الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    محمود فوزي يكشف تفاصيل جلسة الحوار الوطني السبت المقبل    أبرزها تطوير منظومة الدعم، أهم تصريحات رئيس الوزراء من الإسكندرية أمس (إنفوجراف)    خبير مجوهرات يكشف عن توقعاته لأسعار الذهب الفترة المقبلة    الحكومة: الدولة تسعى لرفع الدعم تدريجيا عن بعض السلع لاستمرار توفيرها للمواطن    وزير المالية: خفض دعم الكهرباء لإنهاء خطة تخفيف الأحمال    خبير اقتصادي: الدولة تدعم رغيف الخبز بأكثر من 100 مليار جنيه    أمين الأمم المتحدة عن هجوم مجزرة الخيام: يجب وضع حد لهذه الفظائع    قوات الاحتلال تقتحم بلدة عنبتا شرق طولكرم    شهداء جراء قصف طائرات الاحتلال منزل فى حى الدرج شمالى قطاع غزة    مصطفى شوبير: انضمامى للمنتخب مختلف هذه المرة وحلمى الاستمرار كحارس أساسى للأهلى    حمدي فتحي: كيروش أفضل مدرب تدربت معه وإمام عاشور الابرز داخل الأهلي    لاعب الزمالك صاحب تهنئة إمام عاشور: "اللى حصل طبيعى.. وجوميز طلب تصعيدى"    المستشار القانوني لنادي الزمالك: تم إغلاق كافة القضايا ضد مجلس القلعة البيضاء    عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك 2024    مصرع 2 وإصابة 7 فى حريق مخزن ملابس ومنتجات بلاستيكية بالدقهلية.. صور    طقس الثلاثاء.. انخفاض بالحرارة ونشاط رياح وفرص أمطار خفيفة    رجع لحضن أسرته جثة، العثور على غريق ترعة الإسماعيلية بالشرقية (صور)    اتصالات النواب تكشف مفاجأة بشأن رابط شوف صورتك بعد سنوات    فوائد مذهلة لتجميد الخبز قبل أكله    4 أعراض للإصابة بمرض الربو، تعرف عليها    الحق في الدواء: 90% من المواد الخام تستورد من الخارج ونعاني من نقص الأدوية    ياسمين رئيس أنيقة بالأسود وفنانة تحتفل بعيد ميلاد ابنة شقيقتها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    فوز الطالب أحمد حنفي بلقب بطل تحدي القراءة العربي في دورته الثامنة    الأمانة الفنية للحوار الوطني: إجماع على أن الأمن القومي المصري خط أحمر    لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر تستضيف نجوم فيلم «رفعت عينى للسما»    اليوم.. الإعلان رسميًا عن الفائزين بجوائز الدولة لعام 2024    عبد الرحمن الأبنودي أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية    رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية يكشف لمصراوي أبرز تحديات العمل الأهلي في مصر    هجمات صاروخية وصفارات الإنذار تدوي في إيلات على البحر الأحمر "فيديو"    "قلوبنا موجوعة".. هيفاء وهبي تعلق على مجزرة رفح الفلسطينية    هل وصل متحور كورونا الجديد إلى مصر؟.. رئيس اللجنة العلمية يوضح    «صحة القليوبية»: رفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى المبارك    إبراهيم حسن: منتخب مصر للجميع..وهدفنا التأهل لكأس العالم    الألومنيوم يعلن انسحابه من كأس مصر حال تأجيل مباراة الأهلي    اليابان تدعو لتوخى الحذر بعد أنباء عن إطلاق كوريا الشمالية صاروخ    وزير المالية: تنمية الموارد وترشيد الإنفاق عنصران أساسيان لتكون الموارد بقدر المصروفات    رئيس جامعة المنيا يشهد ختام فعاليات المُلتقى السنوي الخامس للمراكز الجامعية للتطوير المهني    حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 28-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أحمد ناجي قمحة: الصدامات بالداخل الإسرائيلي سبب تصاعد العمليات العسكرية بغزة    تعرف على موعد عيد الأضحى في الدول الإسلامية    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل ‫    سنتكوم: قواتنا دمرت مسيرة حوثية فوق البحر الأحمر    عاجل.. حمدي فتحي يحسم موقفه من العودة إلى الأهلي    