توقعات متباينة لسعر الدولار بعد تسلم مصر الدفعة الثانية من استثمارات رأس الحكمة    وفد جنوب إفريقيا: إسرائيل تحدت تدابير محكمة العدل الدولية وهاجمت رفح الفلسطينية    وزير داخلية سلوفاكيا: الاشتباه في محاولة ذئب منفرد في اغتيال فيكو    قائمة منتخب ألمانيا في «يورو 2024»    حالة الطقس غدا.. اعتدال درجات الحرارة    رئيس مجلس السيادة السوداني يوجه دعوة رسمية لشيخ الأزهر لزيارة البلاد    17 صورة من جنازة هشام عرفات وزير النقل السابق - حضور رسمي والجثمان في المسجد    محمد المنفي: ليبيا لا تقبل التدخلات الخارجية.. وندعم حقوق الشعب الفلسطيني    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    الثنائي متشابهان.. خالد المولهي يكشف طريقة اللعب الأقرب للأهلي والترجي في نهائي إفريقيا (خاص)    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    محمد عبده ونجمة «أراب أيدول» ليسوا الأوائل.. نجوم أعلنوا إصابتهم بالسرطان    هالة الشلقاني.. قصة حب عادل إمام الأولي والأخيرة    رامز جلال ونسرين طافش في «أخي فوق الشجرة» لأول مرة الليلة    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    وكيل الصحة بالشرقية يتفقد المركز الدولي لتطعيم المسافرين    "لذيذ ومقرمش".. طريقة عمل بسكويت النشا بمكونات بسيطة    ننشر حركة تداول السفن والحاويات في ميناء دمياط    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 .. رابط ظهورها بالخطوات    قطع مياه الشرب عن 6 قرى في سمسطا ببني سويف.. تفاصيل    القوات الروسية تسقط 3 مقاتلات "ميج-29" أوكرانية    الصحة تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين بالمدينة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    «زراعة النواب» تطالب بوقف إهدار المال العام في جهاز تحسين الأراضي وحسم ملف العمالة بوزارة الزراعة    محافظ المنيا: قوافل بيطرية مجانية بقرى بني مزار    عالم الزلازل الهولندي يثير الجدل بحديثه عن أهرامات الجيزة    أتلتيك بيلباو يحبط برشلونة بسبب ويليامز    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات فلكيًا.. (أطول إجازة رسمية)    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    جامعة المنوفية تتقدم في تصنيف CWUR لعام 2024    العربية: مصر تواصل تكوين مخزون استراتيجي من النفط الخام بعشرات المليارات    معهد التغذية: نسيان شرب الماء يسبب الشعور بالتعب والإجهاد    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    وزيرا النقل والري يبحثان تنفيذ المحاور الرئيسية أعلي المجاري المائية والنيل (تفاصيل)    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري: نقاشات صريحة للغاية في جلسات العمل المغلقة بالقمم العربية    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    خارجية البحرين: القاهرة حريصة على نجاح قمة المنامة.. ونقدر الدور المصري    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    «القاهرة الإخبارية» ترصد آخر الاستعدادات للقمة العربية في البحرين قبل انطلاقها    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    عبد العال: إمام عاشور وزيزو ليس لهما تأثير مع منتخب مصر    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصبر طيب..
يا أردوغان!!
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 09 - 2013

مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدس من مريدينا يحرس ديننا.. قول أخذه الإخوان شعارا يطبقونه علي أرض الحقيقة, فقاموا بتحويل المساجد إلي ثكنات عسكرية ومخازن للذخيرة.
