تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    بطائرات مسيرة.. استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في إيلات    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    موعد مباراة الأهلي ضد الهلال اليوم الإثنين 6-5-2024 في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    هشام يكن: خسارة سموحة محزنة.. ويجب أن نلعب بشخصية البطل ضد نهضة بركان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    مخرج "العادلون": تقديم المسرحية ضمن المهرجان الإقليمي لفرق القاهرة الكبرى    حملات تموينية على المخابز السياحية في الإسكندرية    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنان الوجوه والخط الواحد جورج بهجوري‏:‏
الكاريكاتير أول خطر يهدد السلطة‏!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 12 - 2011

لدي الإنسان نزعة أصيلة في الإسقاط والمبالغة والسخرية‏,‏ لذلك اعتاد أن يبسط سلطانه علي ورقة بيضاء‏..يستل قلمه ليرسم ويتراكم عطاؤه غزيرا متدفقا في خط واحد ممتد كمسيرة الحياة التي لا تعرف الفجوات. طبيعة تلقائية مرحة إسفنجية قادرة علي امتصاص كل وجوه البشر وأحوالها وأقنعتها المتخفية التي تتدثر بها, ولكن هيهات فريشته قادرة علي إسقاطها جميعا لا محالة.. دهشة طفولية تغلفه وحزن دفين يسكنه.. يمتلك ناصية التعبير في كل إبداعاته في الكاريكاتير والفن التشكيلي والنحت والكتابة الأدبية.. إنه جورج البهجوري 1932 الذي يستهل هذا الشهر عامه الثمانين, ويحمل علي كاهله رحلة60 عاما من التألق والإبداع من وصفه أستاذه الجليل بيكار بقوله: أعمال بهجوري التشكيلية تذكرني بالساقية, فأنا أمام لوحاته أري واسمع وأرتوي وانفعل بعنف رثاء أو غضبا ولا أذكر أنني وقفت مرة أمام لوحاته دون أن أطيل النظر إليها, مايسترو الكاريكاتير الجماعي الذي كان يحلم في طفولته بتحويل العسل الأسود في قريته بهجورة لألوان تزين لوحاته.. كاريكاتير بهجوري يقول فيه رأيه في الشخص ولا يرسمه فقط, وهو يؤمن بأن أي بناء لابد أن يحتوي علي نصيب من الدمار أي السخرية, وريشته تقوم بالعملين في آن بالمبالغة في العيوب أو التهويل في المحاسن.. ينفث السحر من ريشته فتضحك الضحية وهي تري الأنف ينبعج, والوجه يستطيل, ويتحول الجفن لجفن سلحفاة فلا توجد لديه خطوط حمراء.. فالكاريكاتير معيار للديمقراطية.. كل شيء لدي البهجوري قابل للرسم فما أسهل الأشياء وأبسطها تلك التي تقدح زناد إلهامه وتشعله قد يكون طفلا صغيرا في حارة شعبية أو سياسيا كبيرا, لوحاته تقرأ بالبصر والبصيرة, كما يريد لها دائما, فهي تجسد ما يجول في خياله ووجدانه.. رحلته الباريسية التي امتدت أربعين عاما ذهابا وإيابا أضافت إلي مصريته الأصيلة مزيدا من الشمولية والحداثة. بهجوري صاحب الوخز بالريشة والكلمات خرج يوما يبحث عن الخبز والحب والفن ولم يعد, وكيف يعود وهو صاحب موهبة أصيلة ووهج لا ينطفيء أبدا.. أطال الله في عمره.
