الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    بعد قليل.. النواب يناقش الحساب الختامي لموازنة 2022 - 2023    رئيس النواب يحيل اتفاقيتين دوليتين إلى لجنة الشؤون الدستورية    التموين تواصل صرف مقررات مايو.. والسكر الحر ب 27 جنيها على البطاقات    تعرف على خطوات التقديم للتصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها    تباين مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    وزير الإسكان: تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الغلق الآمن لمقلب السلام العمومي    ممثل «المركزي للمحاسبات» أمام «النواب»: بعض الصناديق أنفقت مبالغ في أمور غير مخصصة لها    رئيس «النواب»: ندعم جهود الرئيس السيسي في الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني    المتحدث الرسمي للزمالك : نعمل على حل أزمة إيقاف القيد    كريم شحاتة: كثرة النجوم في البنك الأهلي قد تكون سبب سوء النتائج    تين هاج: الهزيمة الكبيرة أمام بالاس مستحقة.. ولا أفكر في مستقبلي    «عايز أعرف فين الأخطاء».. شوبير يعلق على بيان الزمالك بشأن الحكام    ضبط المتهم بالاستيلاء على أرصدة البنوك بانتحال صفة خدمة العملاء    تحرير 182 محضرًا للمخالفين لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    رمال مثيرة للأتربة هذا الأسبوع.. الأرصاد تكشف طقس غداً الأربعاء وموعد ارتفاع درجات الحرارة    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    ياسمين عبدالعزيز: مش بحب أحمد العوضي أنا بعشقه | فيديو    في أول أسبوع.. إيرادات فيلم «السرب» تتخطى 15 مليون جنيه    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    طبيب نفسي يكشف العوامل المساعدة لتحسين الحالة المزاجية (فيديو)    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    خارجية الاحتلال: اجتياح رفح يعزز أهداف الحرب الرئيسية    حفلات وشخصيات كرتونية.. سائحون يحتفلون بأعياد الربيع بمنتجعات جنوب سيناء    ضبط 18 كيلوجرامًا لمخدر الحشيش بحوزة عنصر إجرامي بالإسماعيلية    إعلام أمريكي: إدارة بايدن أجلت مبيعات الآلاف من الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدًا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    اعتقال 125 طالبا.. الشرطة الهولندية تفض مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة أمستردام    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية اللازم لإدارج بيانات الرقم القومي 1 أغسطس    «الصحة» تحذر من أضرار تناول الفسيخ والرنجة.. ورسالة مهمة حال الشعور بأي أعراض    في اليوم العالمي للربو.. تعرف على أسبابه وكيفية علاجه وطرق الوقاية منه    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    إصابة 3 اشخاص في حادث تصادم سياره ملاكي وموتوسيكل بالدقهلية    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    ياسمين عبدالعزيز: «بنتي كيوت ورقيقة.. ومش عايزة أولادي يطلعوا زيي»    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكنز

1 هم ثلاثة إخوة من عائلة ميديرانيوس, روي, جوانيس, وروستابال. وفي ذلك الوقت, كانوا الوحيدين في مملكة أستورياس; المنحدرين من أصل كريم والأكثر جوعا. وما يسترون به أبدانهم, لا يتعدي الهدوم المرقعة. وفي دار عائلة ميديرانيوس الشبيهة بهم, اقتلعت الأعاصير الجبلية زجاج الشبابيك وخشب السقوف. وفي ذلك الشتاء تمر بهم الليالي الباردة وهم منكمشون في ركن من أركان الدار وقد تغطوا بجلود الجمال, وخلعوا نعالهم التي فصلت من جلد البقر المدبوغ, ووضعوها علي أحجار الموقد أمام المدخنة التي غطاها الهباب من زمن طويل مر عليها دون أن توقد بالموقد نار, أو تغلي فوقه الطنجرة الحديدية, وعندما يحل الظلام يقضمون بشراهة لقيمات من عيش أسمر مدعوكة بالثوم, بعدها يجوسون في الظلمة والثلج علي بصيص من شعلة لا تنير, حتي يجتازوا حوش الدار, ذاهبين للنوم في الاسطبل, ملتمسين الدفء بما تبعثه حرارة أجساد الفرسات الثلاث, بجلودها التي تنتشر فيها البثور والتقرحات, والتي تعاني الجوع مثلهم وأكثر, حتي أخذت تقضم عروق خشب المربط. لقد حول الضنك الذي لازمهم طوال حياتهم في هذه الحالة البدائية إلي وضع أقرب إلي حياة الذئاب.