ووجهوا قذائفهم من فوق مآذن التكبير والدعوة للصلاة لصدور الأبرياء وجنود مصر الأوفياء وبدلا من أن يشرق صباح الجمعة علي المصريين يرفعون فيه أيديهم إلي السماء فيستجاب الدعاء, أصبح هذا اليوم المقدس بمثابة فزاعة الإخوان الأسبوعية بمسيرات البلطجية الصاخبة التي ترهب الأطفال خلف الجدران وتخنق الأحلام في الأجفان, وليرهقوا بها هذا البلد الذي كان آمنا قبل خروجهم وحكمهم واستحواذهم واستقطابهم وتسلطهم وصندوقهم والثورة عليهم.. المقولة أبيات هتف بها أردوغان تركيا من ديوان الشاعر التركي ضياء كوكالب فأصدرت المحكمة قرارا بسجنه عام 1999 عشرة أشهر بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية ومحاولة قلب نظام الحكم العلماني.. أردوغان سيد الميكيافيلية الذي خطب في الجموع بعد توليه مقاليد بلدية اسطنبول قائلا: لا يمكن أبدا أن تكون علمانيا ومسلما في آن واحد, إنهم دائما يحذرون ويقولون إن العلمانية في خطر.. وأنا أقول: نعم إنها في خطر, وإذا أرادت هذه الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحد منعها. إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية.. وذاك سيتحقق لا محالة!.. إن التمرد ضد العلمانية سيبدأ... ويأتي عام 2003 ليفصح أردوغان عندما شغل منصب رئيس وزراء تركيا في تصريح علني: أنا علماني!!! ويخفف أردوغان وقع هذا التضاد علي الأسماع أثناء زيارته للقاهرة في سبتمبر 2011 بقوله اللولبي: الدولة العلمانية لا تعني نقص أو عدم الدين, ولكن العلمانية تحترم جميع الأديان والحريات الدينية للأفراد, مضيفا: أنا لست علمانيا, ولكني رئيس وزراء دولة علمانية! وبهذا يكون أردوغان سيد الوجهين, المتحكم بقدرة فائقة علي تغيير مواقفه بنسبة 180 درجة كاملة, والدفاع عن هذه المواقف في الحالتين بشكل يذهل خصومه, وليس أكبر دليل علي ذلك من مشروع القانون الخاص بتحريم الزنا عام 2000 عندما أصر علي المضي قدما في إقرار المشروع بالبرلمان رغم رفض الجيش والمعارضة والاتحاد الأوروبي له, وعندما هدد الاتحاد بعدم منح موعد لبدء مفاوضات عضوية تركيا فيه تراجع أردوغان خمسمئة خطوة للخلف وسحب المشروع من البرلمان كالشعرة من العجين!
وتنتاب أردوغان نوبات العظمة السلطانية فيتخيل نفسه للحظات السلطان محمد العثماني فاتح القسطنطينية الذي يمتلك حق التنبيه والتوجيه وأدب سيس خرسيس وهو يري حشودا ضخمة من شباب الربيع العربي تحمل صوره للهتاف بمن حسبته خليفة المسلمين الجديد, وتصفه صحيفة الفاينانشل تايمز الأمريكية بربما كان الزعيم الوحيد الذي يعجب به العرب بعد تحرير صلاح الدين للقدس من الصليبيين عام 1178, ويأسر أردوغان قلوب ملايين العرب الذين يتابعون تصريحاته الصاخبة عند قوله في كلمته أمام الجامعة العربية أثناء زيارته للقاهرة: بكاء طفل فلسطيني في غزة يوجع قلب أم في أنقرة.. ومثلما أقام السلطان خمارويه الأفراح والليالي الملاح لزواج ابنته قطر الندي من الخليفة العباسي المعتضد التي صنع لها الهون في جهازها من الذهب الخالص أقام أردوغان حفل زفاف أسطوري لابنته عام 2005 بلغت تكاليفه مليوني دولار في بلد ثلث سكانه تحت خط الفقر, وهو الذي ولد في 26 فبراير 1954 في حي قاسم باشا أفقر أحياء اسطنبول, وكان والده جنديا بسيطا في خفر السواحل وله أربعة إخوة, وهو ابن أسرة تمتد جذورها إلي أصول قوقازية, وكان ينتهز فترات الفسحة خلال اليوم الدراسي ليقوم ببيع شرائح البطيخ وكيك السمسم وأكواب الليمونادة في الطريق ليسد رمق عائلته التي تعيش في فقر مدقع, وعندما دخل في طور الشباب أمضي 16 سنة من حياته كلاعب كرة محترف في عدة أندية, وكان علي وشك احتراف اللعبة كوسيلة للعيش لولا انشغاله بالسياسة, فبعد الانقلاب العسكري الذي قاده كنعان أفرين عام 1980 تصادم أردوغان للمرة الأولي مع القوانين العلمانية في تركيا, إذ أن رئيسه في إدارة المواصلات في اسطنبول, وكان برتبة كولونيل متقاعد من الجيش, طلب منه أن يحلق شاربه, تطبيقا لمجموعة من القوانين الجديدة التي طبقها أفرين ومن بينها حلق الشارب والذقن ومنع النساء من دخول الجامعات والمؤسسات الحكومية بالحجاب, فحاول أردوغان التنصل من حلق شاربه فجاء قرار فصله طبيعيا.. ويظل معارضو أردوغان يقولون إن ميراث أتاتورك هو مستقبل تركيا, وما يريده أردوغان قد يعيدنا لطريق لا رجعة فيه لنصبح مثل بقية دول المنطقة دين يستغل السياسة.. وسياسة تستغل الدين!!
