الحصانة البرلمانية هل هي حصانة لحماية مصالح وسلوكيات نواب البرلمان من أنياب القانون؟ أم لحماية ممارساتهم النيابية تحت القبة في إطار المصلحة العامة دفاعا عن مصالح الشعب؟. والممارسات الأخيرة باتهام عدد من نواب البرلمان في قضايا جنائية وتحرك مجلس الشعب لرفع الحصانة أو السماح بسماع اقوال عضو المجلس امام جهات التحقيق لو اجراء محمود يؤكد ان القانون فوق الجميع وأن الحصانة البرلمانية لن تحمي قاتلا أو مرتشيا أو مزورا بل حتي المتربحين من وظائفهم ومواقعهم النيابية والتنفيذية وأن البرلمان لن يتستر علي فاسد أو مفسد بعيدا عن رداء الحزبية أو الكيدية سواء كان من اقطاب الحزب الحاكم أو في موقع المعارض أو المستقل. ولكن يظل السؤال الذي يردده الرأي العام لماذا الصمت علي اصحاب الحصانة الذين يقفزون فوق القانون للتفاني في خدمة مصالحهم الخاصة برواج الحصانة من الحكومة أوالعكس في الجمع بين الحسنيين وهي مواطن للشبهات حتي تقع الجريمة أو المخالفة رغم ان القانون يمنع ذلك ومن المسئول عن تطبيقه في مثل هذه الحالات وهل صحيح ان رفع الحصانة عن عضو معارض أو مستقل ايسر من رفع الحصانة عن عضو بالحزب الوطني وهل يخضع ذلك للهوي والغرض؟ رفع الحصانة * ولكن متي ترفع الحصانة عن عضو البرلمان ومتي يرفض المجلس النيابي هذا الإجراء؟ تجيب الدكتورة فوزية عبدالستار رئيس اللجنة التشريعية والدستورية الاسبق بمجلس الشعب واستاذ القانون الجنائي بقولها: هذا الاجراء يتطلب ان يكون هناك طلب رسمي من وزير العدل أو من مواطن مضار من الجريمة ويريد رفع دعوي مباشرة ضد عضو البرلمان ويطلب وزير العدل رفع الحصانة عن نائب البرلمان للتحقيق معه في اتهامه ارتكاب جريمة معينة وعند تلقي رئيس المجلس هذا الطلب يحيله الي لجنة الشئون القانونية والتشريعية لإعداد تقريرها بشأن رفع الحصانة عن العضو وهنا فإن اللجنة لا تبحث في ادلة الاتهام من عدمه فهذا شأن القضاة انما تنحصر مهمة اللجنة في بحث عما إذا كانت هناك جدية في الطلب ام ان هناك كيدية ضد نائب البرلمان لعرقلة عمله النيابي من خصومه السياسيين مثل المنافسين له في الانتخابات ولم يوفقوا وأذكر حالة صارخة منها رفض رفع الحصانة عن عضو في مجلس الشعب للكيدية بينما كان من طلب رفع الحصانة عن احد وزراء الحكومة لخلاف بينهما وانتهي الطلب بالرفض وفي مثل هذه الحالات تبحث اللجنة التشريعية عن جدية الطلب وإذا اثبتت توصي اللجنة برفع الحصانة ويتم عرض الامر علي مجلس الشعب وهنا يكون القرار بالأغلبية المطلقة للحاضرين بعد احاطتهم علما بتفاصيل الواقعة من خلال تقرير موزع علي الاعضاء ولكن إذا تبين وجود كيدية لعرقلة عمل نائب البرلمان أو للانتقام الشخصي فتوصي اللجنة التشريعية بعدم رفع الحصانة. وتضيف رئيس اللجنة التشريعية الاسبق هناك حالات اخري يشاع فيها عن نائب البرلمان اتهامه بارتكاب جرائم أو مخالفات وقد تناولها الصحف دون ان يكون هناك اتهام رسمي بطلب رفع الحصانة عنه وقد يري عضو المجلس في هذه الحالة ان من مصلحته سماع اقواله لإبعاد الشبهات عنه ويتقدم بطلب للإذن له بسماع اقواله وهنا يأذن المجلس للعضو بذلك لدحض هذه الادعاءات وحول عملية التصويت لرفع الحصانة تشير د.فوزية عبدالستار إلي انه في النظام الديمقراطي العبرة بأغلبية الاصواب ويجب ان يكون التصويت للمصلحة العامة ولا تستند عملية التصويت لأسباب اخري ليس مطروحة في ممارسات البرلمان. النواب سواسية * ولكن هل تختلف اجراءات رفع الحصانة وسرعتها من نائب وطني واخر معارض؟ يجيب امين سر اللجنة التشريعية النائب عمر هريدي في حسم اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشعب لا تكيل بمكيالين ولا تفرق بين نائب في حزب الاغلبية وآخر ينتمي الي احزاب المعارضة فالمعيار في هذا الامر هو بحث مدي توافر الكيدية من عدمه في طلب رفع الحصانة, بل ان اللجنة اثناء البحث تتلمس ادلة الإدانة دون ان تجري تحقيقا وعندما يتأكد لها ان الامر خال من الكيدية تطلق يد جهات التحقيق برفع الحصانة عن العضو باعتبار ان هذا الامر يعرض علي منصة القضاء وللعضو ان يبدي جميع اوجه دفاعه والأحكام الصادرة ضده في هذا الموضوع تحمل عنوان الحقيقة وبعدها ينتهي دور اللجنة التشريعية علي ان يعود لها الامر من جديد عند ادانة العضو بحكم جنائي نهائي بات لتطبيق نصوص القانون والدستور بإسقاط العضوية عن نائب البرلمان باعتبار ان الجريمة كاملة وثابتة. نوع الجريمة * ومتي يحرم النائب من مباشرة حقوقه السياسية بعد ادانته؟ مازال يحدثنا النائب عمر هريدي امين سر اللجنة التشريعية قائلا ان هذا يتوقف علي نوع الجريمة وعما إذا كانت مخلة بالشرف والاعتبار من عدمه وهنا يسرد بعضها أي المخلة بالشرف والاعتبار ومنها جرائم اشهار الافلاس مثل ما حدث مع العضو محمد عصمت السادات أو جرائم التزوير والسرقة وإصدار شيكات بدون رصيد أو التهرب الضريبي أو الرشوة مثل ما هو مثار حاليا ضد النائب طلعت السادات الخ بينما جرائم القتل لا تندرج ضمن هذه الفئة من الجرائم ولكن ما سبق من جرائم يترتب عليها فقدان عضو البرلمان الثقة والاعتبار ومما يحرمه من مباشرة حقوقه السياسية. * وهنا سألته لكن النائب محمد السادات حصل علي حكم من النقض بانتفاء الاتهام عنه؟ فرد امين سر اللجنة التشريعية نعم حدث ذلك ولكن عليه اقامة دعوي امام المحكمة لاسترداد حقه ورد اعتباره حتي يعود لمباشرة حقوقه السياسية من جديد, كما يدلل النائب عمر هريدي علي صدق كلامه بقوله: إن أحد المرشحين السابقين في دائرة الجمالية سبق اتهامه في قضية رشوة وأعفي من العقاب لاعترافه بالجريمة والاستفادة من نص القانون, ومع ذلك ظلت تبعية العقوبة بفقدانه شوط الثقة والأعتبار تصدر حكما باستبعاده من اسماء المرشحين في الدائرة وعليه الانتظار لمدة ست سنوات من تاريخ صدور حكم حتي يمكنه استرداد اعتباره والعودة لمباشرة حقوقه السياسية.. بينما من يتقدم باستقالته من مجلس الشعب مثل ما حدث مع د.محمد إبراهيم سليمان أثناء الفصل التشريعي الحالي يجوز له الترشح في الفصل التشريعي التالي ما لم تصدر أحكام قضائية نهائية بإدانته. طلعت السادات * هناك من يردد أن هناك تربصا بالعضو طلعت السادات وتم رفع الحصانة عنه في دقائق معدودة؟ هنا يؤكد النائب عمر هريدي في عبارات دقيقة بقوله إنه بشأن العضو طلعت السادات كانت أدلة الاتهام ثابته في حقه ثبوتا يقينيا لا يقبل الشك مطلقا حتي أن مدير مكتبة محمود درويش المحامي اعترف بذلك وأكد تقاضيه مبلغ25 ألف جنيه كمقدم للمبلغ المطلوب أو المتفق عليه وأكد في سؤاله أن هذا المبلغ كان مقابل استخراج تراخيص سياحية من الوزارة لصالح المبلغ ومن ثم وافق المجلس واللجنة التشريعية علي طلب رفع الحصانة لإتاحة الفرصة أمام جهات التحقيق في اتخاذ شئونها لاستجلاء الحقيقة وعليه أن يبدي جميع دفوعه لإبراء ساحته من هذا الاتهام. * ولماذا لم تسمح له اللجنة بإذن لسماع الأقوال كما يحدث أحيانا مع آخرين دون رفع الحصانة مباشرة؟ أمين سر اللجنة التشريعية عمر هريدي يوضح أن اللجنة التشريعية تقدر الأسباب بعد استبعاد حالات الكيديه التي تكثر مع نهاية الدورة البرلمانية عادة من الخصوم السياسيين الدائمين, مشيرا الي مثال لذلك قضية أحمد شوبير مع مرتضي منصور فقد طلب النائب العام تحقيق بصمة صوت شوبير وهذا إجراء يستوجب رفع الحصانة ولكن لو لم يكن هذا الإجراء مطلوبا من النائب العام لكان يمكن الاكتفاء بإذن لسماع الأقوال لحين توافر أدلة إدانة كافية. لماذا الغول؟ * ومتي يرفض مجلس الشعب رفع الحصانة عن النائب؟ أجاب النائب عمر هريدي أنه في هذه الدورة الحالية ورد الي مجلس الشعب ثمانية طلبات من النائب العام برفع الحصانة عن هؤلاء النواب لاتهامهم في قضايا جنائية خطيرة وقد تمت الموافقة من مجلس الشعب برفع الحصانة عن هؤلاء النواب لخلوها جميعا من الكيدية والتأكد من قيامها علي أسباب قانونية ترجح الاتهام في حق هؤلاء النواب. كما تم رفض رفع الحصانة عن النائب عبد الرحيم الغول في الخصومة القائمة بينه وبين النائبة د. جورجيت قلليني حيث هناك مفاوضات جارية من قيادات حزبية للتوفيق بين النائبين لانها السابقة الاولي بان يشكو نائب في البرلمان زميله النائب الاخر فضلا عن كونهما عضوين في حزب واحد ولجوء د. جورجيت للطريق الجنائي من خلال بلاغ للنائب العام دون اللجوء للاسلوب المؤسسي من خلال لجنة القيم داخل الحزب حيث كان الغول قد وصف جورجيت بانها مجرمة في احدي الفضائيات. ويوضح امين سر اللجنة التشريعية ان هناك بعض الاعضاء يبادر من تلقاء نفسه ويطلب رفع الحصانة عنه لابداء دفوعه في الاتهامات المثارة ضده وهنا تصبح اللجنة مكتوفة الايدي امام هذا الطلب وتوافق عليه وهذا ما حدث مع النائب د. هاني سرور والنائب عماد الجلده ولكن حدث ذلك بالتوازي مع طلبات برفع الحصانة عنهما وردت من النائب العام. الالتزام الحزبي * يري البعض أن الالتزام الحزبي قد يطغي علي الإجراءات القانونية تحت قبة البرلمان وتقود الأغلبية الدفة. الدكتورة فوزية عبدالستار الرئيس الأسبق للجنة التشريعية والقانونية تقول إنه من المفروض ألا يدلي النائب بصوته إلا لتحقيق المصلحة العامة, ثم تستدرك قائلة قد يحدث أن يميل النائب إلي مصالح زميله المطلوب رفع الحصانة عنه لعلاقة شخصية أو ربما تعاطفا معه باعتباره في موقف لا يحسد عليه, ولكني أنصح النواب بعدم الميل مع الهوي لأنه بهذا يحيد عن الحق ومسئوليته أمام الله والمجتمع, وتؤكد الدكتورة فوزية عبدالستار أن الالتزام الحزبي أحد أساسيات العمل السياسي للحزب الواحد, ولكن لو طلب الحزب مني مخالفة القانون والحيدة عن الحق هنا يسقط الالتزام الحزبي فلا طاعة لمخلوق في مخالفة القانون. سقوط النائب * من نواب الكيف إلي نواب القروض وأخيرا نواب العلاج علي نفقة الدولة, وفي الطريق سقط نواب آخرون في قضايا جنائية مختلفة, فما السبب, ومن يراقب ويسائل هؤلاء النواب قبل السقوط؟ يتصدي للإجابة عن هذه التساؤلات والفوضي في أسباب سقوط بعض النواب المستشار د. فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري قائلا: إنني أنصح النائب بعدم الاعتماد علي الحصانة البرلمانية في حماية نفسه وإنما أنصحه أن يعتمد الشفافية معيارا لسلوكه والبعد عن مواطن الشبهات مثله مثل القاضي الذي يحكم بالعدل بين الناس, كما أطالب الأحزاب عند ترشيح أعضاء لمجلسي الشعب والشوري ألا تنساق وراء المعايير غير المنضبطة عندما يتردد أن فلان له شعبية كاسحة, فهل هناك جهاز لقياس درجة الشعبية ولا يجوز أن يكون هذا هو معيار الترشيح في الدورات المقبلة إذ لابد من النظر في سيرة الشخص من حيث الاستقامة والعلم والنزاهة والتاريخ السابق ويكون ناصع البياض لأن التاريخ لا يكذب ويحذر وكيل اللجنة التشريعية بالشوري من أنه في حال عدم اتباع هذه الإجراءات يكتسب الحصانة من لا يستحقون تمثيل الشعب ومثال لذلك نجاح تجربة تعيين ثلث مجلس الشوري من قبل رئيس الدولة وعشرة أعضاء بمجلس الشعب لأن هؤلاء يتم اختيارهم واحدا واحدا ويخضعون لعملية تقييم شاملة فيكونوا من العلماء والحكماء النزهاء. ولدرء مواطن الشبهات والبعد عن المفاسد يطالب د. فتحي رجب نواب البرلمان بتنفيذ أحكام الدستور نصا وروحا, والامتناع تماما عن التعامل مع الدولة بيعا أو شراء أو مقاولة حتي لا تثور أي شبهة ضدهم, مع وجوب المساءلة الرقابية والبرلمانية وهنا يتصدي وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري لما يراه تجاوزات برلمانية بقوله لو كان الأمر بيدي وجلست كقاض وثبت أمامي مخالفة صارخة للدستور وقانون مجلسي الشعب والشوري واللائحة الداخلية في الاستهانة بحقوق الشعب والتعامل مع الدولة والشركات الخاصة أو العامة أو الأجنبية لقطعت رقاب هؤلاء, وهنا ربما يقصد د. فتحي رجب أي نزع الحصانة البرلمانية ودفعهم إلي ساحة العدالة.