وذات يوم من أيام الربيع, وكان يوم أحد يسوده السكون, وبينما كان الثلاثة يجتازون جبل روكيلانيس بحثا عن حيوان يصطادونه أو فطر عش الغراب من بين جذوع أشجار السنديان, بينما كانت الفرسات الثلاث ترعي الحشائش اليانعة لإبريل, عثر الإخوة ميديرانوس خلف أشجار الصنوبر الكثيفة علي خزانة حديدية قديمة مخبأة في مدخل كهف صخري, كما لو كانت مصونة في برج حصن آمن, والخزانة الحديدية القديمة, كانت مفاتيحها الثلاثة داخل أقفالها الثلاثة. وعلي غطائها كتابة كان من الصعب فك طلاسمها بسبب الصدأ المسود والذي خلفته الفطريات, وأمكن رؤية سطرين من الشعر مكتوبين بحروف عربية, وكانت الخزانة مملوءة حتي حوافها بمسكوكات ذهبية لعملة قديمة!
وبسبب المفاجأة المذهلة والفرحة الشديدة التي اجتاحت الثلاثة; استحال لونهم أشد قتامة من سواد الشموع الكبيرة التي تحترق في الكنيسة ودسوا أيديهم علي الفور وهم في حالة هياج في الخزانة حتي غرقت في العملات الذهبية وهم منفجرون في الضحك بشكل بدا كما لو أنهم جعلوا أوراق الدردار الرقيقة ترتجف. وعندها تراجعوا بعيون ينطلق منها الشرر واجهوا بعضهم البعض بغلظة وانعدام ثقة, بل وبسوء نية بلغت حدا جعل جوانيس وروستابل يتحسسان مقابض خناجرهم التي يحملونها حول خصرهم. وعندئذ انتفض روي الأكثر سمنة بخدوده الحمراء, والأكثر ذكاء, رافعا ذراعيه كحكم بينهما, وصرخ فيهما قائلا إن هذا الكنز; سواء كان آتيا من عند الرب أو من عند الشيطان, فهو ملك للثلاثة, وسوف يتم تقسيمه بينهم بالعدل بعد أن يزنوه.
ولكن, كيف يمكن حمله حتي دار عائلة ميديرانيوس في قمم الجبال, وهذا الصندوق ممتلئ بهذا الشكل؟ واتفقوا أيضا فيما بينهم علي أن يغادروا الجبل بهذه اللقية قبل أن يهبط الظلام, ولذلك طلب من أخيه جوانيس; أخفهم حركة أن عليه أن يذهب إلي القرية المجاورة لريتورتيليو ومعه بعض العملات الذهبية في جيوبه لشراء خرج من الجلد لكل واحد من الثلاثة, وثلاثة مكاييل من الشعير وثلاثة فطائر محشوة باللحم, وثلاثة زجاجات نبيذ. اللحم والنبيذ لهم, لأنهم لم يذوقوا الطعام منذ الليلة الفائتة, والشعير للفرسات. وهكذا يتناولون وجبة دسمة, ويركبون الركائب كالسادة, محتفظين بالذهب في الأخراج الثلاثة, صاعدين إلي دار آل ميديرانيوس تحت جنح الظلام في ليلة ليس فيها قمر.