مدرسة فرويد للتحليل النفسي تربط بين إبداعات الفنان وحياته الخاصة.. حيث يتم تحويل اللاوعي والرغبات التي أحبطها الواقع إلي وعي فني وإبداع يتحرر في عالم الخيال.. ما الذي تعكسه مرآة طفولتك ؟
تعكس شقاوة وشيطانية وروحا ساخرة.. وحزنا دفينا فأنا يتيم الأم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.. توفيت وأنا رضيع وتركت في نفسي فراغا هائلا وحساسية وخجلا ظلت متلازمة لشخصيتي لفترة طويلة.. فأنا من مواليد بهجورةس ذ ذ عشرة من الأخوة والأخوات لم تكن حالتنا المادية ميسورة وكان والدي يتطلع لأن أصبح طبيبا.. بدأت الرسم في سنواتي المبكرة.. وحين بلغت السادسة كان القلم في يدي أشبه بالنبلة التي يداعب بها الصغار أقرانهم, فكنت أشخبط علي الحائط وأرسم علي الزجاج واسخر من جدي وجدتي وعماتي لأن أشكالهم مضحكة بالنسبة لي.. ثم أرسم المدرسين والزملاء في المدرسة بالطباشير.. ويعود الفضل لابن خالتي سمعان الذي تعهدني برعايته وشجعني أخي الأكبر جميل.. وانتقدني فيما بعد لأنني أرسم وجوها حزينة في بداية مشواري, وربما كان ذلك انعكاسا لسؤالك.. فالطاقة الفنية تتفجر من الوعي واللاوعي والرواسب النفسية, وحين تأكد للجميع حبي للرسم.. صحبني أخي لمنزل الفنان كمال أمين والذي ألحقني بكلية الفنون الجميلة التي تخرجت فيها عام1955 ولم تكن البداية سلسة ماديا.. حيث اضطررت للعمل في مكتبة لبيع الجرائد بفندق المتروبوليتان كان فاخرا آنذاك ذ لمدة ثماني ساعات لمدة سنتين, بعدهما أصبحت قادرا علي الاعتماد علي موهبتي في تدبير نفقاتي.. ولم يسلم زملاء الكلية أو الأساتذة من ريشتي, ولا أنسي نصيحة الأستاذ الحسين فوزي الذي ما أن شاهد رسوماتي فلم ينهرني وهو يري الخطوط تحاور وتناور وتتمرد علي كل الأساليب التقليدية لكنه شجعني قائلا: العب يا ابني بالقلم.. العب.. أي أنه دعاني لمزيد من التحرر الفني, وفي إحدي المرات قمت برسم أستاذي العزيز بيكار وكان في سمته وصمته يشبه القديسين, يفيض دعة وسماحة بل إنني رسمته وفي طرف أنفه كرة حمراء كما لو كان مهرجا فأخبره الزملاء وابتهج بالرسم وقبلني.. كانت الكلية عامرة بأسماء الأساتذة العظام وعلي رأسهم صلاح طاهر وبيكار وجمال السجيني وعبد الهادي الجزار وحسين عاصم وعشرات الأسماء لكنني تمردت علي أسلوب الرسم المنهجي للموديل والطبيعة الصامتة.. بالرغم من أنني اذكر بالخير عطيات وسعدية موديلي الكلية لأن الطالب الذي يفشل في رسم الحصان والمرأة لا يعد فنانا لكنني من جهة أخري كنت أتوق للهرب دائما إلي ضجيج الحياة في المقاهي والموالد يقينا مني أن الفنان يرسم ما يعرفه ولا يرسم ما يراه.. فالبصيرة قبل البصر والعقل قبل العين كما قال هربرت ريد الناقد الشهير.. وأصبحت شهيرا وسط الزملاء الذين لا يتعدون العشرين من أشهرهم يوسف فرنسيس وآدم حنين وشادي عبد السلام وبهجت عثمان وهبة عنايت ووحيد النقاش ووقعت في غرام التكعيبية التي أظهر مفاتنها لنا أستاذنا بيكار ولم أتخلص من هذا العشق إلا بعد مرور عدة سنوات.. لكنني أصبحت راسخ اليد في تعرية الوجوه وتلخيصها والتعبير عن الحياة العامة بخطوط تحمل المبالغة.