أردوغان الغاضب الثائر من أجل عزل مرسي العياط, الذي تعدي هجومه علي الثورة المصرية كل الحدود الدبلوماسية والأعراف الرسمية السائدة بين الدول, حين طال مؤخرا شيخ الأزهر لدوره في دعم عزل مرسي, مما أثار حفيظة الشعب المصري ورجال الأزهر الشريف ليرد عليه د. علي جمعة مفتي مصر السابق بأنه يملك الكثير من الملفات عن أردوغان وعليه أن يستحي من تطاوله علي الإمام الأكبر وإلا ستكون لنا وقفة حاسمة ضده.. ويتقدم حمدي الفخراني البرلماني السابق إلي محكمة القضاء الإداري لرفع دعوي قضائية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع تركيا لدعمها الجماعات الإرهابية في مصر مشيرا إلي أن أردوغان نجح في أخونة الجيش التركي وأنه يدافع عن الإسلام في الوقت الذي يرعي فيه بيوت الدعارة ويبيع الخمر في أكشاك الطريق!.. وكأن مصر بثورتها علي الإخوان قد أشعرت أردوغان بإمكانية التحول المستقبلي الغربي عن نموذجه بعد فشله عربيا, فهو بعد تورطه في الخلافات المحلية أصبح يقترض من رصيده الشعبي العربي الذي لم يتبق فيه الكثير بعدما خسر الكثير من حماس العرب له لعدة أسباب منها موقفه المنحاز للقذافي في الثورة الليبية, ووصفه المتعجل لما حدث في دولة البحرين بأنه كربلاء ثانية مؤيدا المتظاهرين المتطرفين, وكما قال الرئيس التركي عبدالله جول أن مصر وتركيا مثل شقي التفاحة, ومن مصلحة تركيا في هذا الوضع الإقليمي المتلاطم أن تبقي مصر دولة حليفة لها بعدم التدخل السلبي في شئونها كما فعل أردوغان بالبكاء علي أطلال اعتصام رابعة... وإلي جانب وضعه المتردي عربيا فهناك إمكانية انحسار الحماس الغربي له هو نفسه مادامت العادة الغربية هي نبذ الحلفاء من الزعماء بعد انقضاء صلاحيتهم وقلة فوائدهم رغم إطرائهم لهم في الكثير من المناسبات, مثل وصف باراك أوباما لأردوغان من أنه أحد خمسة أصدقاء عالميين يتمتعون بأوثق الصلات بالبيت الأبيض, هذا رغم عدم تعلم أردوغان للإنجليزية وإصراره علي الحديث بلغة بلاده التركية بهدف يداعب رأسه العثمانلي في بعث للدولة العثمانية علي يديه وبلسانه في ثوبها الجديد!.