تفكير سليم!
هكذا صاح روستابل, الرجل الأطول فيهم مثل شجرة الصنوبر, بشعره الطويل, ولحيته التي تتدلي من عند عينيه المحمرتين حتي إبزيم الحزام حول وسطه.
لكن جوانيس لم يصبر علي الخزينة الممتلئة بالذهب. كان عابسا وسييء الظن في الوقت الذي كانت أصابعه تشد جلد رقبته المسود, وفي النهاية قال بطريقة لا مراعاة لهما فيها:
يا إخوانا! الخزنة لها ثلاثة مفاتيح, وأنا أريد أن أقفل قفلي, وأحمل مفتاحه معي!
يا نور الله!, أنا أيضا أريد أن أحمل مفتاحي معي.
زام بالتالي روستابل.
ابتسم روي: أكيد, أكيد, وكل واحد منا, نحن أصحاب الذهب, يكون مسئول عن المحافظة علي المفتاح الذي معه.
وانحني الثلاثة فوق الخزينة وهم صامتون, وكل واحد منهم أقفل بإحكام القفل الذي يخصه.
وبعدما تم ذلك, جوانيس اطمأن بالفعل, وركب فرسته, وتوجه متوغلا في طريق شجر الدردار قاصدا ريتورتيليو, بينما استهل غناء مواله الحزين:
أوليه... أوليه..
خرج الصليب من الكنيسة
وقد كساه سواد الحداد.
2 في الخلاء, وأمام الجبل الذي كان الكنز مخبأ فيه; سن الثلاثة سكاكينهم وسيل مياه جارف تدفق مندفعا من بين الصخور, متساقطا فوق صخرة هائلة مجوفة مكونا ما يشبه خزانا من مياه رائقة يهدأ بها السيل ليأخذ بعد ذلك مجراه باتجاه الدغل, وعلي جانب منه, وفي ظل شجرة زان يرقد عمود قديم من الجرانيت, مغطي في سقوطه بالطحالب, مضي روي وروستابل ليجلسا فوقه بسيوفهما الهائلة الحجم بين ركبتيهما, والفرستان تأكلان في تلك الأثناء العشب الطري مختلطا بنبات الخشخاش, ببراعمه الذهبية, وطائر شحرور يواصل غناءه بين الأغصان, ورائحة لطيفة للبنفسج تجعل الجو المشرق باعثا علي السكر.
وبينما كان روستابل يتطلع إلي الشمس تثاءب وشعر بالجوع. أما روي, الذي كان قد خلع غطاء رأسه, ومسح علي ريشاته البنفسجية العتيقة, فقد بدأ الكلام بطريقته الذكية الهادئة في الحديث, عن أن جوانيس لم يكن راغبا هذا الصباح في النزول معهم إلي جبل تملؤه الصخور. ولكن يا له من حظ سييء! إذ لو أن جوانيس كان عليه أن يبقي في ميديرانيوس, فإنهما وحدهما من كانا سيكتشفان هذه الخزينة, وكانا سيقتسمان الذهب فيما بينهما هما الاثنين فقط, وسيكون أكثر بكثير, بدلا مما سيبقي لهما بعدما يأخذ جوانيس نصيبه وسرعان ما سيضيعه في الحانات, علي لعبه مع أوغاد آخرين بزهر اللعب.
آه يا روستابل! لو أن جوانيس هو الذي كان قد مر من هنا, وكان هو الذي عثر علي هذا الذهب, فبالتأكيد لم يكن ليقتسمه معنا. آه يا روستابل!
غمغم الثاني مهددا وبالغ الحنق بينما كان يشد شعرة من لحيته السوداء:
لا طبعا, جوانيس شديد الحرص, فعندما كسب في السنة الماضية مائة دوكادوس من صانع السيوف في فرسنو لم يرغب حتي في أن يسلفني ثلاثة دوكادوس لكي أشتري بدلة جديدة لي.
