اليوم يمر 43 عاما علي وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.. ففي مثل هذا اليوم 28 سبتمبر سنة 1970 فوجيء الناس في جميع أنحاء الكرة الأرضية ببيان ألقاه السيد أنور السادات في الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق مساء نعي فيه وفاة الزعيم جمال عبدالناصر. كانت مفاجأة حقيقية لكل الناس.. فقد كان الرئيس دائم الحركة طوال أيام ثلاث قبل وفاته.. يذهب إلي المطار لاستقبال زعيم عربي.. جاء ليشارك في المؤتمر الذي حضره ملوك ورؤساء الدول العربية لمناقشة مذابح "أيلول الأسود" التي كانت مع الفلسطينيين في الأردن. وبعد الجهود المضنية التي بذلت في هذا المؤتمر بدأ الرؤساء والملوك في العودة إلي بلادهم.. وجمال عبدالناصر دائم الحركة بين مقر المؤتمر والمطار لتوديع الضيوف.. وعند توديعه لأمير الكويت.. شعر بإعياء مفاجيء.. نقل علي أثره إلي بيته حيث تجمع حوله الأطباء وقد اكتشفوا اصابة الشريان التاجي بانسداد جديد فيه.. ولم تفلح محاولات الأطباء لإنقاذه.. ومات عبدالناصر.. وأصاب الناس بصدمة عنيفة.. كانوا يتساءلون: وماذا بعد وفاة الرئيس؟! لقد مات وترك مصر تئن وتتوجع بعد كارثة ..1967 وعمليات حرب الاستنزاف تجري علي خطوط الجبهة والأزمات الاقتصادية تلاحق البلاد من كل جانب والشعب تائه لا يعرف ماذا سيكون مصيره بعد وفاته!! كانوا في قمة الخوف والانزعاج.. لقد رحل عبدالناصر وتركهم يواجهون المجهول.. كانوا ينظرون إليه علي انه زعيم فريد في نوعه وفي تصرفه.. كان يلقي خطابا فترتفع أسعار البترول وقبل حرب 67 قال موجها كلامه لأمريكا ودول الغرب واسرائيل "من لا يعجبه البحر الأبيض فليشرب من البحر الأحمر"!! وكان الناس يقابلون هذا الكلام بالتصفيق والتهليل من شجاعته وجرأته ثم عقدوا عليه الآمال لتخليصهم من الورطة التي تورطوا فيها وأدت إلي اندلاع حرب 1967 مع اسرائيل.. فكيف سيتم تخليصهم منها؟ وقد مات زعيم البلاد!! وقام الشعب بجميع طوائفه بالسير في جنازته بصورة لم تحدث من قبل. لقد كانت أكبر جنازة شهدها العالم العربي. صحيح انه عندما مات الزعيم مصطفي كامل خرجت الأمة لتوديعه.. وصحيح أيضا انه عندما مات سعد زغلول سنة 1927 خرج الشعب في مسيرات حاشدة لتشييع جنازته.. ولكن جنازة جمال عبدالناصر فاقت كل تصور. كان جمال عبدالناصر زعيما بلا شك.. صاحب وجه مبتسم دائما.. ويجوز انها ابتسامة أخفت وراءها كل شيء.. كان يحلم بمصر القوية ويحلم بالمساواة بين أفراد الشعب.. كانت أحلامه كبيرة.. ولكن كان بعضها يتحطم علي صخرة تحديه لدول الغرب خصوصا وانه كان تحديا بلا أساس وأدي ذلك إلي معاناة مصر في كل الاتجاهات. كان عبدالناصر صاحب نظرية.. وسواء نجح فيها أو فشل.. فقد كانت ضرورية عند اندلاع ثورة 23 يوليو.. ولكن هل تصلح نظرية الناصرية الآن.. أعتقد ان زمانها قد انتهي فآن الأوان لكي نضع نظرية ترضي جميع الأطياف المستقلة البعيدة عن أي تيار.