أردوغان الذي أقر في حواراته بأنه لم يمر أبدا بتجربة حب, وإن كان الكاتب التركي جاكموق قد كشف في كتابه عن أردوغان بأن زوجة رجب قد رأته فارسا في أحلامها وقادتها مشاعرها الغامضة إليه علي أرض الحقيقة, وذلك كما روت القصة من أن السيدة أمينة المناضلة الإسلامية في حزب السلامة الوطني شاهدت رؤيا يقف فيها فارس أحلامها خطيبا أمام الناس وهي التي لم تقع عيناها عليه من قبل وبعد يوم واحد من الرؤيا ذهبت بصحبة صديقتها الكاتبة الإسلامية شعلة يوكسلشنر إلي اجتماع حزب السلامة فإذا بها تري أمامها نفس الرجل الذي زارها في المنام.. رأت رجب طيب أردوغان ماثلا أمامها من لحم ودم.. وتقاربت العيون والقلوب والأماني والأيدي لوضع خاتم الزواج لتصاحبه في مشوار الحياة صاعدة معه درجات السلم حتي وصوله لسدة الحكم لينجبا الصبيان والبنات, وأحد الأولاد الذكور سماه طيب نجم الدين علي اسم أستاذه نجم الدين أربكان من فرط احترامه لأستاذه, وإحدي البنات تدرس في أمريكا لعدم السماح لها بالدراسة في الجامعة التركية لارتدائها الحجاب كوالدتها التي لا يصحبها الزوج رئيس الوزراء إلي الأماكن الرسمية المحرمة علي المحجبات!.. وأبدا لم يقدم أردوغان خلاصة تجربته لأبنائه ولجماعة الإخوان كي يستفيدوا منها عندما فضل الانشقاق عن أستاذه نجم الدين أربكان قبل 15 عاما لأن معلمه فضل العناد والعيش في الماضي وحبس نفسه وحزبه وتجربته بأكملها في دائرة صراع مفرغة مع العلمانيين, إذ فضل أردوغان ورفاقه حينها السير إلي الأمام وإعادة الاصطفاف وانتظار الفرصة للعودة من جديد إلي الواجهة, وكان هو ورفاقه جاهزين لتحمل المسئولية مدركين كيفية الانحناء أمام العاصفة ومتي, لكنه مع الإخوان دفعهم للمكابرة والعناد والمجازفة, بل وذهب في السكة الخطرة إلي معاداة كل من وقف ضد عنف الإخوان, وكل من دعم خيار الشعب المصري الذي خرج في 30 يونيو وقال كلمته.. وربما اختلاف موقف أردوغان في التجربتين يعود إلي شعور بات يتغلب عليه في الفترة الأخيرة وهو الشعور بأن هناك مؤامرة دولية خطيرة تستهدفه شخصيا, وتبدأ بالإطاحة بالإخوان, وأن هذه المؤامرة التي تمثلت في مصر ستنتقل إلي تونس وسوريا وستمتد لا محالة لتصل إلي تركيا لتقطع رقبته, ولدي أردوغان الكثير من أسبابه الخاصة التي تدفعه إلي التفكير علي هذا النحو بحيث بات حبيس هذه الفكرة لا تغادره ولا تفارقه حتي أنه يشك في أن كثيرين من المقربين منه, بل ومن رفاق الطريق, باتوا يعدون الأيام لرحيله والتخلص منه, مما يجعله أكثر حدة في تصريحاته وتصرفاته وردود أفعاله التي استهدفت أخيرا منظمة التعاون الإسلامي وأمينها العام أكمل الدين إحسان أوغلو حيث انتقدها بشدة مطالبا أمينها العام بالاستقالة لعدم دعمها لتنظيم الإخوان, بينما كان هو بنفسه أكبر عامل علي فشل ذلك التنظيم بنصحه للإخوان بالسيطرة بأسرع ما يمكن علي مفاصل الحكم وأجهزة الدولة والنزول بإخوانيتهم إلي المحليات والنجوع والربوع والقري ومحافظات الجنوب من أجل تثبيت دعائم حكمهم ضد أي محاولة تسعي لإزالتهم كما حدث معه عندما واجه محاولة انقلابية فاشلة عام 2007 فسعي بعدها للسيطرة علي كل أجهزة الدولة بيد من حديد لمنع تكرارها وذلك بدلا من أن يركز علي نصحهم بالسير في طريق الديمقراطية والتركيز علي الاقتصاد ونموه والاستقرار والانفتاح علي الآخر والمشاركة لا المغالبة في العمل السياسي, ومع إخفاقاته السياسية في السنتين الأخيرتين وانتشار شبهة الفساد والمحسوبية داخل حزبه وحكومته بات يلخص الأمر في نحن وهم.. نحن المحافظون المتدينون المؤمنون بالصندوق, وهم الانقلابيون المتعاونون مع الخارج وأعداء الدين.. ومن هنا لم يستطع أردوغان استيعاب أن الفشل السياسي والأيديولوجي والاقتصادي للإخوان قد ولد ثورة 30 يونيو في مصر التي لا يوجد علي أرضها علمانية بالمفهوم الغربي والأردوغالي, وأنه لا يوجد عسكر يقود انقلابا وإنما جيش وطني عقيدته الدين والوطن يحتضن ثورة شعب, جيش يقاوم احتلال بلاده من أي معتد ويحافظ علي استقلالها منذ بدء تكوينه وعلي مدي آلاف السنين.. وإذا ما كانت هناك بعض الشكوك والإحباطات قد أحاطت بالعلاقة بين أردوغان تركيا وإخوان مصر بعد انتظامهم ضمن شراكة تركية مع الغرب, فإنها أي العلاقة تثبت نفسها في الحرب المزمعة علي سوريا بعدما أكد أوباما أن الضربة المرتقبة لن تكون مجرد شكة دبوس, فقد حشدت صواريخ وقاذفات الآلة العسكرية الأمريكية الجبارة التي أخذت مهلة ستين يوما للقضاء علي القدرة العسكرية المتبقية علي أنقاض وهشيم سوريا المنهكة المهجرة, وخرج أردوغان يطلب باجتياح سوريا لقلب نظام البعث وتسليم الحكم إلي الإخوان وحلفائهم من التيارات السلفية الرجعية, وشكر القرضاوي منظر التيار الإخواني الدولي أمريكا المتفهمة للموقف علي مواقفها المعادية لسوريا.. ولم ينس السيد أردوغان القيام بزيارة تجارية خاصة إلي المغرب للتسويق للشركات التركية علي حساب الشركات والمصانع المغربية كما حدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن وهي الزيارة التي باءت بالفشل.
