أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري, تخرجت العام الماضي في كليتي التي كنت أدرس بها ووجدتني بعد التخرج قد تغيرت طباعي وصرت فتاة أخري مختلفة تماما. ففي فترة الدراسة كنت مشاغبة وطائشة, وأقمت علاقات عابرة مع شباب كثيرين إما عن طريق المعاكسات التي استسلمت لها بسهولة, أو الشات أو الهاتف وباختصار فلقد كنت هدفا سهلا لأي شاب يرغب في علاقة عابرة.. صحيح أنني لم أرتكب أفعالا خطيرة وإن كنت قد أوشكت عليها, لكني في الحقيقة انجرفت الي علاقات كثيرة, وخرجت مع شباب كثيرين للتنزه في أماكن مشبوهة دون علم أحد من أسرتي, وبعد التخرج قررت أن أتخلي عن هذا السلوك المشين, وحاولت نسيان الماضي المملوء بالأخطاء والنزوات والمواقف غير اللائقة.. قررت أن أبتعد عن هذا العالم الموبوء الذي تكون نهاية كل من يسلكه سيئة, فالمتعة اللحظية التي تعيشها الفتاة وقتها قد تدفع ثمنها غاليا, فتفقد أعز ما تملك ناسية أن السعادة الأبدية تكون مع زوج المستقبل الذي تبني معه حياة مستقرة.. كما أنني أدرك جيدا ما قاله الحق تبارك وتعالي في كتابه الكريم الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات, والخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات.. وبت أخشي أن أرتبط بإنسان سار علي هواه وارتكب الخطيئة وصاحب الفتيات. وهكذا حدث التحول الذي كنت أتطلع إليه فعدت فتاة ملتزمة في خلقي وملابسي وتعاملاتي وقطعت علاقاتي بصديقات السوء, وكل الشباب الذين تعرفت عليهم, وغيرت أرقام هواتفي, وأغلقت بريدي الالكتروني.. وجلست في البيت أنتظر ابن الحلال الذي يأتيني طالبا الزواج باحترام.. ولكنني متخوفة من شبح الماضي الذي يطاردني, فأحيانا أذهب إلي التسوق فأتعثر في شاب كنت علي علاقة به, وأحيانا أصادف صديقة تذكرني بما مضي, وأحيانا أخري أتذكر صور رحلات الجامعة الموجودة مع زملائي, والتي يتداولونها بالطبع. نعم أصبحت خائفة من أن يكتشف من يتقدم للارتباط بي ذلك, فيقلب حياتي رأسا علي عقب, إذ لن يسره معرفة قصة مررت بها, ولن تسعده رؤية صورة لي وأنا أرقص وسط شباب الجامعة.. فمهما بلغت درجة تفتحه سيؤثر هذا فيه, وسيجعله يشك في أمري, وبالتأكيد ستكون النهاية هي أنه سيفسخ علاقته بي, ويعتبرني خادعة كما أنني لا أعتبر اطلاع شريك المستقبل علي مثل هذه الأمور أمرا صائبا, فلقد سترني الله, وليس من الحكمة أن أفضح نفسي, ولكن وسواس الماضي يسيطر علي تفكيري, ووصل بي الأمر إلي حد التفكير فيما هو أبعد من ذلك, فأصبحت أفكر في أبنائي مستقبلا وكيف سيكون رد فعلهم لو عرفوا أن أمهم كانت ذات يوم بهذا الانحلال الأخلاقي في الوقت الذي تعلمهم فيه الفضيلة والخلق. لقد صار الماضي شبحا يطارد أحلامي وأيامي ومستقبلي, ويسيطر علي تفكيري في كل وقت وحين.. ولا أدري كيف أتخلص من سطوته علي حياتي؟ المغالاة في جلد الذات قد تؤدي إلي نتيجة عكسية, بمعني أنك عرفت خطأك وعالجتيه معالجة سليمة بالابتعاد عن صديقات السوء, والالتزام الخلقي, وهذا كفيل بأن يمحو كل الماضي الأليم من حياتك.. ففي حدود ما ذكرتيه في رسالتك لا أري أخطاء جسيمة تخشين من عواقبها المستقبلية, لكنني أري أيضا أنك كنت علي وشك السقوط في الهاوية لولا ستر الله.. وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن تتعلمه كل الفتيات, فلا ينسقن وراء الأضواء والنزوات العابرة, ولا يستجبن لدعوات الشباب المستهترين الذين يسعون إلي التسلية ولا يراعون ربهم في تعاملهم مع زميلاتهم. ولو أن كل شاب أدرك أن ما يفعله مع صديقة أو زميلة له قد يتكرر مع أخته أو مع من سيرتبط بها مستقبلا لن يرضيه ذلك؟.. ثم ألا يعلم الجميع أن المرء كما يدين يدان.. بمعني أن ما يفعله مع الآخرين سوف يتكرر معه ولو بعد حين. إحمدي ربك أنك لم تتعرضي إلي ما هو أبعد من ذلك, والأيام كفيلة بمداواة ما جري, فمادمت قد عقدت العزم علي ألا تعودي إلي ما ارتكبتيه من أخطاء, وأنك بالفعل تتطلعين إلي المستقبل بما يحمله لك من زوج وأسرة وأبناء, فتأكدي أن الماضي قد سقط تماما.. ولن يحدث ما تفكرين فيه. فقط عليك الالتزام والاستغفار, ولا داعي مطلقا لأن تفضي مثل هذه الأخطاء البسيطة لمن سوف يرتبط بك, لأنك بذلك قد تفتحين علي نفسك النار, وقد يظن بك ما ليس فيك.. أسال الله لك التوفيق والهداية والاستقرار.