في التاريخ سيتوقف المؤرخون امام ميدان التحرير.. يخصصون له فصلا طويلا في كتاب الثورة.. يتحدثون عن الزمان.. و المكان.. والبشر..والرحمة الالهية المنزلة علي النائمين من المتظاهرين المستغيثين في صلواتهم. والايدي المرفوعة الي السماء من الاسكندرية لاسوان متضرعين لله ان يفك الكرب وينصر الثائرين والمظلومين.. ولكنهم ايضا سيتوقفون امام معارك الكر والفر.. ليل نهار.. بين الثائرين و المطاردين بين جنبات الميدان التي لحمت طرقات اذرعه الجانبية بكعكته الحجرية.. وسيكتبون علي أوراق ملطخة بالعارعن قناصين متربصين فوق الاسطح في الظلام ومختبئين كاللصوص يخطفون الاعين والارواح واحيانا ما يلعبون لعبة الموت والقنص مع ثائرين عزل لم يهابوا الموت فاندفعوا بصدورهم العارية وجها لوجه مع قناص قرر في لحظة زمانية نادرة لصائد ارواح ان يظهر لفريسته.. ويلعب معها لعبة الموت علي غير ما سارت عليه كثير من مجريات الحوادث. في هذه اللعبة.. حيث يكشف كل منهما عن ملامح شخصيته.. هما علي طرفي النقيض في عرض عام في احد شوارع الميدان. في التاريخ عندما قتل قابيل اخاه هابيل وجها لوجه كانا فقط اثنين. في الحروب يطارد الصائد فريسته ولكن ان يتقدم الثائر الي القاتل في الصف الاول فهي لقطة نادرة في كتب الانسان عبر العصور. فالمقتول يعرف انه ربما سيكون بعد لحظات او لحظة واحدة قصرت او طالت.. شهيدا او يفقد علي الاقل احد حبيبتيه او الاثنتين معا ولكنه لا يتراجع.. فهو في لحظة' ما فوق الشجاعة الانسانية النادرة'. فالثائر القادم قفزا من الكعكة الحجرية بعد سباب ليل قصير.. يحلم بالنصر وانفراج الكرب.. والقناص القادم من مخدعه الوثير يحلم بصيد جديد وثناء خادع من رئيسه ومنافقيه الذين يمدحون مهارته الفائقة في القنص.. وعينيه الواسعتين وحدة بصره في التقاط الفريسة والايقاع بها واكل احد عينيها او الاثنين, لن يضير ضميره شيء, لانه مات منذ ان باع انسانيته بحفنة بنكنوت وبترقية لن تشفع له امام رب عادل لا يغفل ولا ينام.. هو تصور, مخدوعا مادم ضميره قد مات, فضمير العالم كله قد مات.. فأفاق منتشيا متلهفا لاستعراض مهارته مرة اخري وتلقي المديح والثناء. وقف خلف الصف مختبئا.. متلصصا لسرقة لحظة القنص. وحانت اللحظة: عندما تقدم للصف الاول ثائر اعزل الا من سلاح الشجاعة والاقدام.. قوص الثائر ظهره بسرعة لالتقاط حجر يدافع به عن نفسه.. تلفت شمالا ويمينا فوجد نفسه وحيدا فقرر الثبات في موقعه.. تذكر للحظة ان الخوف قد دب للحظة بين جنبات صدره ورفرف قلبه مثل طائر وابرقت عيناه للمرة الاخيره فصوبها كالسهام للحشد الاسود المرصوص امامه كان القناص قد لمحه وحيدا بعيدا عن السرب.. فامتلكه الشيطان النمر.. هو النمر' يقتل من اجل القتل'.. عكس حيوانات كثيرة لاتقتل الا اذا جاعت او اصابها مرض السعار.. هو مثل النمر يقتل من اجل القتل.. يقتنص من اجل استعراض مهاراته.. فتحرك مندفعا.. مراوغا بين متشحي السواد.. قادته ذاكرته التدريبية في الجبل لكيفية الوصول بسرعة البرق للصف الاول.. عندما لمحه الثائر عن بعد.. فاسرع يراوغ بين الصف ثم غرس قدميه كدعامتين من حديد في الارض مصوبا بدقة اولي رصاصاته الي عين الفريسه ترنحت الفريسة امامه من قوة الضربة فاجهز عليها في القلب باخري ليلاحقها بالثالثه في العين الاخري.. وابتسم في كيانه ابتسامة منتصر لم يهتم بسقوط فريسته علي الارض ولم يسمع سوي اصوات المهللين والمباركين المتشفين في الثائرين. في التاريخ لم يقل لنا القتلي والشهداء كيف كانت لحظات الاستشهاد الخاطفة. ولكن الناجين من مذابح القنص بخسارة واحدة في عين وصفوها انها الزلزال المصحوب بالحريق الذي شب فملأ العين حرائق بلون الدم ثم انسدل ستار الظلام الابدي عن كل شيء.. كان العالم غير موجود.. هو غير مصدق ما حدث لشهور منذ الافاقة. الشهداء فهم عند ربهم لا يموتون.. هم احياء عبد ربهم يرزقون حتي يبعثون, ولا يملك سوي الله سبحانه ان يسمع ما يقولون. اما القناص المسعوربعد الثناء والحبور عندما تنزع منه بندقيته ويصبح مجردا من الحماية والنفوذ فيركن للحساب العسير. البعض قد ياكل يده حتي ولو في احلامه كما فعلها العسكري الاسود في قصة يوسف ادريس او يحرم من النوم فيموت من هذا العقاب اوتثمل عيناه فيحكم هو بذلك علي نفسه او يحكم عليه بهذا الظلام السرمدي في الدنيا والاخرة. هما علي طرفي نقيض: واحد عند ربه شهيد حي يرزق.. والاخرفي عالم الظلام الابدي تاكله كل يوم الكوابيس وتتلاعب به الشياطين.