المندوه: الزمالك حصل على جزء من مكافأة الفوز بالكونفدرالية.. ونحاول حل أزمة القيد    أخبار 24 ساعة.. وزير الأوقاف: إجمالى المساجد المجددة منذ تولى الرئيس السيسي 12 ألفا    مصادر: ستيلانتس تعتزم إنتاج سيارتين جديدتين في إيطاليا    برلماني: الحوار الوطني يعود في توقيت دقيق لحشد الجهود لحماية الأمن القومي    أخبار مصر اليوم: استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين على الشريط الحدوي.. وموعد إعلان نتائج الشهادة الإعدادية 2024 بالقاهرة والجيزة    تعرف على فضل وحكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    فرص للطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية    الإفتاء: الفقهاء وافقوا على تأخير الدورة الشهرية للصيام والحج    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر لأداء الحج؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء تجيب    أحكام العمرة وفضلها وشروطها.. 5 معلومات مهمة يوضحها علي جمعة    جامعة الزقازيق تحقق مراكز متقدمة في مسابقة «إبداع 12»    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم يكن شعارهم حاكم غشوم خير من فتنة تدوم:
ثورة المصريين علي الحكام الظالمين
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 07 - 2013

'لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة وهادمي الأمم.. وما أتي عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كم تلتقم الأم رضيعها.. وما أتي عليهم قادم بسوء إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب.
. وهم أهل قوة وصبر وجلد وحمل.. ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج علي رأسه.. وإن قاموا علي رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه.. فأتقي غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم.. وأنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض'.. هذه كانت وصية الحجاج ابن يوسف الثقفي للقائد الأموي طارق بن عمرو.. تلخص طبيعة هذا الشعب المصري الوطني الذي يثور ضد كل ظالم متجبر.. ولم يكن قتلا بإراقة الدماء.. ولكنه قتلا بإبعاده عن كرسيه.. وهذه لمحات من ثورات هذا الشعب...
سنوات حرب وبلاء وثورة علي بيبي الثاني
'هذه سنوات حرب وبلاء'.. هذا ما كتبه الحكيم المصري' إيبوور' ليصف لنا ما آلت إليه الأمور في عهد الملك بيبي الثاني الذي حكم94 عاما وشهد نهاية حكمه ثورة ضخمة, فقد ضعفت الحكومة المركزية في عهده بسبب شيخوخته, وزاد سلطان حكام الأقاليم وزادت ثروتهم وزادت الأعباء علي كاهل الحكومة وتعطلت المصالح واشتدت المظالم مما أدي إلي قيام ثورة علي الظلم وعلي الحكم وحتي علي الآلهة وقد صور نتائج هذه الثورة في أواخر الأسرة السادسة' إيبوور'
ويصور لنا إيبوور ما وصلت إليه الأمور في نصوصه التي ترجمها الدكتور عبد المنعم أبو بكر مثلما وردت في كتاب تاريخ وحضارة مصر القديمة للدكتور سمير أديب:
ما هذا الذي حدث في مصر.. إن النيل لا يزال يأتي بفيضانه.. وليس هناك من يقوم بحرث حقله.. لماذا حقا أصبح الفقراء يمتلكون الكنوز.. إن من كان لا يملك نعلا أصبح الآن من الأثرياء.. لماذا أصبح الموتي يدفنون في النهر.. إن النهر أصبح جبانة وجعل الناس منه مكانا للتحنيط.. لماذا حقا عم الحزن الأشراف.. بينما ساد الفرح والسرور الفقراء.. لماذا حقا انتشرت القذارة في البلاد؟.. ولم يعد لمصري ثوب أبيض اللون في هذه الأيام.. لماذا حقا قد اختفي الضحك من البلاد.. لقد حل محله العويل والبكاء.. لماذا حقا ضرب بقوانين البلاد عرض الحائط.. وأخذ الناس يطأونها بأقدامهم.. انظر كيف أصبح نساء الأشراف متسولات.. ومن لم يمتلك خرقة ينام عليها أصبح اليوم وهو صاحب سرير.
