محمد مفتاح واحد من أهم الفنانين العرب الذين ساهموا في إعلاء قيمة الفن سواء في المغرب أو في سوريا أو حتي في بعض الأعمال العالمية التي شارك فيها من خلال السينما الإيطالية والأمريكية. حيث شارك مع الفنان محمود عبدالعزيز في بطولة مسلسل' باب الخلق' الذي عرض العام الماضي علي التليفزيون المصري, والأسبوع الماضي تم تكريمه خلال الدورة29 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط, وعلي هامش المهرجان كان لنا معه هذا الحوار السعادة علي وجهك أثناء مراسم التكريم كانت واضحة صف لنا هذا المشهد ؟ هناك عدة أشياء تختلج بداخل الإنسان وتظل راسخة في ذهنه مهما تقدم في العمر, فمنذ كنت صغيرا وأنا أشاهد الأفلام والمسلسلات المصرية, وكان حلما بالنسبة لي أن أشارك في التظاهرات الفنية المصرية, وقد تحقق جزء منها في العام الماضي من خلال وجودي في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدورة الماضية, لذلك عندما اتصلت بي إدارة المهرجان وقالت نريد تكريمك كنت في غاية السعادة, وأبديت موافقتي علي الفور لدرجة أنني أجلت بعض مشاغلي حتي أتفرغ للسفر إلي الأسكندرية هذه المدينة الجميلة وأنا سعيد بهذا التكريم. رغم حبك الجارف لمصر إلا أن رصيدك هو عمل واحد فقط هو' باب الخلق' ؟ بابتسامه هادئة وصمت يمتليء بروح الدعابة, قال: ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه, بمعني أن الحب الكبير للفن المصري لا يعني أن الحركة الفنية المصرية سوف تقف علي بابي ليل نهار, وإنما أنا فنان أختار من الأعمال التي تعرض علي, والحقيقة أنه لم تعرض علي أعمال مصرية إلا من خلال الصديق الفنان محمود عبدالعزيز, الذي اتصل بي منذ عامين, وقال: أنا سوف أدخل عمل درامي بعنوان' باب الخلق' وفي انتظار مشاركتك, ولا أريد أن أسمع كلمة إني مشغول أو لدي ارتباطات. وعن نفسي أحمل الكثير من مشاعر الحب والتقدير لهذا الفنان الجميل الذي أستمتع بمشاهدة أعماله, لكن كنت متخوف أن اللهجة المصرية تحتاج إلي وقت, لكنه طمأنني أن الجزء المتعلق بي سوف يكون باللغة العربية الفصحي, لذلك كنت سعيد جدا بالمشاركة في هذا العمل رغم أن التجربة لم تتكرر حتي الآن, لكن أعتقد أن الأيام القادمة سوف تقرب بيني وبين الجمهور المصري الحبيب. أنت واحد من أهم الفنانين في المغرب لكن شهرتك جاءت من دمشق كيف تفسر ذلك ؟ أشكرك علي وصفك لشخصي بهذه الصفة, لكن فلنتحدث بصراحة هناك محطات فنية تتمثل في أن بعض العواصم العربية لديها إشعاع فني يستطيع الوصول للمنطقة العربية بأكملها, مثل القاهرةودمشق, لكن الحقيقة أن دخولي عالم الدراما السورية جاء بالصدفة البحته حيث التقيت المخرج الكبير حاتم علي في المغرب, ووجدت فيه ميزة أنه يجمع بداخله بين عمل المخرج وأسلوب المتفرج, ولديه شخصية مستقلة وهي من صفات المخرج الناجح. وقد طلبني للعمل معه في أحد الأعمال السورية بعنوان' الفصول الأربعة' وكان ذلك منذ أكثر من أربعة عشر عاما, وأذكر أنه قد صادفني بعض الصعوبات كي أتأقلم علي العمل الدرامي السوري, وذلك لاختلاف اللهجة في نطق اللغة العربية الفصحي, فنحن ننطق اللغة العربية بلهجة مغربية في حين أنهم يريدونها بلهجة سورية, وقد أخذت بعض الوقت حتي تأقلمت علي أسلوب النطق بالطريقة الشامية, ثم انطلقت بعدها لأشارك في معظم الأعمال التاريخية, والتي كانت مميزة في طريقة الإخراج وإختيار الموضوعات, لذلك نالت احترام المشاهد العربي وتركت لديه أثرا جيدا. لنترك المشرق العربي ونتجه إلي المغرب ما تقيمك لمكانة السينما المغربية حتي الآن ؟ السينما بشكل عام في العالم العربي تواجه العديد من الصعوبات خاصة أن الحركة الثقافية الآن ليست كما كانت في السابق, وبالتالي أثرت علي المنطقة بأكملها, وبالنسبة للسينما المغربية فهي تواجه صعوبات كثيرة تتمثل في ندرة دور العرض السينمائي التي وصلت إلي أقل من خمسين صالة, رغم أن القانون المغربي يسمح لدور العرض المتهاكلة والتي يتم تجديدها بالإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات, ومع ذلك الحركة تتم ببطء شديد. أما النقطة الأخري فتكمن في أن الإنتاج السينمائي عندنا يصل إلي19 فيلما سنوايا, وهذا الرقم ليس بكبير, ولو قسمنا هذا الرقم علي عدد الصالات لفاز كل فيلم بصالتي عرض, أضف إلي ذلك أن الجمهور المغربي أصابته حالة ملل ولم يعد يذهب إلي السينما بشكل كبير, نظرا للتغير الواضح في الفئة العمرية التي ترتاد دور العرض, والتي تأتي معظمها من الشباب الصغير في السن, في مقابل تراجع العائلات التي كنا نراها في السابق. ولا ننسي أن هناك فئه أخري تحارب الفن السينمائي وتعتبره حرام, وفي رأيي أن أحد أسباب المشكلة يعود إلي الموضوعات السطحية التي يعتمد عليها كتاب الأفلام واعتمادهم علي الشكل المثير الذي قد يخدش الحياء, وبالتالي يبعد عشاق السينما الحقيقيين عن متعتهم الأساسية في مشاهدة أفلام تحمل قيمة فنية وفكرية وثقافية. 19 فيلما ليس بالعدد القليل المهم أن يكون بينهم أفلام جيدة ؟ هنا قد وصلنا إلي ذروة المشكلة, وهي أن هذا العدد الذي أراه قليلا من وجهة نظري يبتعد عن الواقع المغربي شيئا فشيئا, ويرجع السبب في ذلك إلي أن القائمين علي إدارة المؤسسة السينمائية عندنا يفضلون المشاريع الفنية المقدمة من المخرجين المغاربة المقيمين في الخارج, والذين تأثرو بالثقافات الأخري, لذلك هم يبتعدون عن الواقع الحقيقي. بالإضافة إلي أن التفكير في استهداف المشاهد الأوروبي فيه كثير من الخطأ, لأن الجمهور الفرنسي مثلا يبحث عن الأفلام الفرنسية أولا ثم عندما يفكر في أفلام أجنبية يذهب مباشرة إلي الفيلم الأمريكي, ولا يهتم بالفيلم المغربي أو بأفلام أخري, من هنا علينا إعادة النظر في تحديد المشاهد المستهدف حتي نقدم له ما يتماشي مع ذوقه العام, ولا نجري وراء سراب. إن كان هذا رأيك فكيف تفسر التهافت علي المهرجانات المغربية التي تقام طوال السنه ؟ من وجهة نظري أري أنه ليس هناك علاقة بين تقدم صناعة السينما وبين عدد المهرجانات التي تقام في أي بلد في العالم, والدليل أن كندا علي سبيل المثال إنتاجها السينمائي قليل رغم أنها تمتلك عدد كبير من المهرجانات, إذن هي في حقيقتها سياسة بعض الدول للتنشيط السياحي, وليس لنشر الثقافة السينمائية. وأصبحت الآن كل بلدة صغيرة في المغرب تصنع مهرجان سينما حتي أن بعض المهرجانات تقام في مدن وقري ليس فيها صالات عرض سينمائي, لكن أهمية المهرجان تأتي من تحقيق عرض منتجات أصحاب هذه البلدة علي الضيوف الأجانب, وهي تفكير اقتصادي وسياحي بحت, وبالتأكيد له مردود ناجح لكن ليس علي الثقافة السينمائية بالشكل الذي نأمله وفي رأيي يجب تقليل هذا العدد مقابل التركيز علي نشر الثقافة بشكل أكثر كثافة, حتي نرتقي بمستوي رجل الشارع الذي يريد أن يتقدم للأمام. شاركت في أفلام عالمية ورغم ذلك تركيزك علي المشاهد العربي لماذا ؟ أنا عربي أولا وأخيرا, وهذا وسام علي صدري وأعمل في الدراما العربية منذ أكثر من أربعين عاما, وحققت شوطا طويلا في مشوار النجاح سواء في المسرح الذي بدأت فيه أو الدراما أو السينما, أما الأفلام الأجنبية فقد شاركت في أفلام أمريكية وإيطالية وفرنسية, لكن يظل الشعور بالغربة في هذه الأعمال سائدا بداخل الإنسان. أذكر أن المرة الأولي التي شاركت فيها في فيلم عالمي كان بعنوان' الشيء المستحيل' للمخرج الأمريكي' جون فرانكين هايمر', والغريب أنه لم يكتب اسمي علي تترات الفيلم, وقد شاهدت ذلك صدفه بعد عامين أثناء وجودي في باريس, ثم عملت بعده أفلام أخري حققت نجاحات كبيرة, ومع ذلك أشعر بأن المشاهد العربي هو الأصل الذي يجب أن أهتم به, أما الأفلام العالمية فهي محطات في الطريق لها أهميتها لكنها ليست كل شيء.