في تحول غير مفهوم, أصبحت مصر دولة مستوردة للغاز الطبيعي بعد ان كانت تصدره ليس فقط لإسرائيل وانما لدول عربية واوروبية. ويصل بنا الحال ان نطالع تقارير صحفية أجنبية تلمح الي احتمال لجوء مصر الي استيراد الغاز من اسرائيل بعد ان كانت الاخيرة تحصل من مصر علي40% من احتياجاتها من الغاز, الا ان افتتاح حقل لامار أغناها عن الاستيراد, وحتي تكتمل ملامح المشهد العبثي, لا تفاجأ عندما تعلم ان مصر التي تتلقي شحنات غاز مهداة من قطر لسد العجز الذي بلغ نحو1.5 مليار متر مكعب, مازالت مستمرة في الوقت ذاته في تصدير الغاز! هذا التحول لم يكن مفاجئا لخبراء البترول, بل توقعوه وحذروا منه قبل سنوات من وقوعه, ربما منذ بدء قيام مصر بتصدير الغاز لاول مرة في عام.2005 السفير ابراهيم يسري صاحب الدعوي القضائية المطالبة بوقف تصدير الغاز لإسرائيل الذي حصل علي حكم لمصلحته يعود بذاكرته ويقول اعلنت في المحكمة اننا لا نملك احتياطيا كافيا للتصدير وان الدستور يلزمنا اولا بالاكتفاء المحلي من اي سلعة قبل تصديرها, وعندما حذرت من نفاد الاحتياطي الذي قال عنه وزير البترول الاسبق سامح قهمي انه يكفينا مائة عام- وكان يصدره بدولار وربع لاسرائيل- تقدموا ضدي ببلاغين للنائب العام يتهمونني بنشر اخبار كاذبة تخل بالاقتصاد القومي عقوبتها الحبس9 سنوات, ولا شك انه كان هناك مبالغة في تقدير احتياطي الغاز لدينا قدره الوزير الاسبق ب103 تريليونات وحدة حرارية بينما لا يتجاوز30 تريليونا. ويتابع يسري الاسباب التي اوصلتنا الي تلك النتيجة فيقول: في عام2003 تم توقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع قبرص- ولم نعرف بهذا الامر سوي منذ شهرين ترتب عليها ضياع حقول غاز تحوي كميات هائلة. فقانون البحار ينص في المادة74 علي انه اذا تعددت الدول المتلاصقة والمتقابلة علي مسطح مائي, فلابد ان يكون ترسيم الحدود البحرية باتفاقها جميعا ولا يجوز عقد الاتفاقيات الثنائية, لكننا مع ذلك وقعنا اتفاقية ثنائية مع قبرص, وتلك الاخيرة وقعت اتفاقية ثنائية مع اسرائيل, والنتيجة اننا خسرنا ثلاثة حقول للغاز الطبيعي, الواحد منها يجعل مصر دولة غنية, وهناك حقل يقع علي بعد90 ميلا من دمياط يقع داخل حدود اسرائيل البحرية وبالطبع كان المقابل هو عمولات تم دفعها لتمرير تلك الاتفاقيات, ويضيف الطامة الكبري ما يحدث الان في الاسكندرية, حيث تقدمت ببلاغ الي النائب العام بشأن اتفاقية البحث والإنتاج بحقول الغاز بشمال الإسكندرية, لصالح شركة بريتيش بتروليوم, والتي لم يرد لها مثيل في تاريخ عقود الشراكة البترولية في العالم; إذ تلغي فكرة تقاسم الإنتاج مع الشريك الأجنبي, فلمصر الحق في حصة مجانية مقدارها40% علي الاقل من الغاز, لكن مصر تنازلت عن حصتها, فاذا رغبت في الحصول علي الغاز اشترته من الشركة! وحينها اقنعوا الرئيس السابق مبارك بان هذا التنازل سيكون مقابل عدم تحمل مصر اي تكاليف في الحفر والاستخراج التي بلغت10 مليارات دولار ويؤكد يسري في ختام حديثه لدي جلسة لنظر تلك القضية في يوليو القادم, واذا حصلنا علي حكم لصالحنا قد يلجأون