قامت الثورة المصرية من أجل صون كرامة المواطن وحماية حقوقه وصون حرياته في مفهومها الشامل ودلالاتها الكلية وتطبيقها العملي. فلم تكن القضية فيما قبل الثورة تتعلق بأزمة في النصوص الدستورية أو قصور في التشريعات القانونية, بل يمكن القول أن دستور1971 كفل في العديد من نصوصه حقوق الافراد وحرياتهم وإن جاءت القوانين في جزء كبير منها تقييدا لبعض هذه الحقوق والتضييق علي الحريات الشخصية. إلا ان الممارسة العملية في النظام السابق كانت قد افرغت جل هذه الحقوق والحريات من مضمونها, بمعني أكثر وضوحا كانت هناك فجوة شاسعة بين ما تقرره النصوص وما تشهده الممارسة العملية من انتهاكات لحقوق المواطن وتقييد لحرياته. وكان الاعتقاد أن مصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ووضع دستور جديد يتناسب مع تطلعات الشعب وطموحاته في دولة عصرية تحترم حقوق مواطنيها وتدافع عن حرياتهم. إلا ان الواقع لم يشهد تغييرا يذكر في هذا الخصوص, فما زالت الفجوة واسعة بين النص والممارسة العملية, فما حدث مع فضيلة الشيخ الدكتور/ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مطار برج العرب عند عودته من اداء العمرة, وحجزه لمدة ثلاث ساعات او يزيد بحجة وجود اسمه ضمن قوائم الترقب يكشف بجلاء عن ان ممارسات النظام السابق ما زالت هي الحاكمة, فقد نص الدستور في مادته الخامسة والثلاثين لتؤكد علي انه فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض علي أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. علي ان يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتي عشرة ساعة. وجاءت المادة الثانية والاربعين لتستكمل منظومة الحق في التنقل حيث نصت علي أن حرية التنقل والاقامة والهجرة كاملة, ولا يجوز بحال إبعاد أي مواطن عن اقليم الدولة ولا منعه من العودة اليه. في ضوء هذين النصين كيف يمكن تفهم ما حدث مع الشيخ ياسر برهامي كمؤشر علي ما يحدث مع غيره من المواطنين, حيث كشفت هذه الواقعة عن استمرار لممارسات النظام السابق, خاصة اذا كان التفسير او المبرر الذي تقدمه بعض اجهزة الدولة غير المعنية- في ظل صمت الجهاز المعني وعدم الافصاح عن اسباب ما حدث- غير منطقي, لانه من غير المقبول أن يفسر ما حدث بأن هذه القوائم معدة من جانب النظام السابق ولم يتم تنقيتها او تصحيحها, حيث يثير هذا التفسير غير الرسمي جملة من التساؤلات, أبرزها: كيف يمكن الاستمرار علي نهج النظام القديم في تقييد حقوق وحريات المواطنين بدون وجه حق؟ ماذا يعني ان يكون لدينا دستور يصون حقوق وحريات المواطن وتظل الممارسة العملية تنتهك هذه الحقوق وكأن النص غير موجود؟ واذا ما حدثت مثل هذه الانتهاكات فأين دور الاجهزة المعنية بوضع قوائم الترقب والوصول وفي مقدمتها وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني؟ وكيف يمكن قبول رد المسئول في المطار بعدم علمه عن اسباب وضع اسم الشيخ ياسر في تلك القائمة وعدم علمه بالجهة التي ارسلت هذه القوائم؟ ملخص القول, أن هذه الحادثة كاشفة وليست منشئة لواقع مؤسف تعيشه مصر اليوم في مجال الحقوق والحريات, لا يقتصر فقط علي هذا النوع من الانتهاكات بحق المواطنين, بل تثير هذه الحادثة العديد من القضايا الحقوقية وفي مقدمتها قضية المعتقلين السياسيين في السجون المصرية, فإلي أي مدي يمكن ان يقبل المجتمع المصري العيش في ظل انتهاكات مستمرة لحقوقه وتقييد لحرياته رغم الضمانات الدستورية والقانونية التي تكفل كل ذلك؟ لمزيد من مقالات عماد المهدى