ألم تر؟ صاح روي بوجه متهلل, وتحدث كلاهما من فوق العمود الجرانيتي كما لو كانا يحملان الفكرة نفسها التي كانا يخفيانها. وتحت ثقل خطواتهما الواسعة, كانت الحشائش الطويلة ترتعش.
ولأجل ماذا؟ واصل روي حديثه فيما سيستخدم كل الذهب الذي سيأخذه منا؟. ربما لم تسمع سعاله في الليل؟ وحول القش حيث كان ينام, الأرض كلها كانت سوداء من الدم الذي نزفه. إنه لن يعيش حتي سقوط الثلج القادم يا روستابل!. لكنه في هذه الفترة يكون قد بدد بالفعل العملات الذهبية القديمة القيمه, والتي كان ينبغي أن تكون من حقنا نحن, لكي نبني بها دارنا, وأن نقتني أحصنة, وأسلحة, وبدلات فاخرة, وأراضي, كما يليق بمن هم مثلنا, كبار السن من أهالي ميديرانيوس...
إذا يجب أن يموت, وأن يموت اليوم! كان هذا ما صرح به روستابل.
هل تريد حقا أن ينتهي الأمر هكذا؟
أسرع روي بالإمساك بذراع أخيه مشيرا له إلي الطريق المحاط بالنخيل والذي سينزل فيه جوانيس من فوق فرسته.
وبعد ذلك لن تكون القسمة علي ثلاثة لأنه لن يكون هناك ثلاثة.
ويوجد هناك مكان أفضل يقع بين الأشجار الكثيفة. ويجب أن تكون أنت الذي يقوم بذلك يا روستابل; لأنك الأقوي, والأكثر مهارة. ضربة واحدة بقوة في الظهر, وستكون النهاية. وحكم الرب أن تكون أنت. وهذا بالفعل, ولأكثر من مرة يذهب جوانيس إلي الحانات, وبلا أي حياء أطلق عليك أنك خنزير وأبله لأنك لا تعرف كيف تفك الخط ولا أن تقرأ الأرقام.
فاجر!
هيا بنا!
ومضيا إلي هناك, وبعدما أخذا يبحثان وراء بعض الأماكن كثيفة الأشجار والتي يتوافر بها طريق مختصر ضيق مكسو بالحصي مثل قاع نهر, اختبأ روستابل في حفره عميقة. وما جري بالفعل أنه أخرج سيفه من غمده وانتظر. ونسمة رقيقة هزت جريد النخيل في السفح, وأحسا بالأصوات الخفيفة لقرع الأجراس السريعة لريتورتيليو.
روي, وهو يداعب لحيته, أخذ يحسب الوقت ويحدد الساعة من وضع الشمس والتي بدأت تختفي الآن خلف الجبال. ومر سرب من الغربان فوقهما وهو ينعق. وروستابل الذي كان يتابع طيرانها عاد للتثاؤب شاعرا بالجوع وهو يفكر في الفطائر المحشوة باللحم, والنبيذ الذي يحمله الأخ الثاني في الخرجين.
أخيرا! انتبه! فأنت تسمع الآن في الطريق, الموال القديم المبحوح والعليل الذي يتردد صداه بين غصون الأشجار:
أوليه! أوليه!
الصليب خرج من الكنيسة
والكل يرتدي ثياب الحداد السوداء.
غمغم روي:
في جنبه! بمجرد ما يمر!
خبب الفرسة كان يصطك وحصي الطريق, وريشة غطاء الرأس بدأت تظهر فوق منطقة الأشجار الكثيفة.
اندفع روستابل خارجا بسرعة من بين فروع شجيرات العليق, وبمهارة غاب نصل سيفه بأكمله في جنب جوانيس. وفي اللحظة التي كان فيها هذا مأخوذا علي غرة في العراك استدار فجأة فوق الركوبة بضربة صماء ووقع جانبا علي الصخور. وبينما كان روي يمسك بلجام الفرسة, كان روستابل يلقي بنفسه فوق جوانيس الذي كان يعاني سكرات الموت. وأخذ يطعنه من جديد بالسيف الذي قبض عليه من النصل كما لو كان خنجرا وطعنه في الصدر والعنق. وصرخ روي:
المفتاح!
وبعد أخذ المفتاح الذي كان يحمله الميت في صدره, فر الاثنان جريا علي الطريق; روستابل يتقدمه في الأمام بريشة غطاء رأسه المكسورة والمنحنية, والسيف مازال عاريا ومضموما تحت الذراع. جبان تجتاح جسده كله رجفة بطعم الدم الذي كان ما يزال يلطخ فمه.
أما روي, فقد سار خلفه, جاذبا بيأس لجام الفرسة التي غاصت قوائمها في الأرض المليئة بالحصي وهي تشهر أسنانها الكبيرة الصفراء; لا تريد أن تفارق صاحبها متصلبا, متروكا, مطروحا بطوله علي الطريق.
كان لزاما علي روي أن ينخس الردفين الهزيلين بطرف السيف, ويجري عليها بالنصل المرهف كما لو كان يطارد أحد المسلمين. خرج إلي الخلاء حيث الشمس لم تكن قد ذهبت أوراق الأشجار.
روستابل الذي كان قد قذف بغطاء الرأس والسيف في دغل الأشجار الكثيفة, كان منحنيا فوق حافة الصخرة المجوفة مثل خزان, بأكمام مشمرة يغسل بصخب وجهه ولحيته.
أما الفرسة التي هدأت الآن, فقد عادت ترعي وعليها الخرجين الجديدين الذين كان جوانيس قد اشتراهما من ريتوتيليو, ومن الخرج الأكبر والذي كان مكتظا; برزت فوهنا زجاجتين, عندها أخرج روي ببطء من حزامه سكينه الطويل, ودون أن يحدث صوتا جاس وسط الحشائش الكثيفة, واقترب بحرص وتكتم من روستابل الذي استنشق بصوت مسموع بينما لحيته تقطر ماء. وبرباطة جأش وكما لو أنه يدق وتدا في الأرض; غرس النصل الحاد بأكمله في الجذع المنكفئ, بطعنة واثقة في القلب.
سقط روستابل فوق خزان المياه دون أن يصدر آهة. وبالوجه الغاطس في المياه, وخصل شعره طافية. أما محفظته الجلدية القديمة; فكانت مربوطة بين فخذيه, ولكي يخرج من داخلها المفتاح الثالث للصندوق, كان علي روي أن يحمل الجسد, وعندئذ اندفع دم منبثق فائرا وجري علي حواف الخزان ليغرقه بالدم.
3 والآن صارت المفاتيح الثلاثة للخزينة كلها له وحده... لروي الذي فتح ذراعيه علي اتساعهما وهو يتنهد بارتياح. متي سيحل الليل والذهب كله معه مخبأ في الأخراج وهو يسوق طابور الفرسات بدروب الجبل صاعدا إلي ميديرانيوس ليدفن كنزه في البدروم في الوقت الذي سيكونان هما هناك في مجري السيل, أو أيضا جنب شجيرات العليق, حيث سيبقيان وحدهما تحت ثلوج ديسمبر, حفرتان بلا اسم, بعض عظام بلا اسم, وسيكون هو في هذا الوقت السيد, سيد ميديرانيوس الكبير, وفي الكنيسة الجديدة بدار عزه وغناه سيأمر بتقديم القرابين من أجل روحي أخويه الميتين... ميتين كيف ماتا؟ كيف ينبغي أن يموت آل ميديرانيوس وهم يقاومون الأتراك!
فتح الأقفال الثلاثة وأخذ حفنة من العملات الذهبية وسمع صوت صلصلتها بأن اصطكت بالحجارة, أي ذهب في نقائه مثل هذا وقد صار ذهبه!. بعد ذلك راح يقيس ويختبر سعة الأخراج, وعندما عثر علي زجاجتي النبيذ وفرخة مشوية سمينة; هاجمه الإحساس بجوع وحشي, إذ أنه منذ اليوم السابق لم يأكل سوي نسيرة من سمك مجفف, وكم من الوقت مر عليه دون أن يأكل الفراخ!
أية لذة كان يشعر بها وهو جالس بين الحشائش فاتحا ساقيه وبينهما يمسك بالطير المشوي, وأي رائحة فواحة ومعها اللون العنبري للنبيذ!
آه يا جوانيس! كان المفترض أن تكون رئيسا لسفرجية, فهو لم ينس حتي الزيتون.. لكن لماذا أحضر هو لثلاثة سيأكلون, زجاجتي نبيذ فقط؟ انتزع جناح الفرخة والتهمه في شراهة بأسنان هائلة.
حل المساء رائقا وعذبا بغيوم لونها وردي. وعلي البعد ينعق سرب من الغربان. أما الفرسات فكانت شبعانة, تنعس وهي واقفة ورءوسها مدلاة إلي أسفل والنبع يصدر خريره ويغسل الميت.
نظر روي إلي شعاع الضوء النافذ من زجاج زجاجة النبيذ, بهذا اللون المعتق, والحامي, والتي لا يمكن أن يقل سعرها عن ثلاثة مرابطي. رفع فوهة الزجاجة إلي فمه وأخذ يرتشف الرشفات ببطء حتي أنها جعلت رقبته بشعرها الكثيف تتموج.
أوه! يا له من نبيذ مقدس حلت فيه البركة لدرجة أنه سرعان ما جعل الدم يسخن. رج الزجاجة التي فرغت, ونزع سدادة الزجاجة الثانية. ولكن بما أنه داهية لم يشرب. والآن عليه أن يذهب إلي الجبل كي يحضر الكنز; فذلك يتطلب القوة والتصرف السليم, ومرتكزا علي كوعيه ومسترخيا, فكر في واحد من آل ميديرانيوس, ودار جديدة مسقوفة بالقرميد, بجوار ألسنة اللهب العالية في المدفأة خلال الليالي التي يتساقط فيها الثلج وهو في فراشه من الديباج المزركش حيث توجد عنده دائما النساء.
وفجأة, مدفوعا بوطأة إحساس بضيق النفس; أسرع ليحمل الخرجين ولحظتها صار الظل أشد كثافة بين أجسام الفرسات. جر واحدة من الفرسات إلي جانب الخزينة. رفع الغطاء وأخذ قبضة من الذهب, لكنه ترنح, فأفلتت العملات الذهبية التي تساقطت ليعلو صوت صليلها فوق الحصي علي الأرض. رفع يديه المرتعشتين إلي صدره. ماذا جري يا دون روي؟ ياللعنة! كانت بصدره نيرانا, نيرانا موقدة لدرجة أنها أضاءت بداخله وصعدت إلي الحلقوم. مزق الصديري وخطي بضعة خطوات مترنحة, وهو يلهث ولسانه خارج فمه; مسح قطرات ثقيلة من عرق مرعب متجمد كما لو صار ثلجا.
أوه.. يا عذراء يا مقدسة!. ومرة أخري اندلعت النار أشد استعارا, أي حريق, أي عذاب, أي تقطيع لنياط القلب! صرخ:
النجدة.. ليأت أي أحد! يا جوانيس!.. يا روستابل!..
وتقلص ذراعاه وهما يضربان الهواء في يأس, واستعار النار يتزايد بداخله, ويحس بعظامه تتفتت وتتهاوي كأعمدة خشبية لبيت يلتهمه حريق.
