ليس جلال الموت هو ما يدعوني الي الكتابة بمحبة عن عبدالرحمن الابنودي شاعر مصر الكبير، لكنها المكانة الكبري والراسخة التي استطاع هذا الشاعر احتلالها بموهبته النادرة والاستثنائية ،المكانة التي أعترف ،بشجاعة أحسد عليها ،أنني ضننت بالاعتراف بها علانية في حياته لسببين: الأول هو العلاقة الشخصية المرتبكة التي كانت بيني وبينه، كانت لدي تحفظات كثيرة عليه تحفظات شخصية وليست شعرية وكنت أعلنها ، وكانت لا ترضيه، ولذلك لم يكن هناك عمار بيننا. الثاني واغفروا لي صراحتي هو التهتك الإعلامي في التعامل معه ، كان شاعراً كبيراً ويستحق الحفاوة الإعلامية، وكنت اقبلها عندما تأتي من إعلاميين مثقفين يقدرون كل موهبة كبيرة وحقيقية، وأرفضها عندما تأتي من إعلاميين جهلاء وعلي باب الله.. نفس هذه النوعية هي من احتفت بأشباه الشعراء وجعلت منهم نجوماً.. قدمت مذيعة شاعراً نص لبة يعوج بُقه مقلداً الأبنودي، فتبعتها ثانية ثم ثالث ورابع وعاشر.. ينشغلون فقط بصناعة النجم دون أن يدركوا حجمه وقيمته الحقيقية.. أجزم أن إعلاميي هذه النوعية لم يقرأوا ديواناً واحداً للأبنودي ، وكان أغلبهم يتحدث عنه باعتباره الشاعر الغنائي.. وحتي هذه الصفة خاطئة كما تعرفون، فالشاعر الغنائي لا تعني الشاعر الذي يكتب الأغنية وإنما تعني الشاعر الذي يكتب شعراً ذاتياً... عفواً نسيت أنني أكتب لقراءت"أخبار الأدب"!!! المهم وحتي لا استغرق سعادتك في كلام لا يودي ولا يجيب، أقول لك ،أنا من كنت دائم الهجوم علي شخص الأبنودي ،ولم أهاجم شعره قط، إن الأبنودي علامة فارقة في تاريخ العامية المصرية، قدم من خلال دواوينه تجارب مهمة ذات مذاق مختلف، اتسمت بالعفوية والطزاجة والجرأة الشديدة في إدخال جمل وصور وتعبيرات لا يجرؤ أي شاعر علي إدخالها في قصيدة أو أغنية.. جمل وصور وتعبيرات ، كما يقول النقاد المتحذلقون، تأخذ داخل القصيدة معني يفارق معناها في السياق العادي، كان بموهبته وحساسيته قادراً علي فعل ذلك ببساطة متناهية وثقة شاعر كبير ومغامروممتلئ.. بعض الشعراء عندما يتقدمون في العمر يخفت بريقهم وتوهجهم لكن الأبنودي لم يفقد بريقه يوماً ، كان قادراً، رغم تقدم العمر، علي الكتابة وبنفس الدرجة من الطزاجة والجمال والإدهاش ، يفاجئنا دائما بقصيدة أو رباعية أو مربع يدهشنا ويبهجنا، وتجعلنا ، حتي ولو لم نعلنها ، نقول بيننا وبين أنفسنا:يا ابن الإيه.. شاعر كبير ومالوش حل.