ويظن الشعب التركي أن أردوغان قد قام بفتح عكا وأتي بما لم تأت به الأوائل عندما امتطي حصان المتاجرة بالقضية الفلسطينية في مؤتمر دافوس من أجل التغلغل إلي المنطقة العربية لترجمة مشروعه العثماني الجديد من بوابة الصداقة والعمق الاستراتيجي الخادع.. لقد استقبل آلاف الأتراك رئيس وزرائهم علي أرض المطار استقبال الأبطال بعدما انسحب من المؤتمر الاقتصادي بسويسرا اعتراضا علي عدم منحه الوقت الكافي للرد علي مزاعم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز حول العدوان علي غزة.. قال أرودغان للآلاف المهللة في المطار: إن لغة بيريز لم تكن مقبولة, ولم تعجبني, وكان علي أن أتصرف دفاعا عن كرامة تركيا.. كل ما أعرفه أنه يجب علي الدفاع عن كرامة تركيا والشعب التركي.. لست زعيم قبيلة بل أنا رئيس وزراء تركيا ويتعين علي أن أتصرف علي هذا النحو... ويضج أتراك الكرامة بالتصفيق علي من يعزف لهم علي أوتار الكرامة... وفوق المنصات يكدس أردوغان الأصوات تحسبا للانتخابات التركية القادمة علي الأبواب في ظل خشية من تحولات سياسية يحبل بها الصندوق الانتخابي.. ويمتطي أردوغان أخيرا إحدي المنصات ليقول إن الذي يقف وراء الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر هي إسرائيل!!! ويظن الكثيرون من كلام منصات أردوغان أن ما بين البلدين تركيا وإسرائيل بغضا أو عداوة, والحقيقة مختلفة تماما!!.. فقد احتفظت تركيا بعلاقات متميزة علي الصعيد التجاري مع إسرائيل رغم قتل الأخيرة لتسعة أتراك في واقعة أسطول الحرية الشهيرة في عام 2010, ولم تكتف أنقرة بذلك بل إنها رفعت الفيتو عن مشاركة إسرائيل في مناورات حلف شمال الأطلسي, كما لم تستخدم الفيتو ضد انضمام إسرائيل إلي منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي, واستمر التعاون الأمني والاستخباراتي, فضلا عن أكبر خطوة لدعم الأمن القومي الإسرائيلي المتمثلة بنشر منظومة الدروع الصاروخية علي الأراضي التركية لمواجهة الصواريخ السورية والإيرانية والروسية.. وبالتالي لا يمكن لأنقرة اتهام بلد مثل إسرائيل بأن بينهما تنافسا أو عداء, فالمصالح مشتركة وبناءة بين الثنائي تركيا وإسرائيل, هذا إلي جانب أن مصر الإخوان لم تنظر مطلقا إلي إسرائيل كعدو أو حتي كخطر أو كمنافس, بل لقد تعاملت معها علي أنها جار وصديق وفي أيضا, ورسالة العياط إلي الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ووصفه بالصديق الوفي وشعب إسرائيل بالشعب العظيم تكشف عن حميمية ودفء تلك العلاقة, وما انتقاد أردوغان للجيش المصري ووصف وقوفه مع الشعب بالانقلاب العسكري وتجاوزه حدود المنطق ليس إلا لسقوط المشروع الإخواني بالمنطقة, وخسارة تركيا أرودغان لنفوذ كان قد منحها الكثير من القوة التي باتت تتبخر الآن, خاصة بعد انكشاف كل الأوراق ليظهر أن العرب الذين وقفوا مع جيش مصر وشعبها لن يرضوا بحال من الأحوال عن موقف أردوغان الحالي تجاه مصر, كما أن شعب مصر كان يحلم برؤية النموذج التركي لبلاده وليس رؤية تركيا أردوغان ترفع أصابع يدها الأربعة تعبيرا عن رفض الفض لاعتصام رابعة... هذا بينما مضي الخبراء بتصفح صفحات الرموز والشعارات المندسة في الموسوعات فوجدوا أن تلك الأصابع الأربعة لا تمت بصلة إلي العاشقة المتبتلة في الذات الإلهية القائلة: أحبك حبين.. حب الهوي وحب لأنك أهل لذاك وإنما تلك اليد المدانة بأصابعها المتراصة ليست سوي أحد رموز الماسونية وليعاذ بالله.. وقد تكون ماسونية الأصابع بحجة رابعة عدوية كانت أو عدوانية أهون بكثير من تلك الكرافتة سماوية اللون التي يرتديها أفراد المجمع التآمري العالمي التي يحرص كل منهم في الاجتماعات العالمية المؤثرة علي عقدها حول عنقه لتتمدد علي صدر قميصه بلونها السماوي العاكس للمدلول الصهيوني الخبيث من النيل للفرات.. ودعوة كبداية لمراقبة أربطة عنق كرافتات كل من أوباما وكيري ونيتانياهو!!
و..أردوغان الذي يبكي فوق المنصة علي وفاة ابنة البلتاجي, المتهم بالتحريض علي القتل والترويع والإرهاب مصحوبا بالبراهين والإثباتات والمشاهد التي تابعناها جميعا علي الشاشات ليصلح كل منا كشاهد إثبات.. ذلك الزاعق المتباكي أردوغان الذي أقامت بلاده أكبر سد مائي أتاتورك الواقع علي نهر الفرات ويعد الثالث في العالم في حجم قاعدته والثامن من حيث الارتفاع, إلي جانب سدود أخري تستطيع أن تقطع المياه تماما عن الأنهار فيستطيع سد أورفا أن يحبس مياه دجلة والفرات تماما لمدة 600 يوما بما يعني تجفيف النهرين تماما لتغدو بمثابة ترع موحلة تغزوها الشقوق لتبور آلاف الأفدنة في البلدين العربيين الشقيقتين ليضاعف الظمأ من حجم مأساتهما.. هذا بينما الباكي علي رابعة المنتظر ظهور موسي للقضاء علي فرعون وأعوانه يتباهي بأنه قد قام بزراعة مليارات من الأشجار في فترة حكمه, زرعها لتخضر في أرضه لتموت أرض العرب بعد نهب مياهها, ويستنكر أردوغان قطع ثماني أشجار من حديقة تقسيم!!... وذاك مثلما حدث من قبل عندما حجبت إسرائيل مياه بحيرة طبرية عن نهر الأردن المقدس الذي اغتسل فيه السيد المسيح علي يد النبي يحيي, وعندها جف النهر أو كاد, وكان في فيضانه أشبه بالنيل في زهوة عطائه واتساعه ليغدو الآن وأنت واقف علي شاطئه من عمان تري الضفة الأخري. تري إسرائيل علي بعد شرفة الجيران!.. وكان نهر الأردن يصب في البحر الميت وعندما اعتل النهر مات البحر!..وحاولت سوريا تشييد سد اليرموك لتخزين الماء في الستينيات فتم تدميره في لحظات بطلعة استباقية للطائرات الإسرائيلية بلا دورة انعقاد عادية أو فجائية لمجلس الأمن أو الجمعية العمومية!! وهذا ما يعدونه لمصر والسودان بسد النهضة الكارثي الجاري تشييده في الحبشة والذي وافق عليه العياط من بعد تنازله للسودان عن حلايب وشلاتين في زيارة مريبة عاد منها لعقد جلسة مريبة سارع البرادعي أثناء أيامه المريبة بالاعتذار لأهالي الإمبراطور هيلاسيلاسي عما بدر منا من سوء خلق وتجاوزات أثناء حكم مرسي الإخوان الذي يعتبره رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رئيسا لمصر حتي الآن, وهو نفس ما يردده العياط أيضا أمام النيابة في التحقيقات من أقوال عبثية: أنا الشرعية, أنا الحصانة, أنا الصندوق!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.