{ منذ بضع سنين كان علي التزام أن أكتب ل'بريد الجمعة' قصتي, لكن مشاغل الحياة باعدت بيني وبين هذا الالتزام. وجاء عيد الحب مرة أخري هذا العام ليذكرني بهذا الالتزام تجاه بريد الأهرام, ومؤسسة الراحل الأستاذ الفاضل عبدالوهاب مطاوع, ويحثني أن أعطي لكل ذي حق حقه, وأعترف بفضله, وبفضل زوجي الحبيب علي ولأبدأ من البداية.. منذ بضع سنين كنت امرأة مطلقة بعد زواج لم يدم طويلا, عانيت فيه الكثير من الآلام والتجريح والقسوة غير المبررة, والإهانات التي تترك آثارا لا تمحي من النفس قبل الذاكرة, امرأة عانت سنين من هواء' دهاليز المحاكم' الفاسد العطن, حتي أنصفها الله سبحانه وتعالي, ثم القضاء, فحصلت علي حقها في المعيشة الكريمة.. وكانت ثمرة هذا الزواج طفلا بريئا لم يبلغ من العمر عامه الأول.. طفل ليس له ذنب في سوء اختيارها, فآلت علي نفسها أن تكرس حياتها له, توفر له كل ما يحصل عليه أي طفل آخر في نفس مستواه. وانغمست في عملي, ودراساتي وأبحاثي, حتي حصلت علي أعلي الدرجات العلمية بفضل الله تعالي. وفي أثناء ذلك تناسيت أني امرأة, حتي وكما قال إحسان عبدالقدوس نسيت أني امرأة. إلي أن كان صغيري علي مشارف الجامعة, هنا شعرت بفراغ غريب لم أجد له مبررا, لوجود الأهل والأقارب والأصحاب, وعملي الذي أنغمس فيه حتي أذني!! في هذه اللحظة من حياتي وقعت عيني أثناء قراءتي' بريد الجمعة' الذي كنت ومازلت أداوم علي قراءته علي قصة رجل يبث همه للأستاذ عبدالوهاب مطاوع, ويشكو له سهد الليالي مؤرقا, يعذبه الفراغ العاطفي, وتؤلمه الوحدة رغم وجود زوجته وأبنائه, وتؤرقه احتياجاته النفسية والجسدية, وكان يكتب للأستاذ عبدالوهاب مطاوع يستشيره في الزواج مرة أخري, دون أن يتخلي عن مسئولياته تجاه أسرته, خاصة بعد أن وصل أبناؤه إلي بر الأمان, فمنهم من تزوج, ومنهم من أنهي تعليمه, ومنهم من كان في السنة النهائية, وكانت زوجته قد أصيبت بمرض يمنعها من أداء واجباتها الزوجية, ثم ذكر الأستاذ عبدالوهاب مطاوع بأنه كان قد كتب له منذ عدة سنوات يشكو له سهد الليالي, وكان الأستاذ عبدالوهاب مطاوع قد نصحه بالصبر علي قدره من أجل الأسرة والأولاد وأنا لم أكن قد قرأت قصته القديمة ثم هاهو يكتب له مرة ثانية يستشيره, خاصة بعد أن مرضت الزوجة وأدي واجبه تجاه الأبناء. هناك جرت عيني لأقرأ رد الأستاذ الكبير عبدالوهاب مطاوع رحمه الله الذي كانت له القدرة علي قراءة ما بين السطور, واستنباط الحقيقة من بين الادعاءات, فإذا به لا يلوم عليه رغبته في الزواج من أخري, بعد أن أدي واجبه تجاه الأبناء, وبعد أن صبر وعاني سنوات من الليالي المسهدة الطويلة. حينئذ وجدت نفسي مشدودة لهذا الرجل, أشعر بنفس مشاعره, وأتألم لألمه, وفي نفس الوقت احترم فيه حنوه علي أسرته ورعايته لها, وصبره لسنوات طوال. حينئذ صليت استخارة عدة مرات, استخير الله تعالي في أمري, وأمر هذا الرجل الذي لمس جزءا من نفسي, وإذا بي أكتب للأستاذ عبدالوهاب مطاوع أحكي له قصتي ومعاناتي السابقة, واسأله إذا كان ارتباطي بهذا الرجل سيكون قرارا حكيما أم لا.. وأرسلت الخطاب.. ثم أنبت نفسي مرات ومرات, وخجلت من تصرفي هذا, فأنا لم أكن يوما في حياتي ساعية لعلاقة أيا كان نوعها مع الجنس الآخر, وها أنا, وأنا في هذا الخضم من الحيرة والندم والخوف والتعاطف, إذ بصوت دافئ يبلغني عبر الهاتف أنه الأستاذ فلان, وأنه من طرف الأستاذ عبدالوهاب مطاوع, وأنه قد حصل علي رقمي منه, وأنه.. وأنه.. واستمرت المكالمة وتوالت المكالمات وحاولت عدة مرات أن أتراجع عن فكرة الارتباط, وأهرب من الزواج, الذي قد يكون سجنا ويكون هو السجان, ثم أجد بيني وبينه لغة تفاهم وتقاربا كما لو كنا نعرف بعضا من سنين, وأشعر باحتياجه ووحدته, وألمس فيه الحنان والحنو.. وتتعدد المكالمات واللقاءات.. وأجدني أوافق علي أن يتقدم لأهلي ونتزوج. فإذا بي أجد في هذا الرجل حنانا لا يمكن أن يوجد عند رجل, وإذا به يحتويني, وإذا بتحملي وصلابتي يذوبان في دفء حنانه, وأجدني أبكي علي صدره كل آلامي ومعاناتي السابقة, كما لم أبك في حياتي, فإذا به يضمني إلي صدره الحنون, ويضمد جراحي ويداوي آلامي, ويغسل روحي ونفسي من ينبوع حبه وحنانه, وإذا بي أولد من جديد, كأني لم أحيا من قبل, وأجدني أحب الحياة, وأصبح أكثر قدرة علي العطاء الإنساني, فأستقل ما منحت ابني من حب وحنان, فأضمه إلي صدري من جديد, لأبثه مزيدا من حنان الأم الآمنة المطمئنة, وإذا بي أجد في نفسي قدرة هائلة علي احتواء هذا الرجل المحروم من دفء الحب وجمال المشاعر الانسانية المتبادلة, فأحيا معه, وأتلهف للقائه, لنحيا معا لحظات من السعادة, وعرفت معني الأنس حين يكون معي, ومعني الوحشة وهو بعيد عني. وأنا أكتب لك الآن لأشكر الله سبحانه وتعالي أولا وأخيرا علي نعمه علي وعلي كرمه, وأؤدي دين الأستاذ عبدالوهاب مطاوع علي, الذي وافته المنية قبل أن نحتفل بعيد زواجنا الأول, وأنا ههنا أعترف بفضله علينا, وأريد أن أشكر زوجي الحبيب علي أسعد أيام حياتي التي قضيتها في دفء حبه وحنانه, وأتمني له دوام الصحة والعافية, وكل عام وهو بخير بمناسبة قرب عيد ميلاده كما أريد أن أوجه كلمة لكل من ابتلي في شريك أو شريكة حياته, أن يصبر وينتظر جائزة السماء كما كان الأستاذ يقول فإن رحمة الله واسعة وكرمه كبير. *المحرر: شكرا سيدتي وإن تمنيت أن تصل تلك الكلمات الجميلة في وقتها للراحل الرائع الأستاذ عبد الوهاب مطاوع في حياته ليسعد بغرسه الجميل ونصائحه الحكيمة, ولكن لنحتسب سعادتكما أدامها الله عليكما صدقة جارية تصب حسناتها في رصيد أستاذنا الكبير وهو بين يدي الرحمن, غفر الله له ولنا ورفعه الدرجات العلا بإذنه ورحمته سبحانه وتعالي.