ويوجه اللوم إلي الملك قائلا.. لديك الحكمة والبصيرة والعدالة.. ولكنك تترك الفساد ينهش البلاد.. الحقيقة أنك أوصلت البلاد إلي هذا الدمار.. والحقيقة أنك تتفوه كذبا
وكانت نتيجة تلك الثورة أن سقط الحكم وكان هناك ذبح لكبار الموظفين والمسئولين, وانتشرت العصابات, وانتشرت السرقة والنهب, مما أدي في نهاية الأمر إلي سقوط الأسرة السادسة بعد فترة قليلة.
ثورة طيبة وقتل الوصي
كانت طيبة هي قلعة ثورات المصريين ضد ظلم الحكام البطالمة وأعوانهم, فعندما تولي بطليموس الخامس الحكم في عصر البطالمة كان مازال طفلا, وكان' أجاتوكليس' الوصي علي الملك والمتحكم في البلد, وسيطر أجاتوكليس علي مصر بكل ظلم, وكان الشعب ينتظر من يقود قيادة ضده, إلي أن ظهر القائد' تليبوليموس', واندلعت الثورة, وكانت نظرية المؤامرة تسيطر علي الوصي, فقد قبض علي أشخاص ظن أنهم علي اتصال بالقائد الثائر, ولاقوا التعذيب للاعتراف بوجود مؤامرات عليه, وقام الجنود بمحاولة الوصول إلي الملك, وشعر' أجاتوكليس' بالخطر, فأعلن استعداده للتنازل عن وصاية الملك وسلطته هو وأقاربه وكل ما يملك مقابل حياته. ولكن الشعب رفض, وطالبوا بالقصاص من المجرمين, وبدأت مذبحة انتهت قتل' أجاتوكليس'.
ثم قام الشعب بتعيين' تليبوليموس' وصيا علي الملك, ولكنه كان ظالما وإداريا فاشلا في تصريف أمور الدولة, واستولي علي الأموال من خزانة الدولة, وأهمل إدارة شئون البلاد, وفقدت مصر أملاكها في الخارج, فثار الشعب من جديد وتم عزل هذا الوصي, وتم تعيين أوصياء جدد إلي أن تم تتويج بطليموس الخامس ملكا فرعونيا, وأرسل الملك جيشا ضد الثوار لمحاصرتهم وأعطي الملك الأمان للثوار فاستسلموا ولكنه غدر بهم وأعدم بعضهم لتعود الثورة من جديد بصورة أقوي لدرجة إعلان استقلال طيبة, وتم القضاء علي الثورة بصعوبة, ولكنها اندلعت في الدلتا, واضطر القصر الملكي إلي إلغاء الضرائب القائمة وصدر عفوا شاملا عن الجنود المصريين الذين انضموا إلي الثورة, ومنح كهنة أمون امتيازات جديدة, وأعطي بعض المصريين مناصب عليا في الجيش والإدارة.
الوالي المعزول
تسببت ثورات المصريين في عزل العديد من الولاة في العصر العباسي, ومنهم حنظلة بن صفوان, والذي ثار ضده أقباط مصر فحاربهم وهزمهم, ولكن الثورة لم تنته إلي أن تم عزله, وهناك أيضا حسان بن عتاهية التجيبي والذي ثار عليه الجند وعزلوه بأنفسهم, واعترض أهل مصر علي ولاية حنظلة مرة أخري ومنعوه من دخول البلد وحاربوه وهزموه, وهناك أيضا الحوثرة بن سهيل الباهلي الذي ما إن وصل مصر إلا وأجمع الجند وأهل مصر علي منعه من الدخول ولكنه دخلها رغما عنهم, وبعث حوثرة في طلب رؤساء مصر فجمعوا له فضرب أعناقهم, ولكن لم تهدأ الأوضاع في البلاد إلا عندما عزله مروان بن محمد.
