إذا كان قضاة مصر الاوائل, في منتصف القرن الماضي, رفضوا تطوير القضاء و تحديثه بدعوي عدم المساس باختصاصاتهم التي كانوا يباشرونها. لما كان مجلس الدولة قد رأي النور, فقد نشأ المجلس يباشر اختصاصات كان يباشرها القضاء العادي الذي كان ينظر كافة الدعاوي المدنية و الادارية, و اختصاصات اخري كانت تباشرها هيئة قضايا الدولة, لكنهم اعلوا من شأن المصلحة العامة, فلم يقفوا في وجه تطوير القضاء. و يوضح المستشار اسلام احسان المستشار بالنيابة الادارية ان الاختصاص بنظر نوع معين من المنازعات تكليف من المشرع وحده, يسنده الي الهيئات القضائية المختلفة, بما يحقق الصالح العام المتمثل في سرعة الفصل في الدعاوي, و تحقيق العدالة الناجزة, و من ثم لا يحق لاي جهة, ان تقيد المشرع في مباشرة دوره الاصيل, و ان ترفض التطوير و الاصلاح ان انشاء جهة قضائية مستقلة جديدة تضم المحاكم التأديبية, و النيابة الادارية, باعتبارهما كيانا واحدا يحقق المصلحة العامة, فالدعاوي التأديبية هي دعاوي شبيهة بالدعاوي الجنائية, ومن ثم من المنطقي ان يتم تنظيم الكيان القضائي الذي يتولي التحقيق و الفصل فيها علي غرار القضاء الجنائي, و زيادة عدد الدوائر التأديبية, اذ ان عدد المحاكم التأديبية الان16 محكمة فقط, تختص بنظر الدعاوي التاديبية لاكثر من6 مليون موظف عام, و ليس خافيا علي احد ان سبب قلة عدد دوائر المحاكم التأديبية, و تأخر الحكم في الدعاوي التأديبية لاكثر من مدة الشهرين التي حددها القانون للحكم فيها, هو قلة عدد قضاة مجلس الدولة البالغ عددهم حوالي2000 قاضي, و المثقلين باعباء ملايين المنازعات الادارية المختلفة و ملايين المنازعات الضريببة التي اسندت الي مجلس الدولة مؤخرا, بالاضافة الي اعمال المفوضين, واعمال الفتوي و مراجعة التشريعات, وهو ما يمكن التغلب عليه, بالاستعانة باعضاء النيابة الادارية البالغ عددهم4200 عضو نيابة, باتاحة السبيل امامهم لاعتلاء منصة المحاكم التأديبية أسوة باعضاء النيابة العامة, و النيابة العسكرية, فلا توجد نيابة في مصر لا ينقل اعضائها للعمل بالقضاء إلا النيابة الادارية, و هو وضع خاطيء, ان الآوان لتغييره, بتوفير عدد كبير من القضاه ممن لم يسبق لهم مباشرة اعمال التحقيق و الادعاء في ذات موضوع الدعوي التأديبيه, للفصل فيها في خلال ايام قليلة, كما يحدث في الدعوي الجنائية ان انشاء القضاء التأديبي تقتضيه طبيعة التأديب ذاته التي تقتضي السرعة و الحسم في الفصل في الدعاوي التأديبية, لتحقيق الاستقرار الوظيفي, و تحقيق الانضباط المفقود في المرافق العامة المختلفة.