للتحكيم الدولي, لكن لو تم تصحيح كل تلك الاوضاع لتبدل بنا الحال تماما ولاستغنت مصر تماما عن استيراد الغاز. صناعات التصدير ويقر الدكتور ابراهيم زهران- الخبير البترولي- ان تصدير الغاز كان خطأ منذ البداية, وقال منذ ذلك الوقت ونحن نحذر من أن مصر ستبدأ في الاستيراد في عام2011 وهو ما حدث بالفعل, ومازال التصدير قائما رغم العجز الحالي, ويتعللون بالاتفاقيات الموقعة وانه اذا تم الغاؤها سيتم مقاضاتنا, لكن الواقع يقول ان هناك مافيا مستفيدة من التصدير وتتلقي العمولات مقابل الاثمان البخسة التي يتم تصدير الغاز المصري بها, فهل يعقل ان نصدر الغاز مقابل دولارين( لكل مليون وحدة حرارية) ونستورده من قطر ب17 دولارا؟! وهل يعقل ان تتنازل مصر عن حصتها من الشريك الاجنبي, ويعلن سامح فهمي في مجلس الشعب في عام2010 ان المقابل هو اننا سنشتري منه الغاز بسعر رخيص, وهو أصلا ملكنا! وطالب زهران بوقف التصدير فورا, وتشجيع الانتاج والأهم من ذلك كله محاسبة الصناعات التصديرية من مصانع لليوريا والاسمنت والسيراميك التي تشتري الغاز من الدولة بسعر مدعم ما يعادل75 سنتا ثم تقوم بتصديره وبيعه بنحو27 دولارا( للمليون وحدة حرارية) والتربح منه لتهدر بذلك نحو60 مليار جنيه دعما, ولهذا يجب ان يحصل هؤلاء علي الغاز بالسعر العالمي وليس المدعم. تعتيم بحت أصواتنا منذ سنوات ونحن نطالب بعدم التفريط في ثرواتها عبرعقود طويلة الأجل هكذا بدأ الدكتور رمضان ابو العلا- الأستاذ بكلية هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية- حديثه حول الأسباب التي دفعت مصر لاستيراد الغاز, وقال ما حدث جاء نتيجة طبيعية لتوقف الانتاج والسماح بالتصدير وزيادة الاستهلاك, وتحذيراتنا كانت بناء علي دراسات وابحاث وليست عشوائية. ويتابع ابو العلا لم يكن اصلا من المفترض ان تقوم مصر بالتصدير لان اجمالي ما يتم انتاجه لا يسمح بالتصدير ونحن الآن مضطرون لاستمرار التصدير لان الدولة ملتزمة بعقود طويلة الاجل, وقد طالبت مرارا بتشكيل مجلس علماء من خبراء البترول والاقتصاد والقانون ليضعوا السياسات اللازمة لادارة ثرواتنا البترولية, ويكون بمنأي عن التنفيذيين, لكن لا حياة لمن تنادي, والمشكلة متفاقمة, صحيح لا يمكن الجزم اذا كنا سنتمكن من الاستغناء تماما عن استيراد الغاز اذا تم تصحيح الاوضاع, لكن علينا اولا ان نطلع علي المعلومات, فكل البيانات والمعلومات نستقيها من مصادر أجنبية, لان الوزارة تفرض حالة من التعتيم الكامل, وما احصل عليه من معلومات يتم بالصدفة, فكيف لنا كخبراء ان نطرح حلولا للمشكلة؟! وفضلا عن ضرورة البحث عن المزيد من الغاز في المياه العميقة وعدم الاعتماد فقط علي الشركات الاجنبية, يتساءل ابو العلا نحن الآن نصدر غازا للاردن مقابل4.5 دولار( لكل مليون وحدة حرارية) في حين نستورده من قطر مقابل13 دولارا, وعندما نسأل لماذا نتهاون في حقوقنا الي هذا الحد, يقال ان مصر هي الشقيقة الكبري!! بينما في واقع الامر ان ما يحدث هو ابتزاز لمصر من خلال التلويح بكارت العمالة المصرية والنتيجة ضياع ملايين من الدولارات علي مصر.