق الخاصة تقوم بها أصلا الوحدات الإدارية المختلفة, أو يمكن أن تقوم بها, مما يخلق إزدواجية في المهام والاختصاصات, كما أن الصناديق الخاصة قد أصبحت وسيلة سهلة لنهب المال العام. تمويل عجز الموازنة ويتعجب الدكتور صلاح جودة المستشار الاقتصادي لمفوضية العلاقات الأوروبية من سعي مصر للحصول علي قرض من صندق النقد الدولي لتغطية عجز الموازنة, في وقت تمتلك فيه مليارات من الجنيهات في صناديق خاصة وحسابات مستقلة, ومن هنا يطالب بضرورة ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة, مؤكدا أن( الجهاز المركزي للمحاسبات) قد أشار في تقرير(2010/2009) إلي أن عدد الصناديق الخاصة يبلغ(9800 صندوق) بها أكثر من(1.1 تريليون جنيه), كما اعترف وزراء المالية المتعاقبون ومن بينهم الدكتور حازم الببلاوي وزير المالية الأسبق بان حجم الأموال بهذه الصناديق يقدر بالمليارات.. وهنا نطرح السؤال: كيف تكون هناك دولة لايعرف مسئولوها بعض البيانات المالية والسيادية.. ولذلك يجب علي المسئولين مراجعة هذا البند وضمه الي الموازنة العامة للدولة. الحل يبدأ من هنا هل لدي المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد آلية للتعامل مع هذه الصناديق, بما يضمن إحكام الرقابة علي أموالها ومواردها؟ - عاصم عبد المعطي: هناك العديد من الاقتراحات, منها تشكيل لجنة تضم من بين أعضائها البنك المركزي ووزارة المالية وعضو من إحدي الجمعيات الأهلية ذات الاختصاص وبحضور عضو من الجهاز المركزي للمحاسبات, بحيث تكون من أهم مهامها: إعداد حصر دقيق بعدد الصناديق والحسابات الخاصة بكل من الحساب الموحد بالبنك المركزي والبنوك التجارية المتخصصة والخاصة وارصدة هذه الصناديق والحركة الدائنة والمدينة بها في نهاية السنة محل الحصر, وكذلك إعداد بيان بالصناديق والحسابات الخاصة المنشأة لهدف نبيل تحقق الهدف الذي تم إنشاؤها من أجله لصالح المواطن المصري للتوصية ببقائها خارج نطاق الموازنة العامة, وضم باقي الصناديق والحسابات الخاصه للموازنة العامة للدولة, والتوصيه باعادة النظر ببند الاحتياطي بالموازنة العامة للدولة في ضوء ضم الصناديق والحسابات الخاصة للموازنة توفيرا للنفقات, إلي جانب التوصية بسن قانون يجرم كل من يفتح صندوقا او حسابا خاصا دون الرجوع للسلطة المختصة مع تشديد العقوبات اللازمة في هذا الشأن وكذا تجريم عدم الافصاح بشفافية عن كل تلك الصناديق والحسابات الخاصة المفتوحة حاليا مع تشديد العقوبة علي كل من يثبت تورطه في هذا الشأن, والتأكيد علي مبدأ شمولية الموازنة العامة للدولة وفقا للاحكام المادة3 من القانون53 لسنة73, وكذلك ما ورد بلائحته التنفيذيه بهذا الشأن, وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن الصناديق التي ترتب علي إنشائها زيادة الأعباء علي كاهل المواطن المصري التي يعتبر أعمالها من صميم عمل أجهزة الدولة التي يسدد المواطن عنها ضرائبه او رسومه القانونية اللازمه, وذلك إما بغرض إلغاء تلك الصناديق, أو إلغاء المصروفات المقررة عليها لصالح فئات معينة بتلك الأجهزة.. كيف نشأت؟ أجاز القانون رقم53 لسنة1973, إنشاء صناديق وحسابات خاصة في ضوء اعتبارات معينة, وفي الأحوال الضرورية لتحقيق أهداف محددة في ضوء ضوابط تحكم استخدام هذه الصناديق, وتحقيق الرقابة عليها, وتحقيقا لهذه الرقابة صدر القانون رقم105 لسنة1992 المعدل ببعض أحكام القانون رقم127 لسنة1981 بشان المحاسبة الحكومية الذي قضي بخضوع هذه الصناديق لرقابة وزارة المالية- علي حين يقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بالرقابة عليها بعد الصرف, ثم تلي ذلك صدور القانون رقم193 لسنة2006 حيث قضي بانشاء حساب في الخزانة الموحد بالبنك المركزي ليشمل حسابات تلك الصناديق اعتبارا من عام2005-2006, ثم صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم2070 لسنة2008 الذي يقضي بحظر إنشاء