قتل شر ملوك مصر
تولي الولاية علي مصر في العهد العباسي الوالي موسي بن مصعب سنة167 ه, ولم يتحمله الشعب سوي عشرة أشهر, فقد ثاروا عليه لظلمه, فقد عرف بتشدده مع الناس, وزاد الخراج علي كل فدان الضعف, وفرض ضرائب علي الأسواق والدواب وارتشي في الأحكام, فثار الشعب عليه, وخرج لقتالهم فقتلوه, فهي من أشهر ثورات أهل مصر ضد الولاة في العصر العباسي, ويقول المؤرخ ابن تغري في كتابه' النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة'( كان موسي هذا من شر ملوك مصر, كان ظالما غاشما, سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته' إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها' فقال الليث: اللهم لا تقه منها)
ثورة البشموريين تهز الخلافة
تعتبر ثورة البشموريين من أكبر وأشد الثورات في عصر الولاة, وكانت في فترة حكم الخليفة المأمون, وبالرغم من أن البعض صورها علي أنها ثورة دينية قام بها الأقباط ضد المسلمين إلا أن المؤرخين يجمعون علي أنها كانت ثورة اجتماعية ضد ظلم الوالي عيسي بن منصور وشارك فيها مسلمون, حيث أنه ضاعف ضريبة الأرض الزراعية' الخراج' وكذلك الجزية عشرات المرات مما دفع بأقباط مصر إلي أن يقوموا ببيع أبنائهم حتي يستطيعوا دفع الضرائب وأمام هذا الظلم لم يجد البشموريون أمامهم سوي الثورة.
وأهل بشمور كانوا في شمال الدلتا وبالتحديد في تلك المنطقة الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد وكانوا يعملون في إنتاج ورق البردي وصيد الأسماك إلا أن ظلم الوالي' عيسي بن منصور' كان سببا في حرق منازلهم وكنائسهم بل القضاء عليهم, وكان الوالي يرغمهم علي دفع الجزية, ولاقوا التعذيب, وتم سجنهم وضربهم, وقتل منهم أعداد كبيرة, فأعلنوا الثورة علي الوالي وقاموا بطرد عمال الدولة ورفعوا راية العصيان ورفضوا دفع الجزية وتواصلت الاحتجاجات إلي أن عم الغضب جميع أنحاء البلاد وأمام هذا الغضب تنصل الخليفة العباسي المأمون مما فعله واليه, ولكن عندما شعر بخطورة الثورة أرسل أخاه المعتصم علي رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي لإخمادها, ولكن لم يهدأ أهل بشمور مما اضطر المأمون إلي إرسال جيش آخر بقيادة' أفشين التركي' ولكنه فشل هو الآخر في إخماد الثورة واضطر المأمون أن يزحف من بغداد إلي مصر علي رأس قوة حربية لإخماد الثورة التي فشل في إخمادها كل قواده وقام باستدعاء الأنبا ديونيسيوس البطريرك الأنطاكي والأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط, وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد الثورة فكتب البطريرك يوساب خطابا إلي البشموريين حاول أن يقنعهم بعدم قدرتهم علي مقاومة الخليفة بالسلاح وأن ينصرفوا عن عزمهم في مواصلة الحرب ولما اتضح أن هذا الخطاب لم يؤثر فيهم, أرسل لهم الخطاب تلو الخطاب ملحا في رجائه, غير أن البشموريين عقدوا العزم علي مواصلة الثورة حتي لو كلفهم الأمر فناءهم وانضم إليهم الفلاحون العرب المسلمون الذين استقروا في مصر, فأخذوا يصنعون الأسلحة لمحاربة الخليفة علانية, فدارت الحرب الضارية بين جيش المأمون وأهل بشمور كان نتيجتها تدمير مساكن البشموريين وهدم كنائسهم وحرقهم وقتلهم ولما رأي المأمون كثرة القتلي أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم ثم سافر ما تبقي منهم إلي أنطاكية وكان عددهم ثلاثة آلاف مات معظمهم في الطريق أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد, وعلي الرغم من فشل الثورة في الوقوف أمام كل هذا العذاب إلا أنها سطرت
ثورة جياع.. والعسكر يعزل الوالي
