لم يكن أمامه متسع من الوقت إلا بضع دقائق عابرة تحدثنا فيها سريعا علي الهاتف قبل أن يستعد لمهمة جديدة من مهام التصوير التي يفاجئنا بعدها بمجموعة متميزة من الصور الفوتوغرافية، لكن تلك الدقائق أعادت لي ذكري المرة الأولي التي تعرفت فيها علي الفتي الشاب أحمد هيمن منذ أكثر من سبع سنوات في معرضه الفردي الذي أقامه بساقية الصاوي بالزمالك تحت عنوان "أنا إنسان"، ولفت آنذاك نظر الجميع بموهبته الفذة . وقد تعددت لقاءاتنا بعد ذلك، التي كانت أحيانا من خلال صوره الحكاءة التي ينشرها علي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وعلي رأسها الفيس بوك، ليكون اللقاء فكريا وفنيا، ولكنني أتذكر ذلك الحديث المطول معه عندما أقام معرض "غزة .. مكان في القلب" بساقية الصاوي في عام 2010 . فمع بوستر المعرض أدركت أنني بصدد اختراق الحصار ومرافقة هيمن في رحلته التي استمرت أسبوعا كاملا.. كانت الصورة لطفلتين تتطلعان إلي العالم الخارجي من وراء الباب القماشي - إن صح التعبير- لإحدي الخيام.. أتذكر هيمن وهو يحكي قائلا : كنت في عزبة عبد ربه وهي أحد أكثر الأماكن التي تضررت من الحرب، وكانت هذه الصورة من أروع الصور التي التقطتها وكم كنت محظوظا بها، فلم تمر ثانيتان حتي اختفت الفتاتان داخل الخيمة. ولأنه مهموم بالناس ومسكون بالفوتوغرافيا فقد هجره النوم تلك الفترة .. حيث أسمعه يقول: لم أنم خلال تلك الفترة، لم يكن هناك وقت للنوم.. لم أرد أن أفقد لحظة واحدة، كنت أريد تصوير كل شيء .. التزمت الصمت لأستمع لما يقوله الناس، جلسنا مع أفراد السلطة ومع أبناء الشعب، الكل هناك متعاون، فالجميع يدرك أن الصورة الحقيقية والكلمة الحرة ستدعم موقفهم وتصب في صالح قضيتهم. ومهما مرت الأيام لن أنسي صورة ذلك الخطاب الممهور بتوقيع وفاء .. الأسيرة الوحيدة من غزة إلي أمها ،الذي اختتمته بعبارة "وداعا يا أمي" واستهلته بعبارة "أمي الحبيبة.. من نحن سوي ريش يتطاير في مهب ريح الحياة". في سبتمبر 2013 أقام هيمن معرضا آخر تحت عنوان "أحلامها في عيوني"، ولأنني أعرف ما الذي يعنيه أن يحمل المعرض اسم هيمن خاصة وهو مقل في إقامة معارض فردية، حرصت علي ألا يفوتني المعرض ومرت أيام المعرض وفوجئت بتذكير علي الفيس بوك بانتهاء المعرض فما كان إلا أن ألغيت كافة الارتباطات لأتمكن من مشاهدة المعرض في آخر أيامه، وكالعادة أدهشني هيمن بالموضوع الذي طرحه. "أحلامها في عيوني" معرض عكس الآمال والصراعات التي تواجهها ملايين الفتيات في مصر، ومن خلال صور مجموعة من الفتيات تحكي كل منها قصتها في قصاصة ورقية بجوار اللوحة استطاع هيمن أن يجسد الإصرار الذي تتمتع به الفتيات وآمالهن وأحلامهن للمستقبل. تم التقاط العديد من هذه الصور تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للطفلة في 11 أكتوبر الذي يركز علي تدعيم حقوق الفتيات، وقد أقيم هذا المعرض تحت رعاية بلان الدولية- مصر بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة، وتعمل بلان في مصر منذ ما يزيد علي 30 سنة، وتقوم علي خدمة أكثر من 150 ألف طفل وأسرهم في 7 محافظات. ومرة أخري تزورني ذكري صورة آية وتلك العبارة التي جاءت علي لسانها "نفسي البنات تتعلم في مصر.. مايبقاش فيها ختان .. مفيش زواج مبكر ..ماحدش ياخد علي العادات والتقاليد القديمة اللي بتقول أنا بنت وماتعلمش، دافعوا عن حقكم.. ماتسكتوش". ولم تتوقف إنجازاته علي تلك المحطات الرئيسية التي قدمها في معارضه ، إنما هي مجرد لمحات في حياته الحافلة بالمشروعات البناءة .. حيث سخر الفوتوغرافيا لخدمة المجتمع وللنهوض بحياة الناس، فهو أيضا عضو ومشارك في تأسيس مشروع " مستقبل بالألوان"، وهو مشروع يقدم ورش عمل للتصوير لتموِّل مشروعات للفقراء. وقد بدأ هيمن هذه التجربة بهدف مساعدة الأسر الفقيرة وتوفير المياه النظيفة لها لإيمانه بأهمية هذا الحق في تحسين معيشتهم، حيث بدأ بمنطقة العياط وحلم سيدة بوصول المياه إلي منزلها المتواضع، فقرر مساعدتها عن طريق جمع التبرعات ونجح في ذلك .. قبل أن تتسع الفكرة لتشمل المنطقة بأكملها . وعلي صفحة المبادرة علي الفيس بوك بإمكانك أن تتعرف علي هدف هذه المبادرة التي تتلخص في توصيل المياه إلي أكبر عدد ممكن من المنازل في المناطق الفقيرة التي لا يتوافر بها مياه، وتم اختيار منطقة العياط جنوبالقاهره لبدء المشروع وتعتمد فكرة المبادرة علي استخدام موهبة الإنسان أو