اقتحمت عالم الصحافة في فترة ازدانت بالنجوم اللامعة في مجال الكاريكاتير بل وفي كل المجالات الفنية.. فكيف وجدت لريشتك موضعا وسط هذا الزخم ؟
الفضل يعود لأستاذي بيكار الذي قدمني لصاروخان الرسام الأرمني الشهير, والذي قال عني أن عيني تري الأشياء بطريقة غريبة غير مألوفة وقدمني إلي الفنان الكبير عبد الغني أبو العينين الذي ألحقني بدوره بمجلة روزاليوسف وكان له الفضل علي جيل كامل من الفنانين.. فقد التحقت بالمجلة وأنا مازلت طالبا في السنة الثانية ورسمت أغلفتها واذكر أن السيدة روزاليوسف شاهدتني في إحدي المرات أسير مع أختي وصديقاتها بجوار المجلة فأخرجت رأسها من السيارة ونهرتني قائلة: أنت بتعمل أيه روح المجلة خلص شغلك!! فكنت لم أتجاوز العشرين وتعاملني كطفل صغير لكنها قالت أنت ستكون لك مدرسة جديدة لا تشبه أحدا.. كانت روزاليوسف تضم كوكبة من أشهر رسامي الكاريكاتير في مصر في بداية الخمسينيات.. بهجت عثمان وصلاح جاهين والليثي وإيهاب وجمال كامل وزهدي وحجازي ورجائي ونيس.. كان مكتب إحسان عبد القدوس ملتقي مشاهير الفن والأدب ورجال السياسة, فتأتي سكرتيرته النشيطة نرمين القويسني لتخبرني بأنني مطلوب في مكتب رئيس التحرير ويكون سبب الطلب رسم بورتريه لضيف من المشاهير.. يضحك بهجوري قائلا: لا أستطيع حصر عدد المرات التي تسببت فيها ريشتي التي تحول الوجه إلي كرة أو مثلث أو مربع ببساطة كطفل لم تنمو أنامله بعد من فرط حساسيتها للتمرد علي القيود.. فيغضب فريد الأطراش ويلغي إعلان صفحة قيمتها مائة جنيه قرر نشرها في المجلة عن فيلمه الجديد.. اعتراضا علي رسمي بورتريها لملامحه وروحه كما أراها وتقرر أن أعمل خمسة شهور مجانا تعويضا لهذه الخسارة.. ويتصل محمد عبد الوهاب معترضا علي كاريكاتير يجسده وهو خارجا من حفلة أم كلثوم وهي تغني أغنية أنت الحب ويتجه إلي بائع أسطوانات لشراء أغنية أنت عمري والاغنيات من تلحينه وكان نقدا موجعا لموسيقار الأجيال الذي أخبرني أن ز س التي لا يهزها إلا الكلمة واللحن الجميل.. ولم يفلت عضو من أعضاء مجلس قيادة الثورة من ريشتي وكانت الطامة الكبري يوم رسمت جمال عبد الناصر وهو يقوم بتنظيف قبة مجلس الشعب وصلاح سالم يبدو صغيرا كالصبي في يده جردل الماء.. وغضبت نادية لطفي لأنني رسمتها ثلاجة واضطر إحسان عبد القدوس إلي تقديم الاعتذارات لكل المشاهير عن رسومي ورسوم زملائي فبهجت عثمان اغضب كل مطربي مصر محرم فؤاد ومحمد فوزي ورسم أحمد فؤاد حسن يقود الفرقة بظهره.. بل أن فائزة أحمد كانت تريد أن تضرب رجائي ونيس وجاءت زبيدة ثروت وصالحها جمال كامل ورسم بورتريها يصلح فيه ما أفسده رسامو الكاريكاتير الأشرار!! وللحق فأنني رسمت عبد الناصر بأنف مميز يبدو فيه منقضا كالنسر وعيناه تحملان بريقا خاصا لكنه لم يغضب ولكن غضب مني السادات من مواقفي السياسية ورسوماتي.. ومن أجل الذكريات التي أعتز بها لقاءاتي مع عبد الحليم حافظ في بدايات حياته الفنية وكان دائم التردد علي مكتب إحسان عبد القدوس بصورة شبه يومية, وأحيانا كان ينتظره ليلا في غرفة الرسام مع الشاب الصغير جورج علي حد تعبيره جمع بيننا ألم اليتم والافتقاد الدائم لحنان الأم.. طفولة متشابهة وحزن متوارث وصوت متهدج وريشة حزينة.. كان يجلس بجواري وأنا أرسم وفي إحدي المرات قال لي أسمع اللحن الجديد الذي لحنه عبد الوهاب ونقر علي المكتب: توبة أن كنت أحبك تاني.. توبة!! ثم خرجنا بصحبة إحسان وبعض الأصدقاء إلي كازينو الجلاء مكان شيراتون القاهرة الآن ويقول له إحسان: جورج الذي يجلس بجوارك سيصبح من أهم رسامي الكاريكاتير في مصر.. خلي بالك منه يا عبد الحليم.. فأغرق في بحيرة من الخجل.. فإحسان عبد القدوس كان منارة تهدي أصحاب المواهب للاتجاه الصحيح وكان يمتلك من الشفافية ما يجعل من رأيه( نبوءة) كثيرا ما تحققت فعليا.. وأسعدني أنني ساهمت في خروج الفنان أحمد زكي من حالة الاكتئاب التي انتابته أثناء عمله في مدرسة المشاغبين وأخبرته عقب رسمي له أنه يمتلك فيضا من الانفعالات التي ستخرج وهجا فنيا سيسحر الملايين.
في البورتريه يرسم الفنان القدير الصفة لا الوصف وكان برجسون يري أن الكاريكاتير يكون أحيانا أكثر صدقا من البورتريه.. أين تقف رسوماتك من هذا الرأي ؟
هو رأي فني صائب بلا شك, فالصفة تعبر عن روح الشخصية وهذا ما لا يتوافر أحيانا في البورتريهات المرسومة التي تنسخ ولا تعبر فتأتي كما لو كانت صورة فوتوغرافية باهتة.. أما الكاريكاتير فهو يغوص في أعماق الشخصية ويكشف عن دخائلها بخطوط بسيطة والمحددات التي أعمل من خلالها تتوقف علي محادثة الشخص قبل رسمه لمدة دقيقة علي الأقل تصبح فيها عينه في عيني.. فالعين أقوي تعبير في الوجه.. وحركة الفم والصوت تعطي تعبيرا وانطباعا بروح الشخصية.. لأن الصوت مرآة القلب.. يبتسم بهجوري قائلا: والأهم من كل ذلك أن أجد شيئا أشوهه وأقوم بتحويره ولا يوجد شئ يستعصي علي ريشتي والناس تفاجأ بأنني أشاهدهم بهذه العين.
قيل عنك إنك بيكاسو مصر تقوم برسم ثلاث عيون وخمس أذرع وترسم بخط واحد مثله.. تغير العلاقات المكانية للأشياء.. فهل تنتمي بالفعل لمدرسة بيكاسو ولا تعد ذلك تقليدا؟
الذي أطلق هذا اللقب هو صلاح البيطار وأنا بالفعل من أشد المولعين بفن بيكاسو.. لأنه كان نهرا متجددا وشعلة متوهجة حتي آخر حياته.. فالفنان يستلهم من المدرسة الفنية أو يتأثر بخطوطها العريضة وبروحها كما في الأدب أو الشعر لكنه يحتفظ بأسلوبه الخاص, ومنه تعلمت الخط الواحد منذ البداية وكان الأقرب لطبيعتي الطفولية, فالطفل حين تمنحه ورقة لا يترك القلم حتي ينتهي من الرسم بخط واحد ولا يرفع يده ذ راكب الدراجة الذي يستطيع قيادتها وهو يطلق يده في الهواء دون فهلوة بالطبع فبيكاسو أيضا كان يقوم بتحطيم الجمال ثم إعادة صياغته برؤية خاصة وأنا أقوم باختزال الأشياء والأشخاص والتعبير عنهم برؤية اختزالية من الذاكرة.. وإذا كان الشعر هو فن الخلاصة فالكاريكاتير تحديدا هو خلاصة الخلاصة وأنا تأثرت بجوجان وموديلياني وماتيس أيضا وكنت أسكن في باريس في مونمارتر واقتفيت الحياة اليومية العادية للرموز الفنية التي أحبها وقدمت أطروحة في جامعة السربون عن بيكاسو وتأثره بالخطوط المصرية القديمة.. فأسلوب بيكاسو هو بضاعتنا التي ردت إلينا مصحوبة بغلالة من الفن المتميز الرفيع.
ولكن بيكار كان يري أنه لا ينافق الأشخاص الذين يرسمهم.. لأن لحظة رسم البورتريه هي لحظة استثنائية لأي شخص ربما لن تتكرر مرة أخري فيجب أن تكون لحظة رسمية يرحب بها الإنسان بمشاهديه فيما بعد.. ما رأيك في هذا القول ؟
رأي له وجاهته الفنية واحترامه لكنني علي النقيض, ولكن أستاذي بيكار كان ناقدا فنيا يفتح قلبه لكل الاتجاهات ولا يرفضها فهو القائل في إحدي رباعياته: أنا اللي بعضي من تراب الأرض وبعضي من أثير أنا الظلام والنور وجوايا الصغير والكبير أنا الشر لو أطاوع نفسي وكل الخير لو يصحي الضمير.
ولكنه كان متعدد المواهب والملكات فكان فنانا تشكيليا وزجالا وناقدا فنيا وكاتبا للأطفال وحين بلغ الثمانين ندم لأنه بدد طاقته في أشياء عديدة بدلا من تخصصه.. أنت أيضا تبدأ عامك الثمانين وتصنف رساما للكاريكاتير وفنانا تشكيليا ونحاتا وأخيرا كاتبا روائيا فأي مجال يحتذبك الآن؟
يفاجئني بقوله: الكتابة الأدبية فقد أصدرت خمسة كتب منها سيرة روائية طويلة هي أشبه بالسيرة الذاتية اخترت لبطلها اسم فلتس وهي الاسم الشهير لأي طفل شقي في عائلة قبطية.. فأنا أشعر بحالة من التسامي الرفيع عندما أكتب وشجعني كبار النقاد والأدباء ووصف إدوارد الخراط أسلوبي في الكتابة بأنه يشبه خطوطي في الرسم حيث يتداعي السرد والوصف والرؤية الفلسفية دون أن أعمد إلي ذلك وقال أنني أفضل من يكتب( المشهدية) أي اترجم لوحات الحياة إلي مشهد مجسد بالكلمات وأعتز بأنني اعتمدت أدبيا من شيخ النقاد علي الراعي الذي أعلن مولدي الأدبي في مقاله بالأهرام.
هل متعة الاكتشاف والبحث عن جديد أهم بالنسبة لك من متعة إثراء هذه الملكات بالنسج علي منوالها وبالأعمال المتراكمة المكررة مع الأخذ في الاعتبار أن خيري شلبي وصفك بالمترادف ؟
مبدئيا أنا أكره الاحتراف فأنا مشغول دائما بالبحث عن جديد كمن يكتشف بئرا للبترول ثم يتركها ويذهب يكتشف بئرا أخري فالتكرار في أعمالي يحمل زخم الحياة وفي أعمالي كثيرا ما تلتحم كتلة البشر بالحيوانات دون وجود خطوط محددة.. فالمعني العميق هو جوهر الفن مهما اختلفت الأساليب.. فأنا ألخص الوجوه والتكرار ظاهرة كونية تصاحب أعمالي لكنه تكرار لا يحمل معني الملل والرتابة, لكنه اختلاف مثل بصمة الأصابع المختلفة في الأيدي المتشابهة.. وإذا كنت تلميذا لبيكار يعتز به وبأنني وصلت للعالمية علي حد تعبيره فأنا أعتز بتلاميذي سمير عبد الغني ومخلوف وأفتخر أنني قدمت رجائي ونيس لروزاليوسف وأعماله تألقت بصورة تفوقني أحيانا والأمر كذلك بالنسبة للرسام السوري علي فرازات فهو تلميذي الذي تفوق علي أستاذه في البورتريه.
أشتهرت أعمال ناجي العلي بالطفل الصغير الحافي القدمين( حنظلة) وفي معظم أعمالك نشاهد البهجوري الصغير.. فما هو الغطاء الفني لهذه الشخصية ؟
أنه مثل ميكي ماوس يشك بسخرية لاذعة فهو يمثل ضميري الذي يذكرني دائما ألا أغفل عن رسالتي الفنية ويحرضني لأن الكاريكاتير فن تحريضي بعدم حساب التوازنات السياسية أو إرضاء الآخرين.. ويذكرني دائما بأن أنحاز لريشتي فقط فأنا قمت برسم السادات وانتقاده والأمر كذلك لمبارك ورسوماتي التي منعتها الصحافة نشرتها في كتابي رسومات ممنوعة.. والأمر كذلك بالنسبة لناجي العلي الذي لم يعرف تاريخ الكاريكاتير شهيدا للرأي قبله وأسعدني أنني كنت عضوا في لجنة تحكيم ومنحته الجائزة الأولي مع اثنين آخرين.. لأنه أتي بفكرة مبتكرة فوضع مرآة وكتب عليها فقط مطلوب كناية عن انهزامية العرب فكل من ينظر في المرآة يشعر بأنه مهدد في حالة قمع.. فحين صدرت الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول في الدنمارك قام كوفي أنان بعمل حملة بعنوان الكاريكاتير من أجل السلام حين وقعت بعض حوادث القتل وقام بلانتو رسام الكاريكاتير الأول في فرنسا ورسام اللوموند باختياري وكنا سبعة عشر فنانا من كل دول العالم يجوبون عواصم العالم لتأكيد البعد عن المقدسات الدينية.. فالكاريكاتير شأن الرأي وسيلة الرد عليه الريشة لا القنبلة أو الاعتقال لكنه للأسف الهاجس الأول لكل الحكام وهو معيار كاشف للديمقراطية وفاترينة لها في أي مجتمع.
ولكن الكاريكاتير يتراجع في الصحافة. والصورة الفوتوغرافية تزداد سطوتها خصوصا بعد فنون الفوتوشوب التي تعيد إنتاجها مرة أخري ؟
رب رسم صغير أقوي من مقال طويل فالكاريكاتير يحتاج لثقافة وفكر عميقين ووعي حاد بالواقع وتجاوزه بالضحك الذي قد يصبح كالبكاء ولكن في العالم العربي يشتبك الكاريكاتير مع السياسيين وهو ما لا يحدث في الغرب ففي فرنسا لم يغضب شيراك حين تم تحويله إلي عروسه وقال نحن البلد الذي أخرج للعالم العرائس والأراجوز لكن للأسف الشديد لا يوجد قارئ جيد للكاريكاتير الأغلبية تبحث عن التعليق لذلك نعاني من أمية العين والتلوث البصري الذي اخشي علي فني منه في الآونة الأخيرة فأحيانا أشاهد اعوجاجا في بعض لوحاتي ولا أستطيع إصلاحه نتيجة لثبات التلوث واستقراره في البيئة المحيطة لكنني أعوض ذلك بسفري أكثر من نصف العام إلي فرنسا.
ما الذي تمنحه فرنسا للفنان وكيف تغلبت علي الشعور بالاغتراب والنوستالجيا فأنت من أكثر الفنانين انصهارا في الشارع المصري بمفرداته من الميكانيكي لصبي القهوة.. إلخ؟
سافرت إلي فرنسا عام1970 قبل وفاة عبد الناصر لأسباب فنية بحته فهي مرتع الفنون حيث أكملت دراستي وتعلمت المذاهب الفنية انتسبت لمدرسة الفنون بمعهد اللوفر وتعلمت الليتوجراف والنحت ففرنسا جعلتني بحق فنانا شاملا تقبع مصر بداخلي لا تفارقني أبدا بالرغم من أن صديقي وجاري المطرب المعروف جورج مستاكي أطلق علي لقب ميتك وهو اسم أحدي أغنياته أي مواطن بلا حدود لا يعاني من الشعور بالاغتراب ويندمج في المجتمع الفرنسي.
في البدء كانت الكلمة لكنك استنكرت أن يكون الأمر كذلك واعترضت علي رأي لمصطفي محمود وقلت ان رسام الكاريكاتير مفكر مثل الكاتب وليس قفة فكيف تغلبت علي إشكالية الكلمة أولا؟
د. مصطفي محمود رحمه الله اغفر له أي شئ لأنه من أجمل الشخصيات التي صادفتها في حياتي ولكن الأغلبية في الوسط الصحفي تعتقد أن الرسام مثل الخطاط ينفذ ما يطلب منه حرفيا وتغفل عن رأيه كمفكر له صوت ورأي مستقل قد يضيف للكلمة الكثير ويزيدها ألقا وعمقا عموما أنا في الحياة أبدأ في التعارف علي البشر في أي مكان من خلال قفشة أفتح بها مجال الحديث ليتحول بعدها الكاريكاتير إلي قفشة فنية تداعب القارئ في سخرية وقد يطول مفعولها ولا ينسي فأحيانا أفاجأ ببعض الأشخاص يحتفظون برسوماتي في محفظتهم الخاصة بهذه السياط اللاذعة لأننا أيضا أعتدنا علي المعاني الضمنية التي تفلت من الرقيب.