في كتابه' عجائب الآثار في التراجم والأخبار' روي الجبرتي ما حل بمصر وفقراءها سنة1107 ه وحدوث ثورة جياع, وقال' اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا إلي القلعة, ووقفوا بحوش الديوان,وصاحوا من الجوع فلم يجبهم أحد, فرجموا بالأحجار, فركب الوالي وطردهم', فنهبوا مخازن الغلال الحكومية, وأضاف الجبرتي' وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها, وحضرت أهالي القري والأرياف, حتي إمتلأت منهم الأزقة, واشتد الكرب حتي أكل الناس الجيف, ومات الكثير من الجوع, وخلت القري من أهاليها, وخطف الفقراء الخبز من الأسواق, ومن الأفران, ومن علي رؤوس الخبازين, ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطب وبأيديهم العصي, حتي يخبزوه بالفرن, ثم يعودون به', واستمر الوضع إلي أن تم عزل علي باشا والي مصر
ثم تولي الحكم الوالي الجديد إسماعيل باشا.. ويقول الجبرتي' ولما استقر في الولاية ورأي ما في الناس من الكرب والغلاء, أمر بجمع الفقراء والشحاذين, وأمر بتوزيعهم علي الأمراء والأعيان, كل إنسان علي قدر حاله وقدرته, وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبا, وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء, إلي أن انقضي الغلاء, وأعقب ذلك وباء عظيم, فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء, فصاروا يحملون الموتي من الطرقات, ويذهبون بهم إلي مغسل السلطان إلي أن انقضي أمر الوباء في آخر شوال'.
لم تكن سيطرة الوالي علي أزمتي الغلاء والوباء آخر مآثره, فمع مرور الأيام أخذت مآثره تتوالي, فأكبر له الناس مثلا قيامه بالقبض علي شيخ اسمه محمد الزرقاني كتب حجة وقف مزورة, وأمر الوالي بحلق لحية الشيخ الزرقاني وتشهيره, ثم أمر بنفيه إلي جزيرة الطينة, وأبهرهم قيامه بمحاسبة باشا إسمه علي المنفصل تهرب من أداء الضرائب, فتم تشميع منزله وبيع ممتلكاته, ولهج الناس بالثناء علي الوالي عندما قام في يوم ختان ولده إبراهيم بالتكفل بمصاريف ختان2336 غلام من أبناء الفقراء وأمر لكل غلام بكسوة كاملة ودينار, ومع توالي قراراته العادلة الحكيمة ظن الناس أنهم وجدوا أخيرا حلمهم في حاكم عادل يدوم عدله إلي الأبد.
لكن الوالي تغيير في سياساته بعد ذلك, بناءا علي نصيحة مدير إدارة ضرب النقود الذي كان يهوديا اسمه ياسف, واستطاع أن يقنع الوالي بخطة جديدة يقترحها لزيادة ما يتم تحصيله لخزينة الدولة, فأشهر الوالي النداء بالقرارات الجديدة في شوارع مصر, ويقول الجبرتي' فاغتم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلي الأمراء وراجعوهم في ذلك, فركب الأمراء وطلعوا إلي القلعة وفاوضوا الباشا فجاوبهم بما لا يرضيهم, فقاموا عليه قومة واحدة, وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع عن تسليمه', وتصاعد الخلاف بين الوالي وأركان دولته الذين كانوا أكثر إدراكا منه لغضب الشارع, وبعد شد وجذب قرر الوالي أن يضحي بمساعده فيضعه في الحجز امتصاصا للغضب, لكن مطالب الشارع كانت قد تصاعدت بسبب تأخر الوالي في اتخاذ القرار, ويضيف الجبرتي' وفي ثالث عشر رمضان قامت العساكر علي ياسف اليهودي وقتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة, وقامت الرعايا فجمعوا حطبا وأحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة', ويضيف الجبرتي' قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة إسماعيل باشا سنتين'
يا رب يا متجلي.. إهلك العثمانلي
