اسكندرية مختلفة تماما.. تلك التي عرض لها الروائي البريطاني لورانس داريل(1912 1990) في رائعته الشهيرة( مجموعة الاسكندرية) التي كتب سطورها في المنتصف الثاني من القرن الفائت. اسكندرية( كوزموبوليتيك) اسكندرية الجاليات الأجنبية والثقافات الأوروبية. اسكندرية ارستقراطية.. مدينة جميلة تحتضن في جنباتها الشوارع العريضة والبنايات الشامخة والأحياء الراقية. اسكندرية ذات نسيج ثقافي ثري يضم خيوطا عديدة متباينة. تلك هي اسكندرية داريل. هنا في هذه الأجواء الخاصة جدا تدور أحداث الرواية التي تحمل معها أربعة أجزاء: جوستين(1957) بلتزار(1958) ماونت أوليف(1958) وكليا(1960). لا يمكن هنا إيجاز رباعية الاسكندرية في سطور قليلة.. فهي تموج بأحداث عديدة.. تتشابك خيوطها مع بعضها البعض, راصدة خلفها اسكندرية من( نوع خاص). دارلي( البريطاني).. جوستن( اليهودية المصرية).. نسيم الارستقراطي( المسيحي).. ميليسا( اليونانية), وغيرهم وغيرهم من الأبطال يصيغون معا حبكة داريل.. حبكة تجمع في خضمها بين جنسيات وديانات وأوساط طبقية مختلفة.. منظومة الحب والجنس والفساد والجو التآمري والإثارة والغموض تتبدي في سطور النص صاغها داريل بحبكة واقتدار بالغين وعرض معها ل( اسكندريته) التي رفضها بعض الروائيين السكندريين علي وجه الخصوص. صاحوا في ثورة: هذه ليست اسكندريتنا المصرية التي نعرفها. هذه اسكندرية غريبة عنا. ليست اسكندرية( بحري) و(الترام) و(الزنقة) و(الشوارع الضيقة) التي عشنا في رحابها. وربما يكون ذلك صحيحا علي نحو ما. إذ إن الكاتب البريطاني لم يعش في الاسكندرية سوي11 عاما, ولم يخالط سوي الأجانب والعائلات الارستقراطية ولم يعلم شيئا عن الشعب المصري.. كان داريل يستقي معلوماته من هؤلاء الذين يحيطون به.. فكان من الطبيعي أن تعكس سطور رباعيته تلك الأجواء الخاصة التي عايشها خلال اقامته. ولكن علي صعيد آخر تعد الرباعية بمثابة حجر أساس في تيار مابعد الحداثة في الكتابة الروائية كما يصفها النقاد.. واذا كانت اسكندرية داريل أو( عاصمة الذكريات) كما كان يطلق عليها الكاتب تبدو مختلفة في عيوننا عن تلك الاسكندرية التي نعرفها, الا أنها تقدم معها هذه( الخلطة) الفريدة التي عايشتها هذه المدينة, وتعكس معها كذلك رائحتها المميزة التي لاتفوح فقط من يود بحرها, ولكن أيضا من ناسها وأهلها وضيوفها وثقافاتها, وذلك الطابع المعماري الأخاذ الذي اشتهرت به بناياتها وعمائرها. ماذا تبقي من اسكندرية داريل, ماذا تبقي من تلك المدينة الوادعة الجميلة؟ سؤال قد يتطرق الي ذهن القاريء وهو يتابع الرباعية. والاجابة قد تحمل معها حنينا وحبا وحزنا. قام بترجمة رباعية الاسكندرية القدير فخري لبيب وأعادت نشرها دار الشروق في4 أجزاء من القطع المتوسط.