فيليب سولير يعني خمسين عاما من الكتابة، من الحضور فيما يمكن أن نطلق عليه المشهد الأدبي الفرنسي، قدم خمسة وستين كتابا( روايات، مقالات، مجموعات قصصية). بدأ مشواره بكتاب "وحدة مثيرة للفضول"(1958)، وأخيراً "مسافرون عبر الزمن" الذي صدر مؤخراً عن دار جاليمار. يتجلي ايضاً حضورك في المشهد الأدبي الفرنسي من خلال مجلتين أثرتا في عصرهما وفيما بعد ذلك: أولاً مجلة "تل كل" في الستينيات والسبعينيات، ثم مجلة "لاانفيني" عام 1983 چاك هنريك في نص بديع خصصه في الصحافة الأدبية للمسافرين في الزمن، يقول إن كتبك تمثل "مراحل متوالية من أوديسة جديدة. أوديسة أكثر غرابة، أكثر بعدا عن الحدوث، بل وأكثر عجباً من أوديسة أوليس اليوناني. هل تستطيع تحديد دورة هذه الأوديسة أمامنا، إلي أين وصلت هذه الأوديسة؟ لكن، حتي نبدأ علينا استدعاء مسألة الجنس الروائي كما تفهمه، والذي يسبب أحيانا شيئا من عدم الفهم لدي بعض القراء، أنت تتحدث في "مسافرون عبر الزمن" عن أدب يتخلص من الحكاية، ومن السرد، عن أدب يكون بعيدا عن الروايات العائلية، والنفسية والاجتماعية، والرومانتيكية والسنتيمنتالية، روايات "تجلس القرفصاء للعرض كبضائع" -الروايات التي تجلس القرفصاء للعرض كبضائع، نص ل"إزادور دوكاس أو لوتريامون". لقد فهم في مرحلة مبكرة جدا- كعدد من الشخصيات، سواء كان مالارمية أو شخصيات أخري سواء رأيت أرواحها تسكن هذه الحديقة، أو تسكن بالفعل في هذه الحديقة- أن هناك أزمة عميقة في الأدب والرواية. لكن "الروايات التي تجلس القرفصاء كبضائع" هي ما يمكن أن ندعوها بالمصطلح الحديث "أساسيات الرواية"، وهي تقع في نطاق النظام السلعي، وهذا ما يجعل من الآن فصاعدا من خلال مصطلح تسويق الأدب . يقال لي إنني لا أكتب رواية حقيقية، ما أسمعه هو صوت السوق وليس صوت نقد أدبي جاد. السوق يستجوبني كما في عمل الديكتاتور شابلن: حيثما أكون فجأة أري صورة السوق الذي يقول لي:" أنت لا تصنع رواية حقيقية"؛ يلاحقني ذلك في كل مكان، حتي في منزلي عندما يقول لي بعض المدعوين:"خسارة ، لم تصنع رواية حقيقية". مبدئيا، السلعة هي السلعة، "مسافرون عبر الزمن" شيء آخر تماما. هذا النوع من الأعمال فرض نفسه وسيفرض نفسه في بعض الأحيان وبتباطؤ عظيم، لكن قصتها روائية علي النحو الأكمل. ماذا هناك أكثر روائية مما حدث في أشعار لوتريامون؟ أو في "فصل في الجحيم" أو في "إشراقات رامبو"؟.. ماذا هناك أكثر روائية، يا الهي! وعندما أقول ذلك أشعر بتأثر بالغ كما لو كنت أقرأ الرواية التي أرغب في قراءتها. الرواية بالنسبة للسوق هي الكتاب الذي نفتحه لنري فيلماً: نري القصة، نهتم بالشخصيات التي لديها ازمات، لأن اليوم بدون هذه الأزمات لن يكون هناك رواية. انحصر الحب وسيطر العنف و11 سبتمبر في كل مكان، لم نعد نعرف إلي أي شيء ننجر، إلي نوع من التراب. فثلاثية "سكان ما بعد منتصف الليل" علي سبيل المثال ربما تكون عميقة في الريف. هذه رواية حقيقية: كتاب يتتبع فيه المرء خطوة بخطوة القصة