صناديق او حسابات خاصة في مادته الأولي, و نتيجة غياب الارادة السياسية, وضغوط أصحاب المصالح, تم اغفال تلك القوانين والقرارات, كما تم إغفال أهم مبدأ من مبادي إعداد وتنفيذ الموازنة, وهو مبدأ شمول وعمومية الموازنة, بمعني أن تشمل الموازنة وحسابها الختامي كل الموارد أيا كان مصدرها, وكل أوجة الاستخدامات أيا كان الغرض منها بهدف إظهار جميع المعلومات لصانعي القرار وواضعي السياسة المالية لإحكام توزيع الموارد علي أوجه الانفاق المطلوبة, و تحقيق الرقابة الفعالةعلي كل من إيرادات الدولة وأوجه إنفاقها المختلفة. الحقيقة في الصندوق!! لا أحد من المسئولين في الحكومة ولا من خبراء الاقتصاد خارجها يعرف عدد الحسابات والصناديق الخاصة, ولا حجم الأموال الموجودة فيها.. ففي حين يذكر الجهاز المركزي للمحاسبات أن عددها يتجاوز6 آلاف, تذكر مصادر أخري أن عددها يتجاوز10 آلاف حساب وصندوق خاص.. ومرة يقولون أن عددها يقدر بنحو6361 صندوقا.. ومرة يقولون أن ما أمكن حصره بالحساب الموحد بالبنك المركزي بالعملة المحلية فقط يبلغ نحو4890 حسابا خاصا, و620 صندوقا بالعملة الأجنبية وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للمحاسبات في عام2009/..2010 ومرة يقولون إن حجم أموالها يقدر بنحو5,33 مليار جنيه.. في حين يقدرها البعض بنحو47.5 مليار جنيه.. بينما قدرت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات حصيلة الصناديق الخاصة التي تم حصرها من قبل الجهاز بنحو99.8 مليار جنيه, بينما, لم يتم إدراج سوي13 مليارا فقط منها بالموازنة العامة للدولة في عام2013-2014.. ناهيك عن الحسابات الخاصة التي تم فتحها في العديد من البنوك التجارية ولا تخضع للرقابة!! مخالفات بالجملة نظرا لغياب الرقابة من جانب, وتفشي الفساد الإداري والمالي بالدولة, وغياب الشفافية وعدم المساءلة من جانب آخر, تلاحظ خلال ال20 عاما الأخيرة, إصدار الكثير من التراخيص للمحافظين, ورؤساء الجامعات, والهيئات, لإنشاء صناديق وحسبات خاصة, غابت عنها الرقابة والمساءلة سواء قبل الصرف أو بعده, وقد ترتب عليها إثقال كاهل المواطنين بأعباء رسوم إضافية لخدمات هي من صميم أعمال تلك الاجهزة, بل و يتم سداد المستحق عليها قانونا لتمويل هذه الخدمات, وكذلك يتم تمويل هذه الصناديق من خلال منح واعانات من الموازنة العامة للدولة ذاتها دون مقتضي لذلك, كما يستخدم معظم هذه المبالغ في غير الأغراض المخصصة لها, بالرغم من توافر بنود واعتمادات بالموازنة العامة للدولة, لمواجهة أي طوارئ قد تحدث خلال عام الموازنة, بخلاف الصناديق والحسابات التي تم انشاؤها دون صدور قرارات جمهورية بشأنها, بالمخالفة لقانون الموازنة العامة للدولة, فضلا عن عدم إعداد لوائح مالية معتمدة من وزارة المالية لتلك الصناديق, بالمخالفة لقانون المحاسبة القانونية. تبرعات إجبارية!! تعد الحسابات الخاصة للصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص في رأي إبراهيم يسري مؤسس نادي أعضاء جهاز المحاسبات- ونائب رئيس مجلس الإدارة بالنادي- بمثابة الباب الخلفي للموازنة العامة للدولة لنهب وإهدار المال العام وذلك بتحصيل الايرادات العامة والتصرف فيها دون ضوابط حاكمة, وخارج الموازنة العامة للدولة, ويمكن النظر الي ايراداتها باعتبار أنها تبرع إجباري يتم جبايته من جيب المواطن والمقيم, فهو يتمثل في كل ما يدفعه المواطن والمقيم من مبالغ للجهات المختلفة, بداية من تذاكر الزيارة في أي مستشفي حكومي, ونهاية بمصاريف تركيب عدادات المياه والكهرباء والغاز, مرورا ب الكارتة التي تفرضها المحليات علي مداخل ومخارج المدن ومواقف سيارات النقل الجماعي, فضلا عن تمويل بعض هذه الحسابات الخاصة من الموازنة العامة للدولة مباشرة, وهذا التبرع الإجباري يتم صرف معظمه في غير الاغراض المخصص من أجلها الحساب وأهمها بند المكافآت للقائمين علي إدارة تلك الحسابات الخاصة.