دخل تعبير سبتمبر/ أيلول الأسود إلي المصطلحات العربية منذ سنة0791, وهو يشير إلي الحرب الأهلية في الأردن,, وبمعني أدق هجوم الجيش الأردني علي الجماعات الفلسطينية وحتي تهديد حياة ياسر عرفات, رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. لكن في مصر يرتبط هذا التعبير أكثر وأكثر بوفاة عبدالناصر المفاجأة في82 سبتمبر سنة0791 أي منذ34 عاما وهو في عمر صغير نسبيا. فعند وفاته كان عمره25 ربعيا. بسبب ضغط السلطة وإرهاق العمل, أصبح عبدالناصر عليل الصحة, يذهب أكثر وأكثر إلي الاتحاد السوفيتي لتلقي العلاج من السكر وتزايد أزماته القلبية فرض عليه الإقلاع عن التدخين وطلب منه مرارا أن يقلل من ضغط العمل ويتجنب الإرهاق حتي لا يتوقف القلب وتنتهي الحياة. ومع أن الأعمار هي في النهاية بيد الله, إلا أن عبدالناصر فشل في الاهتمام بصحته, وقد يكون شعوره في هذا الأيلول/ سبتمبر الأسود من سنة0791 أنه ليس لديه أي خيار في الدعوة لمؤتمر القمة العربية لوقف سيل الدماء في الأردن التي بدأت تمزق العرب, حيث اعتبر الجيش الأردني والكثير من الأردنيين أن سلوكيات الجماعات الفلسطينية المسلحة تشكل اعتداء علي سيادة بلدهم, بل تمثل خطرا داخليا أكبر من التهديد الإسرائيلي الجاسم خارج الحدود. وفي الواقع عندما انعقد مؤتمر القمة العربية الطاريء في القاهرة كان الخوف كبيرا علي حياة الملك حسين نفسه المشارك في المؤتمر, بل تأخرت بداية الجلسة لأن الرئيس الليبي السابق معمر القذافي كان يصر علي الدخول إلي قاعة الاجتماعات بمسدسه, وكان هناك تخوف منطقي من أن تتأزم الأمور ويفلت الزمام وتنفلت رصاصة من هذا المسدس, وإزاء اصرار القذافي وعناده, لم يكن هناك من تدخل عبدالناصر لترك المسدس في خارج قاعة الاجتماعات وبدء الجلسة بعد جدال عنيف. هذا هو جو الضغط الجسماني والعصبي الذي كان يعيش فيه عبدالناصر في هذا الأيلول/ سبتمبر الأسود: جلسات عمل طويلة, مناقشات حامية داخل هذه الجلسات, مفاوضات ومساومات جانبية خارج قاعة الاجتماعات لكي يتم تذليل العقبات الكؤود والسماح للمؤتمر بالاستمرار واتخاذ قراراته.. وفعلا نجح المؤتمر إلي حد ما في وقف الدماء, ولكن الثمن كان غاليا: وفاة عبدالناصر نفسه. فقد أصر بعد نهاية المؤتمر علي توديع ضيوفه من القادة العرب بنفسه, وعند توديعه آخر هؤلاء القادة أمير الكويت لم يستطع المشي إلي سيارته, وفاضت روحه بعد ذلك بقليل بمنزله, كان هذا إذن في نحو الساعة الخامسة من82 سبتمبر/ أيلول0791 وهو تاريخ خاص جدا في حياة عبدالناصر. لان احدي أزمات عبدالناصر الكبيرة حدثت أيضا بتاريخ82 سبتمبر, ولكن قبل وفاته بتسع سنوات, كان هذا في82 سبتمبر سنة1691 حيث حدث انفصال سوريا عن مصر وانهيار دولة الجمهورية العربية المتحدة, يقال ان المرض واعتلال صحته بدأ هذا اليوم مع الانفصال, لماذا؟ لسببين علي الأقل: 1 أن عبدالناصر شيد سمعته ومجده علي حلم الوحدة العربية. في الواقع لم يكن زعيما مصريا فقط, بل أيضا وحتي أكثر زعيما عربيا. ففي غضون أقل من ثلاث سنوات من وصول الجيش إلي السلطة, دخل عبدالناصر معركة حلف بغداد وقاوم مبدأ الأحلاف العسكرية في المنطقة, وتبني مبدأ عدم الانحياز والاستقلال الوطني كبديل للأحلاف مع الدول الغربية, وفي سنة5591 ذهب عبدالناصر لحضور أول مؤتمراته الدولية: مؤتمر باندونج للدول الآسيوية الأفريقية هناك أيضا هاجم تركيا والعراق, أعضاء حلف بغداد واستطاع أن يكون في صحبة زعماء عمالقة ليقنعهم بأهمية عقيدته في الاستقلال الوطني والوحدة العربية. وبرغم تردده في قبول إلحاح بعض العسكريين السوريين في ابرام الوحدة بين مصر وسوريا, إلا أنه لم يستطع أن يقاوم طويلا وإلا ظهر بمظهر المتخلي عن مبادئه وعقيدته السياسية.. وفي الواقع بادله السوريون حبا بحب, وكانت شعبيته في البداية هناك أكثر بكثير من شعبيته في القطر الجنوبي أو مصر, حتي إن شهود عيان رأوا الجماهير السورية وهي ترفع عربته من علي الأرض ولذلك كان الانفصال مفاجأة وطعنة قاتلة في الظهر, فماذا حدث. 2 ترجمت هذه الوحدة شعار الملايين في سنة8591, ولكنها كانت ارتجالية دون اعداد أو تخطيط, بل حتي بعد الوحدة, لم يحدث الاندماج والالتحام المطلوب بين الشعبين, والأهم من كل ذلك ان المشير عبدالحكيم عامر الذي عينه عبدالناصر مندوبا عنه ليحكم سوريا لم يكن وهيئة مكتبه بالمستوي المهني المطلوب, مما أدي إلي فقدان الثقة في تجربة الوحدة نفسها. ولذلك كان الانفصال بالنسبة لعبدالناصر خيبة أمل أيضا في أقرب معاونيه وأعز أصدقائه, وستتأكد هذه الأزمة بين الرجلين في سنة7691 التي زادت من أزمة عبدالناصر الصحية. ولكن يوم82 سبتمبر, سواء في عام الانفصال سنة1691, أو في لحظة الوفاة سنة0791 ما يبرر تسمية شهر سبتمبر بأيلول الأسود. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني