"مش باقي مني غير شوية ضي في عنيا أنا هاديهوملك وامشي بصبري في الملكوت يمكن في نورهم تلمحي خطوة تفرق معاكي إنها كلمات الشاعر جمال بخيت،التي كتبها قبل ثلاث سنوات وكأنه يتنبأ بما سيحدث في ميدان التحرير من قناصة راحوا يستهدفون العيون منذ قيام الثورة في الخامس والعشرين من يناير وحتي اليوم ليصاب منهم ألف وأربعمائة ثائر برصاص مطاطي. لم يكن من السهل عليهم التأقلم علي العتمة، فمن منا يطيق أن يفقد بصره ويستعمل عين صديقه ليصف له مشهدا من الميدان؟! ورغم ذلك لم يترددوا لحظة في فقدان ان أعز ما يملكون، خرجوا إلي جمعة "المطلب الواحد" بعين واحدة، ليجدوا القتلة أنفسهم، خاصة صائدي العيون، يصوبون نحو العين الأخري رصاصة، تفقدها البصر، ليصبحوا بعين عاطلة لا تبصر سوي الأمل، فهم يصطادون العين الصافية ليخفوا جريمة كاملة، لكنهم لا يستطيعون اصطياد حلم يسكن أعين المصريين. بمستشفي العيون الدولي بحي الدقي بمحافظة الجيزة ترقد حالات أصيبت في أحداث نوفمبر التي لم تفرق بين صحفي يؤدي عمله وبين ناشط أو ثائر، فالقناص يفتخر بفقع عيون من في ميدان التحرير، وتتلذذ أذنيه من مدح زملائه وهم يشجعونه "جدع يا باشا" بعد كل عملية قنص لعين ثائر في شارع محمد محمود، ففي أول مواجهة بين المجتمع والشرطة وحدها من دون السند العسكري، عادت الشرطة إلي برنامجها القديم كاملاً. "أعيش كفيفا مرفوع الرأس وبكرامة أفضل من أن أعيش مبصرا مكسور العين" هذه ليست تكملة لشعر جمال بخيت، هي كلمات طبيب الأسنان أحمد حرارة، ذي ال 30 عامًا، الذي فقد عينه اليمني في 25 يناير، ثم فقد عينه الأخري يوم 19 نوفمبر، التي مازالت تنزف إثر إصابته بطلقة تتبرّأ منها قيادات الداخلية وتنسبها إلي مجهولين، ليخرج لنا طبيبه المعالج بمستشفي العيون ليؤكد أن حجم الخرطوش الذي أصابه يبلغ 5 أضعاف الحجم العادي، وكان تعليق أحمد علي ما حدث له قائلاً: "لم أكن وحدي من نزل إلي الميدان طالبا الشهادة"، لا يتوقع حرارة أن يعود له بصيص ضوء من نظره، لكنه لم يفقد طاقته التي يبثها في نفوس من حوله، ولجأ لتعلم طريقة برايل ليحاول أن يستعيد ولو جزءاً من حياته. دائماً ما كان يقوم برصد احتياجات المتظاهرين في الميدان من دواء وطعام وأغطية، ويقوم بنشرها علي مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتلقي التبرعات العينية فقط، لإيصالها إلي المتظاهرين، هو الناشط السياسي والحقوقي ومسؤول الإغاثة في الميدان منذ الثورة الأولي مصطفي مالك، وتعرض لإجراء عملية جراحية بعينه اليمني التي فقدها بالميدان، حيث كان يقف في الصفوف الأولي لتشجيع المتظاهرين. المصورون الصحفيون أنفسهم لم تسلم عيونهم من ذات الرصاصات، عندما تعرض بعضهم لرصاصات مماثلة استهدفت عيونهم، علي نحو ما يحكي عنه مصورون صحفيون أثناء قيامهم بتصوير عمليات القنص من جانب أجهزة الشرطة للمتظاهرين أن تصويب القناصة في عيونهم رصاصات أصابتها، ما نتج عنه دخول الرصاصات في عيونهم، فبغطاء بلاستيكي طبي أسفل نظارته الطبية يقيم المصور الصحفي لجريدة المصري اليوم أحمد عبد الفتاح بمستشفي العيون، والدموع لا تفارق أسرته حزناً علي ابنها الذي مازال في مقتبل عمره. 3 شباب فقدوا أعينهم دون ذنب، كل جريمتهم أنهم يحلمون بدولة محترمة لا يُهان فيها أحد، مثل باقي الثوار الذين خرجوا يوم جمعة الفرصة الأخيرة، بعين واحدة، تضامنا مع مصابي الثورة ممن فقدوا أعينهم، ورفع النشطاء علي "الفيسبوك" صورة أحد أسود كوبري قصر النيل بعد أن تم وضع ضمادة بيضاء علي عينه، في إشارة إلي تعدد إصابة الكثير من المتظاهرين الشباب أثناء الثورة والأحداث الأخيرة في أعينهم. وعلي الرغم من إصرار وزارة الداخلية علي عدم وجود قناصة في وزارة