المحاصرة بحيوات فردية. ما أحاول أن أفعله اليوم شيء مختلف تماما، ومن هنا ثمة عدم فهم مشترك إلي حد ما، لكن ذلك لا أهمية له. أحاول صنع حالة روائية من الأفكار، من الحياة عبر هذه المغامرات التي أطلق عليها مغامرات "مسافرون عبر الزمن". أدعي أنني أصنع الرواية الحقيقية لعصري، كل الباقي سيختفي مثل كل ما نسيتموه بالفعل، مثل معظم الأفلام والبرامج التليفزيونية التي، بالفعل، انغرست في السماء. أشرت في "مسافرون عبر الزمن" أن السارد قام بلعبة كبيرة من خلال الذكريات والأرشيف؛ أيمكن أن يكون هذا أيضا تعريفا للرواية؟ - نعم، ما يبدو لي روائيا بشكل خارق اليوم هو أن أخرج هذه المغامرات المثيرة للشغف تماما. حياة كافكا مثيرة للشغف، وكذلك حياة لوتريامون.. ولهذا السبب ذهبت إلي رقم 5 شارع ليل، هناك حيث إزادور دوكاس أتي ليدفع إلي مموله داراس النقود التي تلقاها من والده، الذي يسكن في مونتيڤيديو، ذهب إلي هذا العنوان لأنه كان يود حتما طباعة أعماله. هل هناك شيء أكثر روائية من ذلك؟ لحسن الحظ أن أندريه بريتون ولوي أراجون في عام 1919- كشفا النقاب عن هذه القصة في المكتبة الوطنية، دون هذا لن تعرفوا ذلك الأمر، بالتأكيد لم يكن يعرفه أحد، بما أن أحداً لم يقرأه وهذا ما يثير اهتمامي كثيرا. ما العلاقة بالنسبة لك بين فعل القراءة وفعل الكتابة؟ ذلك يصدر عن نفس الشيء؟ - القراءة في حالة تخريب مستمر، والكتابة هي الشيء نفسه. ها هو النص: حتي تعرف الكتابة، لابد أنك تعرف القراءة وحتي تعرف القراءة لابد أن تعرف الحياة! تستطيعين إذن أن تأخذي النص في كل الاتجاهات، إذا لم تعرفي القراءة لن يكون عناء الكتابة. كل الكتاب المسترعين للاهتمام قراء خارقون، أي أنهم يستدعون الماضي للحاضر ولذلك موجودون في المستقبل. لا أعرف أي ناشر قال لي " أقابل شعراء شباناً وعندما أسألهم ماذا قرأتم؟ يردون أوه، لا شيء!". وحتي أعرف القراءة لابد أن أعرف الحياة، ماذا تعني معرفة الحياة؟ إنها مسألة ستذهب بعيدا جدا. نعيش بطريقة أو بأخري بارتباك، نجهل الرضا عن الذات، غير مبالين بما يحدث بجوارنا، أي بالمذابح الخ. أن نعرف الحياة بالفعل هو أن نعرف القراءة، وذلك لن يعني أي شيء إذا لم نعرف القراءة. "مسافرون عبر الزمن" هم كتاب، موسيقيون، شعراء، ورسامون، يصاحبونك منذ فترة طويلة، مثل رامبو، ولوتريامون ونيتشة.. نجدك في حوار معهم متنقلا من كتب إلي كتب. تكتب في "مسافرون عبر الزمن" أنهم يسكنون زمن رباعي الأبعاد: الماضي، الحاضر، والمستقبل واًيضا زمن رابع يوجد بنفس القدر من البداية إلي النهاية، . أيمكنك أن توضحهم لنا؟ - القرن العشرون مع كل مغامراته بعيد عنا بالفعل، نحن دخلنا العصر الكوكبي ولم نعد في العصور الحديثة. ولذلك وضعت دانتي في مكانة سامية، حتي أوضح أن من الممكن وجوده هناك- فجأة في كنيسة القديس توما الإكويني - من هو القديس توما الإكويني؟ محصلة علم اللاهوت الجميع يهتم بها! إلا إنه لو تناولت الكوميديا الإلهية لدانتي، سوف يتضح لك ذلك.