الرمز السياسي لا يمكن إقحامه في العمل الفني وكل الرموز المقحمة لم تعش فنيا فإذا احتكمنا لميدان التحرير وثورة يناير فما هو الرمز الذي تستخرجه من الميدان؟
قمت بتجسيد الثورة في أكثر من عمل وفي هذه اللوحة التي يظهر فيها النسر وأيدي الثوار هي جناحاه وحركة الفم المفتوح تعبيرا عن صوت الاحتجاج الهادر والفتيات لهن وجود واضح وقد ظهرت رقبة النسر مثل رقبة جمال عبد الناصر لأنه أول ثائر أشاهده في حياتي ولكن الرمز السياسي بالفعل لابد أن يتخلق فينا وطبيعيا من الواقع فالشخصيات التي سبقت المصري أفندي التي ابتكرها التابعي وصاروخان لم يكتب لها النجاح ومن الممكن اختيار رمز من الشباب ببنطلون جينز ونظارة شمسية يتصف بالوطنية والنقاء والنبل ويحظي بالاحترام والتقدير لكنني سأنتقده واصفه بالغرور والدكتاتورية في الرأي فكل من يعارضهم هو من الفلول وهذه فاشية متفشية بينهم لأنه بالرغم من أن الشخصية الثورية لها عقلية إبداعية وتفكير غير نمطي يميل إلي التعددية ومن أهم مقومات الطلاقة والقابلية للتغيير واحتواء الآخر بكل مرونة.
حققت شيئا من العالمية كما تنبأ لك نجيب محفوظ بقوله ان محليتك ستصل بك لمشارف العالمية فهل أنت راض عما حققته في هذا المجال؟
نجيب محفوظ شخصية عظيمة وبسيطة ارتبطت به منذ الخمسينيات حين كان يجئ روزاليوسف للفنان جمال كامل وأصبحت عضوا في الحرافيش أثناء وجودي في مصر وكان يشجعني دائما ويبدي اعجابه بأطفال الحارة ومفرداتها التي أعبر عنها في أعمالي وأنا حققت الكثير من الطموحات وأقمت معارض فنية في مختلف دول العالم وعرضت أعمال لي في باريس في كوراسول اللوفر تحت الهرم الزجاجي كفنان مصري معاصر وكتب اسمي بجوار جان كوكتو وشارل ازنافور وحصلت علي لقب رسام البورتريه الأول في العالم وجائزة من أسبانيا عن رسمي لفرانكو ذ ذ. أصداء لكن الفنان الحقيقي ينغمس في ألوانه ولا يعبأ بها فهي نتيجة وليست غاية في حد ذاتها.
لماذا ارتبط اسم الفنانين عموما والرسامين علي وجه الخصوص بالشطحات في حياتهم في بعض الأحيان.
الفنان طفل كبير يخشي الغد ينتابه الشعور من آن لآخر بضياع الإلهام أو مسح الذاكرة, يعيش دائما في قلق يؤرقه خوفا من جفاف ينابيع موهبته فينغمس في الحياة ويصل للحدود القصوي, ويكون دافعه التمسك بفنه الذي هو حياته بالأساس وحين تنتابني هذه الحالة أو التمس شعورا بسيطا يداهمني مصحوبا بالاكتئاب أحاول الخروج من هذه الحالة سريعا واستعادة توازني فالفنان يجب أن يكون متصالحا مع ذاته ينقيها أولا بأول ويبعدها عن الشر أو الخديعة وإلا تحول فنه إلي عملة زائفة تعجز عن الاستبصار فاللوحة الفنية تقرأ بالعين في بعض أجزائها وبالبصيرة في مجملها فالفنان يعيش بالتوتر لكنه دافعه الأول لتخفيف إحساساته بالرسم كما قال بيكاسو والفنانين عموما أطفال أنقياء يحبون كل الناس.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.