المنطقة التي يسكن فيها وزير الداخلية مثل بقية مناطق مدينة نصر تسكنها الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا من المصريين. ولم يكن من العادة أن يسكن في تلك المناطق أحد من كبار رجال الدولة علي الأقل طوال العقود الثلاثة الماضية. ولكن الأحداث الأخيرة جعلت أحد سكان المنطقة التي أعيش فيها منذ أربعة عشر عاما يتولي منصب وزير الداخلية. لم يعرف أحد هوية الوزير الجديد حتي بدأ حي مدينة نصر بإصلاح مسافة قليلة من أرصفة تآكلت وأعاد رصف مساحات صغيرة من شوارع تهالكت. تساءل الناس عن تلك الهمة غير المعهودة من ذلك الحي الذي اكتسب شهرته من الإهمال والجباية. ثم ظهر في الشارع رجال الشرطة فأيقن الجميع أن في منطقتنا يسكن وزير الداخلية. وذات مساء كنت عائدا إلي بيتي ولكن كمينا أمنيا منعني من دخول الشارع وأشار إلي أحد رجال الأمن أن أسلك طريقا آخر حتي أصل إلي بيتي. ولم أجد مبررا لذلك فالهدوء يلف المكان. فطلبت من الرجل أن يفتش سيارتي ويتحقق من شخصيتي ولكنه رفض. ودار حوار لايخلو من الحدة والخشونة. وأخيرا جاء أحد الضباط وناقش الأمر بهدوء وسمح لي بالمرور. تذكرت ذلك الموقف صباح يوم الخميس الماضي وأدركت الخطأ الذي ارتكبته بالاعتراض علي تعليمات ضابط الشرطة وتمنيت لو أني اعتذرت له ولزملائه ممن يواجهون شيئا من اعتراضاتنا الواهية وغير الواعية. تملكني شعور الاعتذار حين هز المنطقة انفجار لم اسمع بمثله قوة ولم أشعر مع مثله بالرعب بينما كنت قد تجاوزت موقع الانفجار ببضع دقائق. استدعي الانفجار كل أشكال الرهبة من أعماقي فليس ذلك بصوت رصاص أو طلقات الألعاب النارية التي انتشرت مؤخرا دون سبب منطقي لزيادتها. في تلك اللحظة شعرت بسيارتي باردة كالقبر والدنيا من حولها مخيفة كالجحيم. ثلاثة طوابق أنيقة من الزجاج اعتدت رؤيتها كل صباح تحولت إلي ركام في ثوان معدودة. سحب الدخان الأسود ملأت السماء والحطام تناثر في الشوارع المتقاطعة. حركة الناس اضطربت وعلا الفزع وجوه الجميع. ولأول مرة تلامس أرض تلك المنطقة أشلاء بشرية. فلم تعرف من قبل سوي أشلاء قطة صغيرة أو كلب ضال صدمته سيارة مسرعة. فجأة جاء العالم مندفعا إلي تلك المنطقة التي كانت من قبل هادئة وآمنة ليشهد فصلا جديدا من فصول الإرهاب الأسود في بلاد المسلمين. لقد توقف الإرهاب في كل الدنيا أو يكاد ولكنه لايزال نشطا وحاضرا في أرض الإسلام. رأي الناس في هذه المنطقة- ولم يروا من قبل أيادي مبتورة وسيقانا مقطوعة وقطعا من لحم بشري. لحظات يمكن ألا تبقي فيها علي أي احترام للحياة البشرية. جاء العالم عبر وسائل الإعلام إلي المنطقة ليبحث ويدين ويستنكر. ولكن منه أيضا من جاء ليكذب كذبا وحشيا حتي يغسل أيدي الإرهاب مما وقع. بل وصل الخبل بالبعض أن يقول إن وزير الداخلية هو من دبر الحادث لتبرير تمديد قانون الطوارئ. منتهي العبث في الإعلام. وحين يجد مثل هذا الإعلام من يصدقه أو يستمد منه معلوماته, فهذا منتهي العبث في التفكير. ويبدو أننا سوف نعاني عبثا في الإعلام والتفكير معا لفترة ليست قصيرة. فلا يزال التفكير التآمري مسيطرا علي الجميع بالعجز عن التحليل الصحيح واستشراف آفاق المستقبل والقدرة علي تحمل مسئولية الأخطاء التي وقعت. فالشيطان هو سيد الموقف. فهو المسئول عن كل الأخطاء التي وقعت ولم يكن لأحد فيها يد. لقد تراجع الجميع عما فعلوه وتبرأوا مما قالوه تماما مثل الشيطان في يوم الحساب. وزير الداخلية لايذهب إلي مكتبه بطائرة. إنه يستقل سيارة تمشي في شوارع مكتظة بالمصريين الآمنين الوادعين رجالا ونساء وأطفالا. ففي أي دين أو شرع أو ملة يدفع هؤلاء ثمن الثأر المزعوم بين جماعة الإخوان ووزير الداخلية. الحل اليوم في مواجهة الإرهاب هو الأمن ومن ورائه شعب لابد من توعيته بما ينبغي عليه عمله في معركة الإرهاب. المكان الذي وضعت فيه السيارة المفخخة مكشوف جدا فهو تقاطع شارعين واسعين ويمكن رصده من بعيد. وكان يمكن بسهولة اكتشاف أي حركة مريبة فيه. وكذلك علي جانب الطريق في امتداد الشارع القادم منه الوزير تركت بعض السيارات القديمة المهملة التي يعلوها التراب منذ شهور طويلة وكنت أتمني لو أن أحدا انتبه إلي ذلك فهي مصدر خطر علي موكب وزير مستهدف يمر علي مقربة منها. يبدو أن الأمن اكتفي بتأمين سكن الوزير وطريقه في مواجهة المظاهرات أوالاحتجاجات التي قد تأخذ شكلا عنيفا. ولم يكترث بمسلك الإرهاب في استخدام التفجيرات التي انتهي زمنها في سنوات التسعينات. لابد من مراجعة شاملة لكل شيء يجري الآن. ولكن رجال الأمن وحدهم لن يستطيعوا مواجهة إرهابيين قرروا أن يقتلوا أنفسهم قبل أن يقتلوا ضحاياهم. وأولي مهام المصريين هي أن يستعيدوا ثقتهم في رجال الأمن وفيما يقولون. وهي ثقة تتحمل الشرطة جزءا من المسؤولية في استعادتها حتي نقف معا جبهة واحدة في مواجهة إرهاب ليس من بيننا شخص واحد مستثني من غدره. لمزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين