اتفق المشاركون والحضور من الجمهور في مؤتمر (إنقاذ صناعة النشر في مصر) الذي عقد الأسبوع الماضي بالمجلس الأعلي للثقافة، علي تفعيل مقرر (التربية المكتبية في المدارس المصرية) بكافة المراحل التعليمية، مع دعم ميزانيات المكتبات المدرسية والعامة لتيسير عملية شراء واقتناء أحدث العناوين، واقترحوا شبكة للمكتبات العامة مع مراعاة التوزيع العادل لخدماتها، بما يضمن توافر مكتبة عامة لكل عشرة آلاف فرد علي الأكثر، وإنشاء شبكة وطنية لتوزيع الكتاب علي مستوي الجمهورية. وفيما يخص ظاهرة تزوير الكتب، طالب المشاركون في المؤتمر بتوفير الآليات والتشريعات اللازمة للقضاء علي هذه الظاهرة، فضلاً عن مطالبتهم بتوفير الدعاية والدعم اللازمين لتعليم صناعة النشر في المدارس الفنية والجامعات، مع ضرورة إنشاء مراكز للنشر الدولي داخل الكليات والمعاهد العلمية لتولي مهمة تقديم خدمات التحرير العلمي والترجمة والتوثيق وإنتاج المؤشرات اللازمة. ولم ينس المشاركون المطالبة بتفعيل استخدام تطبيقات الهواتف الذكية في تسويق الكتب، واستثمار الوسائل والخدمات المختلفة للتسويق الالكتروني، وحث الناشرين علي ضرورة الاحتفاظ بالنسخ الالكترونية لأعمالهم الفكرية المنشورة، تمهيداً لاستثمارها في مشروعات النشر الالكتروني. وطالبوا الحكومة بدعم صناعة الورق وتخفيض أية رسوم ضريبية جمركية عليه، وتوفير المقومات الأساسية لصناعة وطنية للورق تمكنها من المنافسة العالمية، وألزموا الحضور من الناشرين بمراعاة أصحاب القدرات الخاصة (الصم، البكم، المكفوفين) عند نشر أعمالهم. دارت فعاليات المؤتمر علي مدار يومين، من خلال أربع جلسات حضرها جمهور كبير غير متوقع. شهد الحضور مناقشة عشرين بحثاً وورقة عمل تناولتها عدة أبعاد وجوانب لصناعة الكتاب منها: العلاقة بين الناشر والمكتبة والمؤلف، تحليل واقع نشر الكتاب المصري وتسويقه، وتطبيقات الهواتف الذكية لتسويق الكتب، وأزمة التأليف والترجمة والنشر. ولما كان الكتاب في مصر يمر بأزمة، فقد حرص المشاركون في مؤتمر إنقاذ صناعة النشر في مصر، علي تحليل الاتجاهات العددية والنوعية للكتاب المصري، والكشف عن الثغرات الموجودة. عن صناعة الكتاب المصري، ثقافياً وكيفية توزيعه، أكدت (ابتهال العسلي) أن الكتاب الثقافي المصري، يصدر عن عدة مؤسسات ودور نشر لا يربطها فيما بينها رابط استراتيجي تنظيمي، طبقاً لخطة نشر محلية أو عربية أو عالمية تراعي عدم تكرار المنشور أو تشابهه، أو مراعاة المستجدات والأحداث الثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية المعاصرة. وقدم كل من أسامة غريب، ندا علي أبوبكر، تحليلاً لواقع نشر الكتاب المصري تعرضا فيه لعدد ونوعية الكتب الصادرة في مصر خلال عام 2013، ومقارنتها بما تم إصداره في عدد من الدول الأخري في نفس السنة، وسعياً إلي تطبيق بعض القوانين البيليومترية، والتي تثبت حقيقة أن عدداً قليلاً جداً من الدول، ينتج الأغلب الأعم من العناوين الجديدة سنوياً. وتعرض سعيد عبده لأزمة صناعة النشر في مصر ومعوقات تسويقه، فأوضح كيف أن صناعة النشر من الصناعات الإبداعية التي تتأثر بالمناخ العام للدولة وتؤثر فيها، حيث ألقي نظرة تاريخية وارتباط صناعة الكتاب بها. فقال إن فترة الستينيات وما قبلها، شهدت وجود مشروع قومي سياسي أثر في الانفتاح علي الثقافات المختلفة وكان حصادها: مشروع الألف كتاب، مؤلفات شكسبير، راسين. وفي مرحلة حرب 73 وما بعدها، شهدت حركة لا بأس بها وإعادة الحياة للنشاط مع رفع الرقابة إلي حد ما عن الكتب الدينية والخاصة بفترة عبدالناصر، والسجون، والاعتقالات للجماعات الدينية والحركات السياسية، لذا كانت فترة رواج للكتب الدينية عامة، مذكرات أعضاء الجماعة، ومشاهير السياسيين، وكان ثالوث (دين، جنس، سياسة) هو الأغلب دون توجيه أو رتابة مع دخول العديد من هذه الفئات مجال النشر أو التأليف، وكان حصادها اغتيال السادات مع قوة وانتشار الفكر الجهادي مع كتب سيد قطب، أبوالأعلي المودودي، وابن تيمية، وكان أهم سلبياتها انتشار المد السلفي، وفي فترة حسني مبارك كانت محاولة السيطرة علي الجماعات الدينية ومهادنة الجماعات السلفية، ظهور مكتبة الأسرة وعلي الرغم مما يوجه إليها من نقد، إلا أنها أثرت في الحياة الثقافية، وساهمت في أن تكون القراءة عادة، أما المركز القومي للترجمة فمازال دوره أقل مما يجب، ليكون له تأثير في الحياة الثقافية، وأكد عدم وجود استراتيجية واضحة لحركة النشر في قطاعات وزارة الثقافة المعنية بذلك، وكيف أن حركة النشر والمؤسسات الصحفية قد تأثرت بسياسات الدولة، والحالة الاقتصادية لكل مؤسسة. وعن مشاكل النشر في مصر قال سعيد عبده: إنها ازدادت بازدياد عدد من دور النشر المسجلة بالاتحاد (450 دار نشر)، وخارج الاتحاد ما يقرب من 100 ناشر، تزايد ظاهرة الناشر المؤلف وهو الذي يطبع الكتاب علي نفقته ويقوم بدور الناشر والموزع، ومع ازدياد عدد الناشرين فإن نسبة كبيرة منهم لا تتوافر لهم الخبرة اللازمة، مع عدم وجود رؤية أو خطة واضحة للنشر وأقسام الإصدارات بالتقليد أو النقل وقلة الإبداع، فضلاً عن عدم وجود دور واضح لاتحاد الناشرين في إعداد وتأهيل الناشر لممارسة دوره. وعن التسويق الخارجي أشار سعيد عبده أنه يعاني مشاكل كثيرة منها ارتفاع تكاليف الشحن، وإيجار المعارض الدولية، مشكلة التسعير وتزوير الكتب، ضعف مشتريات الهيئات، وكيف أن مشاكل التزوير- وهي لا حصر لها- تهدد صناعة الكتاب بالكامل، وللأسف يصاحبها انعدام تقدير الدولة للثقافة . وفي النهاية طالب سعيد عبده بقيام المجلس الأعلي للثقافة، ممثلاً في لجنة الكتاب والنشر المنظمة لهذا المؤتمر، بتبني إعداد ورقة عمل شاملة لجميع جوانب المهنة كصناعة إبداعية. وعن التسويق الاجتماعي للكتاب وأثره علي تنمية العادات القرائية، أوضح د. حسين البنهاوي أنها تتمركز حول نقل الخبرة التسويقية والاستراتيجيات المعمول بها في القطاع الربحي إلي القطاع غير الربحي، وأن أهمية هذا التسويق تأتي في إعادة صياغة المعلومة وتفريغها من النبرة الإرشادية المباشرة، بحيث تلائم الفئة المستهدفة وتحقق الغاية، يساعد علي ذلك وجود خطة واضحة في إنتاج مواد القراءة وتوزيعها إلي تنمية قدرات المواطن علي القراءة وجعلها مصدراً أساسياً من مصادر المعرفة. وفي مشاركته تحدث د. عادل خليفة عن أزمة النشر لذوي الإعاقة السمعية، لافتاً إلي أن في مصر 12 مليون مواطن معاق، منهم 5 ملايين من ذوي الإعاقة السمعية (الصم)، وهم من أكبر الفئات المهمشة، ولفت إلي وجود منظمة من قاموس إشاري بالفيديو للغة الإشارة ب2500 كلمة، وطالب الناشرين بنشر كتبهم بلغة الإشارة حتي تيسر علي الصم الاطلاع عليها والاستفادة مما فيها من علوم ومعارف. ومن جانبه استعرض د. عبدالكريم محمود المعوقات التي تواجهها صناعة نشر وطباعة الكتاب في مصر، لافتاً إلي أنها تتلخص في قلة أعداد المكتبات وضعف ميزانياتها، ندرة العناوين المنشورة والنص الجيد، انخفاض معدلات القراءة، إهدار حق المؤلف، ارتفاع أسعار الورق ومشكلات تصنيعه، وتزوير الكتاب. وقدم د. عبدالكريم بعض المقترحات لمحاولة الخروج من هذه الأزمة، عن طريق إعفاء الورق ومعدات تصنيعه من بعض الرسوم الجمركية والضرائب، دعم الناشرين بتقديم خدمات تسويقية مميزة للقراء لا يستطيع القائمون علي التزوير تقديمها، مثل مشروع (كتاب أونلاين) بدار أخباراليوم، واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتسويق الكتب داخل دور النشر. ويري د. كمال محجوب أن بناء الشخصية المصرية الآن، يتطلب وجود ثقافة حقيقية، وأن السوق يتعين بخلق نوع من الثقافة، يكون جديراً لتقبله داخل المجتمع، لافتاً إلي أن سعر الدولار يلعب دوراً كبيراً في أزمة الطباعة، لأنه بدوره يؤثر في أسعار الورق والخامات، ونحن الآن نسعي لتخفيض سعر الكتاب لا ارتفاعه ليكون له مكان في حياتنا، وفي هذا السياق أشار د. محجوب إلي تجربة تونس، التي تدعم المطابع ب70٪ من ورق المطابع حتي يكون الكتاب في متناول الجميع، فضلاً عن المطابع العامة تقتني من الكتاب المحلي ما لا يقل عن 500 سنة في كل مؤسسة أو هيئة. وقدم الناشر محمد رشاد عرضاً مستفيضاً عن علاقة المؤلف والناشر، وفي النهاية لخص المشكلات التي تعبر عن واقع صناعة النشر في أنها تعود إلي: عدم الاهتمام بتنمية عادة القراءة لدي الأفراد منذ الصغر، ازدياد ظاهرة الأمية تقلل من الكميات المطبوعة، عزوف المتعلمين والمثقفين عن القراءة، تعاظم أجهزة الرقابة وتشددها، اقتصار أكثر المثقفين علي القراءة المتخصصة، بل الأحادية حسب التوجه الفكري، تفشي ظاهرة التزوير بالاعتداء علي حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر. وبعد عرض المشكلات الخاصة بالطباعة والمحتوي، حرص القائمون علي المؤتمر علي وجود محور خاص بالتسويق الالكتروني تمشياً مع وسائل الاتصال الحديثة، فتناول الناشر أحمد رشاد مسألة التسويق الالكتروني للكتاب في مصر، موضحاً أنها أهم وسائل التسويق في عصرنا الحديث، وهي تعتمد في الأساس علي شبكة الإنترنت، وهي تشمل: الإيميل، المواقع الالكترونية، شبكات التواصل الاجتماعي (فيس بوك، يوتيوب، تويتر) تهيئة المواقع لمحركات البحث (S.E.O)، التسويق عبر الهواتف الذكية لافتاً إلي أن الكتاب الالكتروني سيمثل حلاً لمشكلتين أساسيتين نواجههما في مصر، أولها عملية التوزيع لدور النشر أو المكتبات، فتصل إلي المحافظات الأخري، وآخرها مشكلة الأسعار، حيث إن سعر الكتاب الالكتروني سوف يكون أقل بنسبة 30٪ إلي 40٪. ولم تخل أعمال المؤتمر من مناقشات الحضور، حيث تعرضت الكاتبة سلوي بكر لما يسمي بأزمة النشر العلمي، وحجم وجود ما يسمي بالنشر الحكومي، وطالبت بضرورة فتح هذا الملف الآن، لما هو من ضرورة في المرحلة التي تعيشها مصر، ومشيرة إلي أن الكتاب العلمي لا يشغل حيزاً في عملية النشر ككل في مصر، وأن النشر الخاص يقوم بدور بطولي وأننا ننتقد الأفكار التي تعين مجتمعنا في حركته إلي الأمام. وكان رد د. شريف شاهين، مقرر المؤتمر، ورئيس لجنة الكتاب والنشر: إن دور النشر في الجامعات المصرية هي المنوطة- الآن- بنشر الكتاب العلمي، وأن مركز جامعة القاهرة للطباعة والنشر (برئاسة د. خالد العمري) نموذجاً لذلك.