مشي يترنح نحو خزان ماء النبع حتي يطفئ تلك النار, ارتطم بجثة روستابل, وبركبته استند علي الميت, ويخربش الصخرة باحثا من خلال عويله عن شؤبوب الماء ليجعله يتساقط فوق عينيه وشعره, ولكن المياه الآن تحرقه كما لو استحالت معدنا مصهورا, تراجع عندها للوراء وارتمي فوق الحشائش التي أخذ يقتلعها بخبطات من قبضتيه ويعض فيها, يقضمها عاضا أصابعه ليمتص برودتها, واستطاع النهوض في الوقت الذي كان لعابه يسيل بغزارة ويفور علي لحيته, وفجأة يفتح عينيه علي اتساعهما بشكل مخيف وهو يصرخ بفزع كما لو أنه أدرك أخيرا أنه قد غدر به:
إنه السم!
آه يا دون روي, يا زكي... إنه سم! لأن جوانيس مثلما أسرع للوصول إلي ريتوريتليو, وقبل شراء الأخراج; كان عليه أن يسرع إلي حارة خلف الكاتدرائية ليشتري السم من عطار يهودي عجوز, السم الذي سيمزجه بالنبيذ. لقد هداه تفكيره إلي أن يكون وحده من يمتلك الكنز, ويكون الكنز له وحده.
والدنيا ليلت, وغرابان خرجا من سرب الغربان التي تنعق, وفي الحال حطا علي جثة جوانيس والذي كان ما يزال منطرحا بين أشجار الدغل. بينما يواصل النبع خريره غاسلا الميت الثاني. نصف مدفون في الحشائش المسودة, ووجهه كله قد غطاه السواد.
نجمة صغيرة كانت تلمع في السماء. أما الكنز; فقد بقي هناك, ومازال حتي الآن في جبل الكيلانس.
-----------------------------------------------
إيسا دي لاكيروز
(1845 1900)
كاتب برتغالي يعتبر الروائي الأكبر في البلاد ولد عام1845 في بوفواري بايسم. درس الحقوق والتحق بالسلك الدبلوماسي في عام1872, وبعد أن خدم في كوبا وإنجلترا, تم تعيينه في وظيفة قنصل بباريس وواصل عمله فيها حتي نهاية حياته.
وتميزت الكتابات الأولي لإيسا دي لاكيروز والتي شملت مقالات وقصص قصيرة بالحس الساخر والفانتازيا المفعمة بأجواء الموتي والقبور.
وفي فترة متأخرة من حياته كان من المؤسسين لجماعة من المثقفين المنشغلين بالتوجهات الفنية والاجتماعية والدفاع عن الرؤي الواقعية والطبيعية في الأدب. وخلال سنوات عمله كقنصل كتب إيسا دي لاكيروز رواياته التي اكتسبت شهرة واسعة والتي كشف فيها عن الشرور في الحياة البرتغالية المعاصرة: جريمة الأب أمارو(1875), والتي تعالج الآثار المدمرة لحياة العزوبية لكاهن ضعيف ومخاطر التعصب في إحدي المدن الإقليمية بالبرتغال. ورواية ابن العم باسليو(1878), وفيها هجاء للحب الرومانتيكي. وفي رواية الأشرار(1888), تكشف عن انحطاط الطبقة العليا في المجتمع البرتغالي. ورواية المدينة وسلسلة الجبال(1901/ نشرت بعد موته), وتشي بحنينه إلي جميلات الريف البرتغالي.
ومن قصصه القصيرة الرائعة: الكنز, والمرحوم, خوسيه ماتياس, فتاة شقراء غريبة الأطوار, الكارثة, تمدن.
ولم يكن اسم إيسا دي لاكيروز هو الضمان الوحيد لأعماله, بل الموهبة الفذة التي جعلت منه الكاتب الأكبر للبرتغال في كل الأزمنة, نتكلم عن مبدع تحققت له السيادة بوصفه خالقا شيطانيا ماهرا.

ترجمها عن الإسبانية: محمد إبراهيم مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.