مجال عمله لمساعدة الآخرين. إن حوره يمكن أن توصف بأنها صور تبقي في الذاكرة وتتعلق بها الروح لأنها عن الإنسان، وهيمن مصور بالمهنة والهواية .. فهو يعمل بمجال التصوير الصحفي بجريدة المصري اليوم منذ عام 2008، وهو يرفع شعار "الصور سبب في التغيير". ولد أحمد هيمن في مصر عام 1978، وتخرج في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا كلية الإعلام والاتصالات، حيث تخصص في قسم الإذاعة، ثم أصبح مهتما بالتصوير الفوتوغرافي، وما لبث أن بدأ هيمن مهنته كمصوّر، فعمل في جريدة أخبار الحوادث الأسبوعية، ثم انتقل بعد تخرجه إلي جريدة المصري اليوم اليومية. وفي عام 2011 حصل علي دبلومة القصّ البصري من المدرسة الدانماركيه لوسائل الإعلام والصحافة في الدنمارك. وخلال عمله بالتصوير الصحفي تمكن من التقاط العديد من الصور المهمة حيث وثق أحداثا مهمة خلال فترة الثورة ، وغير ذلك من أحداث ومنها إنفجار مديرية أمن القاهرة ، وحريق مسجد رابعة العدوية بعد فض الميدان ، وحوادث دلجة حيث تم تدمير العديد من البيوت والأديرة والكنائس من ضمنها دير العذراء مريم والأنبا ابرام وغير ذلك.. إلا أن أحد أهم القصص التي قدمها هيمن من خلال عمله هي صور الكلية الحربية، حيث قضي هناك مع فريق التصوير بالمصري اليوم مدة قاربت ثلاثة أشهر للخروج بمجموعة متميزة من الصور، وتعتبر الكلية الحربية المصرية التي تم إنشاؤها عام 1811 عن طريق محمد علي هي الأقدم في إفريقيا والشرق الأوسط، وواحدة من أقدم المعاهد العسكرية في العالم. أحمد هيمن هو أحد أشهر المصورين المصريين في مجال القصة المصورة ، وقد نال العديد من الجوائز احتفاءً بموهبته البارزة في هذا المجال، ويمكنك التعرف علي بعض من قصصه المصورة من خلال صفحته علي شبكة الانترنت " http://www.haymanics.com "ولعل واحدة من أهم تلك القصص التي قدمها هي مجموعة "الرؤية بدون بصر"، من خلال مشروع "قصص التغيير"، وهو المشروع الذي قدم نظرة دقيقة عن الحياة اليومية في خمس دول من بلدان شمال إفريقيا وهي الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، وتونس، من خلال أعين مجموعة من المصوّرين ومصممي الفيديوهات في المنطقة ممن تخرجوا من دورة التدريب Reporting Change الذي قدّمته أكاديمية World Press Photo من عام 2012 وفي عام 2014 . وقد ركز من خلال القصة التي قدمها علي المشكلات التي تواجه المعاقين في مصر حيث يواجهون توجد في التهميش والتمييز، إلا أن بعض منظمات العمل غيرالحكومي تحاول مواجهة تلك المشكلة، وتعتبر منظمة "بنات النور" واحدة من هذه المنظمات التي توفر للنساء الضريرات الدعم في التعليم، وتسهم في رفع معنوياتهن وثقتهن بأنفسهن وتوعية المجتمع، حتي تتمكن من الحصول علي وظائف ويعشن حياة مستقلة، وقد ركز هيمن من خلال قصته علي حياة الفتيات الضريرات خاصة هبة وسمية واللتين التقيتا من خلال الأنشطة التي تنظمها جمعية " بنات النور". يقول هيمن : حين كنت أصور هبة وسمية والضريرات الأخريات التي التقيت بهن، سألت كل واحدة منهن: "ماذا ترين؟ هل تحلمين؟ ماذا ترين في أحلامك؟" إن الكلمات الأفضل التي تلخص أجوبتهن هي : "ليس لدينا ذاكرة بصرية، لذلك لا يهمنا هذا الأمر. نحن نشعر ونلمس بأيدينا ، ونسمع بآذاننا، ونشم بأنفنا. هذه الحواس الثلاث أكثر حدة عندنا من معظم الناس. يجب علينا أن نقبل أننا لا نستطيع الرؤية، و تستمر الحياة". هيمن من محبي البشر، من هذا المنظور يحب أن يحكي حكاياتهم وربما هذا ما دفعه لإنشاء صفحة "مصريين" التي يتابعها 34 ألف شخض ، وقد أنشأها منذ فترة غير بعيدة ليروي من خلالها بعدسته عشرات الحكايات المكتوبة في وجوه أصحابها التي تنطق بمصرية خالصة. وكان قد تم اختياره سفيرا لنوكيا في مصر حيث بدأ مشروعا لتوثيق مظاهر رمضان حول مصر من خلال صور بالموبايل، وبالفعل قدم مجموعة متميزة من الصور قبل أن يتوقف المشروع. أتوقف قليلا الآن لألتقط أنفاسي فالحديث عن هيمن يتطلب مهارة خاصة توائم مهاراته، خاصة أنه استطاع أن يقدم ما قدم في هذه السن الصغيرة .. أتجول الآن في مجموعة الصور التي يضعها علي صفحته علي الفيس بوك التي يتابعها ما يقرب من 208 آلاف شخص ، أبتسم لصورة أبلة فاهيتا التي حصلت علي أكثر من 3000 إعجاب ، أتأمل بورتريهاته ، ولقطاته الفذة وتتسع الابتسامة.. إن أحمد هيمن باختصار مصور فوتوغرافي من طراز رفيع، يرفع شعار المصور المثقف، أو المثقف المصور.