وزير الداخلية مهنئا السيسي بعيد الأضحى: تقديم كل غالٍ ونفيس في سبيل إعلاء الحق والعدل    التعليم تكشف تفاصيل مهمة بشأن مصروفات العام الدراسي المقبل    تدريب وبناء قدرات.. تفاصيل بروتوكول تعاون بين مركز التدريب الإقليمي للري والمعهد العالي للهندسة بالعبور    الفريق أسامة عسكر يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة بالمنطقة الشمالية    المصري الديمقراطي: تنسيقية شباب الأحزاب استطاعت تأهيل عدد كبير من الشباب للعمل السياسي    ندوة إرشادية للنهوض بزراعة القطن بالشرقية    البورصة: مؤشر الشريعة الإسلامية يضم 33 شركة بقطاعات مختلفة    وزير الزراعة يلتقي نظيره الغيني لبحث تعزيز التعاون في الإنتاج الحيواني والداجني    وزارة العمل تنشر الخطة التدريبية السنوية للمركز القومى لدراسات السلامة والصحة المهنية    سرايا القدس تقصف أبراج إرسال بموقع إسرائيلي شرق غزة    صحة غزة تحذر من توقف محطة الأكسجين الوحيدة في القطاع    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل"قصواء الخلالي": موقف الرئيس السيسي تاريخي    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    مسؤول كويتي: 35 حالة وفاة في حريق بسكن عمال مكتظ جنوب العاصمة    ريال مدريد يبحث عن مدافع جديد بعد تقليل فرص ضم نجم بارين ميونخ    241 هدفا حصيلة تصفيات أفريقيا لكأس العالم بعد الجولة الرابعة    "مخدناش أي حاجة".. حازم إمام يعلق على ملف نادي القرن بين الأهلي والزمالك    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    التعليم: رصد حالتي غش بثاني أيام امتحانات الثانوية العامة 2024    وصول أسرة ضحية عصام صاصا لحضور أولى جلسات محاكمة مطرب المهرجانات    «السكة الحديد» تعلن تعديل مواعيد القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    رئيس بعثة حج الجمعيات الأهلية يشيد بالتنسيق مع السلطات السعودية    الداخلية: ضبط 562 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    كيف علق الجمهور على خبر خطوبة شيرين عبدالوهاب؟    حفلات حسين الجسمي وشيرين عبد الوهاب في عيد الأضحى    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عصام السيد يروي ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    5 نصائح من وزارة الصحة لطلاب الثانوية العامة لتقوية المناعة خلال الامتحانات    الصحة: إجراء 2.3 مليون عملية بقوائم الانتظار بتكلفة 17 مليار جنيه    جواو فيليكس: مستعدون لليورو والهزيمة أمام كرواتيا أعادتنا للمسار الصحيح    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    حماية العيون من أضرار أشعة الشمس: الضرورة والوقاية    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد جمعيتين بالشرقية    أماكن المجازر المجانية لذبح الأضاحي في الدقهلية    سر البند التاسع.. لماذا أصبح رمضان صبحي مهددا بالإيقاف 4 سنوات؟    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    إصابة سيدة صدمتها سيارة أثناء عبورها الطريق فى أكتوبر    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    وزير الدفاع الألماني يعتزم إعادة نظام تسجيل المؤهلين للخدمة العسكرية    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «اشتغل وخلاص».. رسالة خاصة من حازم إمام ل حسام حسن    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    حبس شقيق كهربا 4 أيام لاتهامه بسب رضا البحراوي    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسكندرية امرأة البحر.. وسيدة كل العصور
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 08 - 2013

تودع الشمس الميناء تاركة من خلفها ظلال السفن والمراكب الراسية.. الشوارع تنطلق من أحواض السفن.. البيوت المتلاصقة تعكس صورتها علي سطح البحر الأزرق البرتقالي.. رائحة الأرصفة الحارة أطفأها الماء وتبددت مع نسيم الغروب.. في هذا التوقيت, تتسكع علي شاطيء البحر عربات الحنطور, أو كما أطلق عليها الكاتب الإنجليزي داريل عربات الحب.. المقاهي العتيقة الممتدة علي واجهة البحر تعج بالناس.
دائما وأبدا يظل بحر الأسكندرية لغزا تتمادي العصور في تفسيره! تغازله الشمس كل صباح.. تأتي إليه الناس صيفا وشتاء.. تشكو إليه غدر الحياة وظلم البشر.. هادئا أو هائجا لا يبوح بالأسرار.. بل ويعلم أهله فنون الصبر وتحمل الصعاب.
ظلت الأسكندرية تلك المدينة الساحرة واحة نضرة لكثير من الشعراء والأدباء من جميع الجنسيات. بين مد وجز.. بين النوارس والاصداف... اسكندرية يامدينة تبدأ فينا وتنتهي, هكذا وصفها لورانس داريل صاحب رباعية الأسكندرية الشهيرة. بينما رأي فيها الأديب العالمي نجيب محفوظ عروس البحر الابيض المتوسط, يتنسم زائروها من انفاسها عبق التاريخ.. ونظر إليها أمير الشعراء أحمد شوقي باعتبارها عروس الماء... وخميلة الحكماء والشعراء. كما شهدت شواطئها ذكريات الشاعر أمل دنقل: في الصبح, نرفع راياتنا البيض للبحر مستسلمين.. لينخرنا الملح, يمنح بشرتنا النمش البرصي.. ونفرش أبسطة الظهر, نجلس فوق الرمال.. نمرح في حزننا الغامض الشبقي, لكي يتوهج.
يفسر الشاعر جمال القصاص غواية الأسكندرية لأهل الأدب والشعر, قائلا: الأسكندرية مدينة لا تشيخ.. قيمتها تمتد في الزمان والمكان.. تكمن عبقريتها في قدرتها علي استيعاب حضارات كثيرة علي مدي تاريخها فرعوني, يوناني, هيليني, قبطي, إسلامي, دون أن تطمس هويتها أو ملامحها الخاصة.. لذلك صارت بمثابة مسرحا مفتوحا علي شتي الأزمنة والأمكنة. ويضيف: أكسب البحر سكانها الكثير من الصفات الإيجابية منها سعة الأفق, وتقبل الآخر, والقدرة علي طرح البدائل, والحث علي التفكير والتأمل.. فالبحر أفق مترامي الأطراف لا نهاية له.. بالنسبة لي, هي بمثابة إستراحة المحارب.. هناك استلهمت ديوان الأسكندرية رباعية شعرية وخرج للنور بعد33 يوم فقط.
من ناحية أخري, يري جمال القصاص أن أفضل من كتبوا عن هذه المدينة الكوزموبوليتانية كانوا أبناءها الأكثر خبرة بدقائقها وأسرارها مثل إدوار الخراط, وإبراهيم عبد المجيد.. واليوناني قسطنطين كفافيس الذي يعد عراب الأسكندرية الأكبر.. فقد عبر عن حيويتها من خلال تتبعه لظلال المدينة وتعامله بمحبة مع أهلها علي كافة أطيافهم وألوانهم. في المقابل, كانت نظرة داريل استشراقية, تتعامل مع المدينة من الخارج فقط. كذلك, تناولها نجيب محفوظ في رواياته كمسرح عابر للصراع الاجتماعي والسياسي, دون أن يغوص في تفاصيل ملامحها الدقيقة كما فعل مع الحارة المصرية.
كفافيس.. عراب الأسكندرية
علي شواطيء الذكريات قصص وحكايات كتبت علي الرمال, لا يمحو مد البحر آثارها. يأتي تاريخ ميلاد قسطنطين كفافيس في يوم17 إبريل1863, متوافقا مع نفس عام ميلاد ترام الإسكندرية.. بالرغم من أن عمره من عمر الترام, كان صليل عجلاته الرهيب قادرا أن ينتزع كفافيس من النوم العميق.. وقد أدرك شاعرنا سر تسمية المصريين للترام بال كهربا.. فهم يخشونه كما يخشون السيارات, والأجانب, وأشياء أخري.. ومع ذلك, عندما تتجول علي طول الكورنيش, فإنك تراه يكتظ بالناس.. يتدافعون بصخب.. تتعالي أصوات ضحك وثرثرة.. وأحيانا مشادات كلامية. كم من قصص حب كتبت داخله!
ذاكرة مثقلة بالصور الملونة للمدينة الكوزموبوليتانية التي تضم جنسيات مختلفة.. حفظها في مجلدات علي اختلاف أحجامها. لقطات ومشاهد يتصفحها قسطنطين كفافيس كمن يري الأشياء عبر نافذة قطار مسرع.. من بين هذه الصور, التقط واحدة ليهود الإسكندرية, تتجلي تفاصيلها من خلال وصفه لنادي مكابي الشهير آنذاك.. هذا المكان الذي يشبه قبوا مزدحما بأشخاص مختبئين.. الجميع يتحدثون دون أن يصدر عنهم أي صوت!!.. الأسقف عالية, تتدلي منها ثريات ثقيلة علي هيئة الكمثري.. أما الجدران فتخترقها الأعمدة ذات اللون البني والأخضر بما يضفي علي المكان ألفة عتيقة.