تتوالي ثورات المصريين التي لم تنقطع في أي عهد سواء ضد الحاكم أو الغازي, وتصل إلي جولة أخري من ثورات لخلع الحاكم, وذلك بخلع أحمد خورشيد باشا الوالي التركي سنة1805, الذي يستقدم معه أفراد حراسته من الجنود الذين يثيرون الرعب في قلوب أهل القاهرة بسبب فظائعهم, كما أغلقت المحال وانتشرت الفوضي بعد أن بدأوا يقتحمون المنازل ويغتصبون النساء ويخطفون الأطفال, فتجمع الأهالي يخرجون وجها لوجه لمواجهتهم, ويتمردوا علي خورشيد باشا, وكان أشهر هتاف في هذا العصر' يا رب يا متجلي.. إهلك العثمانلي', و' الظالم يرحل', وتركزت زعامة الثورة في السيد عمر مكرم نقيب الأشراف, والشيخ عبد الله الشرقاوي وأحمد المحروقي كبير تجار القاهرة, وألتف الشعب حولهم لعزل خورشيد باشا, وتلبية مطالب الشعب التي تمثلت في رفع المظالم عن الشعب وعدم جباية أموال جديدة, وأن يقيم الجنود في الجيزة بعيدا عن العاصمة ولا يسمح لهم بدخول القاهرة حاملين أسلحتهم, وفتح طرق المواصلات بين القاهرة والصعيد.
وقال الجبرتي' حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلي الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من الدالاتية الذين أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهرا, ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا, ولم يستطيعوا التخلص منهم إلا بتسلق ونط من الحيطان, وركب المشايخ وصعدوا إلي القلعة حيث مقر خورشيد باشا وشرحوا له الحالة المتردية التي تعيشها البلاد والعباد فكتب فرمانا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلي أصحابها فلم يمتثلوا, وخاطب المشايخ الوالي العثماني أحمد باشا خورشيد مرة أخري وأخبروه بعصيان الدالاتية فقال أنهم سيسافرون بعد ثلاثة أيام, لكن المشاكل ازدادت ولم تتوقف أعمال السلب والنهب, فاجتمع المشايخ يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرج الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلي الباشا فأرسل مبعوثا إلي الأزهر لكن المشايخ كانوا قد انتقلوا إلي بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم, فذهب إلي بيت الشيخ الشرقاوي وحضر السيد عمر أفندي مكرم وغيره فكلموه ثم انصرف وعند خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه, وفي الأحد الثاني عشر من صفر ركب المشايخ إلي بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتي امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا قائلين شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم وهتف الأولاد يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثمانلي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك, وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع, فحضر الجميع واتفقوا علي كتابة عرضحال بالمطالب الشرعية ففعلوا ذلك'
ولكن الوالي يرفض مطالب الشعب, وعندها يقرر زعماء الثورة طرده من منصبه وتولية محمد علي مكانه, ووفقا لرواية المؤرخ الرافعي فقد التقي السيد عمر بمستشار خورشيد( عمر بك) فوقع بينهما جدال قال فيه البك: كيف تنزلون من ولاه السلطان عليكم؟ وقد قال الله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم, فأجابه السيد مكرم العالم الأزهري: أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل, وهذا رجل ظالم, حتي السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه, فقال عمر بك: وكيف تحاصروننا وتمنعون عنا الماء والطعام وتقاتلوننا؟ أنحن كفرة حتي تفعلوا معنا ذلك؟ فأجابه الأزهري الوسطي: لقد أفتي العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لأنكم عصاة..
ويصف الجبرتي ما حدث' تمنع محمد علي أولا ثم وافق بعد إلحاح فأحضروا له( كركا) وعليه قفطانا, وقام السيد عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوي فألبساه له وقت العصر ونادوا به في المدينة, ولكن خورشيد باشا رفض اعتزال الحكم فحاصره محمد علي والجند الألبان في القلعة ليظل سجينا, وعاشت مصر حالة من الفوضي, حتي أصدر السلطان فرمانا في9 يوليو1805 فاضطر خورشيد إلي مغادرة القلعة وحكم محمد علي بإرادة الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.