الداخلية، وبعدما طالب نشطاء سياسيون بالكشف عن أسماء القناصة وتسليمهم، بعد أن أشار موقع وزارة الداخلية علي الإنترنت إلي وجود تدريب علي فرقة القناصة ضمن برنامج معاهد تدريب ضباط الأمن المركزي، ويتضمن برنامج التدريب 15 فرقة، تأتي فرقة (القناصة) في الترتيب الرابع بينها. وجاء رد وزارة الداخلية علي لسان وزير الداخلية السابق منصور العيسوي بالتأكيد علي عدم وجود قناصة، وأن تلك المعاهد تتولي تدريب جميع السادة الضباط من مختلف الرتب، وذلك بهدف رفع الأداء من حيث الاستخدام الأمثل لجميع التجهيزات الفنية والأسلحة التي يتم استخدامها بالإدارات العامة لقوات الأمن المركزي وإعداد الضباط فنيًا وعمليًا للقيام بتنفيذ عمليات الشرطة الكبري والصغري في مجالات فض الشغب والاعتصامات والمهام القتالية المختلفة وفي جميع المناطق (الزراعية - الصحراوية - وداخل المدن) وتزويدهم بالمهارات الفنية اللازمة لإنجاز وتنفيذ المهام القتالية التي يكلفون بها. وسبق أن عرض العقيد عمر عفيفي عبر صفحته علي الفيس بوك فيديو يفضح فيه عبر صور "جوجل أيرث" مركز تدريب القناصة علي كوبري شمال طرة علي طريق النصر بالاوتوستراد بالقرب من معسكر أمناء الشرطة أمام مدخل سجن طرة، واكتملت فضيحة الداخلية في الأيام الماضية بالضابط "محمد صبحي الشناوي"، المتهم بتفجير عيون المتظاهرين بأحداث نوفمبر التي خرج فيها المتظاهرون تنديدا بالمجلس العسكري، حيث تناقل النشطاء علي "الفيسبوك" صورا وفيديوهات للشناوي وعددا من أصدقائه في فرقة القناصة، وهم يصوبون بدقة الطلقات النارية علي أعين المتظاهرين. وقامت الداخلية بإلقاء القبض علي الشناوي الذي اعتبره النشطاء علي "الفيسبوك" حماية له من المتظاهرين الذين رفعوا صوره في ميدان التحرير طالبين الثأر لمن فقد عينه، وذلك بعدما تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ببلاغ للنائب العام ضد قناص العيون، وقال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة أن ما يمارس ضد المتظاهرين من عنف يمثل انتهاكاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية والإعلان الدستوري والقوانين المصرية؛ قرار وزير الداخلية رقم 139 لسنه 1955 والخاص بتقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق العمومية في مادته الثانية الخاصة بإجراءات فض التجمهر والتظاهر، ومخالفة المبادئ الأساسية حول استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والتي اعتمدها مؤتمر الأممالمتحدة الثامن بمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا من 27 أغسطس إلي 7 سبتمبر 1990 والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والقنّاص هو الشخص الخفي الذي يتمتّع بدقة تصويب عالية، ويقوم بإنجاز المهام الموكلة إليه دون أن يشعر به أحد نهائياً حتي الهدف الذي يتعامل، ويعتبر عالم القناصة عالما غامضا تماماً مثل طبيعة عملهم الخاصة جداً، وهو ما قد يجعلهم العنصر البشري العسكري الأكثر رهبة، وللأسف ارتبطت كلمة "قناص" بفكرة سلبية تماماً خصوصاً بعد الدور الذي لعبه قناصة وزارة الداخلية والشهادات المروعة التي حكاها المتظاهرون في ميدان التحرير وجميع مدن مصر عن استهدافهم من قِبل القناصة، ولكن هناك قناصة كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في تاريخ العسكرية العالمية، حيث صوبوا سلاحهم وأطلقوا نيرانهم علي أعدائهم، وليس علي رفقائهم ومواطني بلدانهم، ويعتبر "سيمو هايها" الفنلندي القناص الأعظم في التاريخ، والذي أدي واجبه العسكري كقناص ضد الجيش السوفيتي الأحمر، والذي حاز علي الرقم القياسي في عدد ضحاياه وفق العدد الرسمي المعترف به 505 جنود سوفيت في مدة ثلاثة أشهر.