الصورة التي رسمها كفافيس بريشته عن ملامح يهود هذه المدينة, تجعلهم أقرب إلي جالية ريفية.. ثرثارين ومتطفلين.. بيوتهم مغلقة علي أطعمتهم.. وروائحها, ونقائها المفتعل. عادة ما كان يردد دائما شاعرنا اليوناني أن الجميع في الإسكندرية يرتدون أقنعة.. لا يمكن أن تري شخصا يرتدي وجهه الحقيقي.. في دلالة علي انبهاره بهذه المدينة التي تجيد التنكر, وتنطق بلغات لا تعرفها.. لتحفظ بقاءها ووجودها. كان يمتدح تلك القدرة العفوية علي أن يكون كل شخص, في لحظة ما, إنسانا آخر!! في كل مرة يعبر الشارع أو يجلس علي مقهي, يلتقي بنفس القامات, لكن برءوس أخري!!.. المدينة هي التي تتحدث وليس أي من هؤلاء.
صيد العصاري
باتجاه البحر والأفق, يوجه شراعه.. مبحرا بين عوالم الأسكندرية.. يغوص في الأعماق الكاتب محمد جبريل ابن منطقة بحري, ليخرج لنا بعدة مؤلفات عبقرية منها: رباعية بحري( أبو العباس- ياقوت العرش- البوصيري- علي تمراز), صيد العصاري, المينا الشرقية, مد الموج, أهل البحر, حكايات عن جزيرة فاروس... في جميع رواياته تشم نسيم البحر, تتفقد الأسواق وحلقات السمك, ومراكب الصيادين.. يستوقفك بنات بحري, والترام, وجلجلة العربات التي تجرها الخيل.. تسمع موسيقي سيد درويش علي المقاهي, التي يقطعها صياح وصليل بائع العرقسوس وهو يدق أقداحه المعدنية معا لجذب إنتباه المارة.. مشاهد متكاملة من الحياة اليومية بالأسكندرية.
جبريل الذي عاش في القاهرة بسبب ظروف عمله, لم تغب مدينته الأم عن خاطره يوما واحدا.. بعد المسافات جعل الصورة أكثر وضوحا.. الاشتياق والحنين لمنطقتي الملهمة( بحري), التي أعرفها تمام المعرفة كما أعرف خطوط يدي, كان سببا في كتابة28 رواية عن الأسكندرية من بين35 رواية هي مجمل أعمالي. غير أن رواية رباعية بحري تظل أقربهم إلي نفسي.
ويسترسل قائلا: الرباعية توظف التاريخ والتراث في عمل أدبي حيث تدور في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي يوم26 يوليو1952, يوم خروج الملك فاروق من الإسكندرية.. من خلالها يتجول القاريء بين عشرات الشوارع والأزقة والحواري, من أول سراي رأس التين, وحتي المنشية واللبان, وكوم بكير( مركز الدعارة في الإسكندرية في ذلك الوقت).. ويدخل في البيوت والشقق ويعرف الكثير من أسرار العائلات السكندرية التي تقطن هذه الأحياء المجاورة لبعضها البعض. وفي مقابل حياة الليل والملاهي, سلطت الضوءعلي الجو الصوفي الذي تدور في فلكه أجزاء كثيرة من العمل.. الموالد وحلقات الذكر.. مقام أولياء الله الصالحين والمساجد. ولا تخلو الرباعية بالإضافة إلي ذلك, من أزجال وأغاني الصيادين, وأغاني الأفراح الشعبية, والموالد والطهور في مدينة الإسكندرية خلال تلك الحقبة.
مؤكدا أن إسكندريته ليست مثل إسكندرية داريل, يقول محمد جبريل: ربما قدم الكاتب الإنجليزي رباعية رفيعة المستوي من الناحية الفنية, لكنها في الواقع جريمة في حق المدينة! فقد صورت صراع طائفي( غير حقيقي) بين المسلمين والمسيحيين, كما كان جل اهتمامه مخاطبة القاريء الأجنبي بتحقيره للعنصر الوطني!.. ويضيف: إذا كان أديب كولومبيا غابرييل غارسيا ماركيز قد أعلن عن إطلاق طريق ماكندو الذي يهدف إلي الترويج السياحي لجميع الأماكن التي ورد ذكرها في روايته مائة عام من العزلة.. فإن بحر الأسكندرية لا حد له, والعالم كله حبات رمل علي شاطئه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.