شهدت منطقة العجمي تحولا كبيرا من بداية التسعينات وتغييرا في نمط السكن من الفيلا إلي العمارة. كانت الفيلا ترتبط في العجمي بالبحر والرمال وتتجلي في بعض القصور القليلة في منطقة بيانكي لكن الطابع العام للفيلات هو البساطة. العجمي إرث كبير عاطفي كمكان للحب والبحر والجمال والمغامرة لكن تحول الفيلا الي العمارة في العجمي أدي لتحول إلي السكن الوظيفي، من المكان المفتوح علي البحر إلي الشقق المغلقة. وأعتقد أن تجربة العجمي هي ما أدت إلي فكرة الساحل الشمالي والقري المغلقة علي أصحابها. عندما بدأ دخول العمارات وتقارب طبقات أخري إلي الطبقة الغنية ومجاورتها في أماكن السكن تعلمت الطبقات الغنية الدرس وقررت عندما تتخذ مكانا للمصيف أن تحرسه بأبواب وأسوار لا تترك مساحات بجوارها تسمح بتواجد العمارات وساكنيها. العجمي أصلا كان اختيارا عمرانيا نتيجة الضرورة وليس التوسع الحر. عندما أُنشئ الكورنيش في 1934 بني الأجانب والطبقات الغنية الفيلات وبيوتهم السكنية، كانت مشكلة التجار الأجانب والأغنياء في عبور منطقة الميناء الغربي لازدحام الطرق وقتها وسكن العمال والموظفين في غرب الإسكندرية ما أدي لارتباطهم أكثر بشرق المدينة والكورنيش وبالتالي لم تهتم البلدية والحكومة بتطوير وتعمير غرب الاسكندرية وأصبح العجمي مكانا معزولا في أقصي الغرب لقضاء شهور الصيف فقط وبالتالي كان أشبه بمنتجع بعيد وقليل الخدمات. هل كانت تعتبره الطبقة الغنية نوعا من تغيير نمط الحياة؟ سور الفلل في العجمي من الحجر الجيري الأبيض في تنسيق يبدو عشوائيا، وفي قصص وروايات إدوار الخراط دائما ما كان يتغني بالأسقف القرميدية الحمراء التي تميز بيوت الأغنياء في وسط المدينة ومحرم بك. الأثاث من البامبو يجعلك تشعر بخفة المكان وبساطته مقابل الأثاث الثقيل في البيوت العادية. وحديقة صغيرة ... هل كانت علي نمط الحدائق الإنجليزية التي نصح بها روسو؟ الفيلا في العجمي كانت مرتبطة بالمكان الطبيعي البحر والرمال والشمس أكثر من ارتباطها بمكان في حي متميز وكانت للترويح عن النفس أكثر من كونها سكنا دائما. العمارات التي بنيت لم تكن في صراع مع مكان قديم وراسخ ولكنها كانت في صراع مع مكان هش وقوته كانت في خفته وهشاشته؛ فكان من العادي والبسيط أن تترك المكان للقادم الجديد دون أي صراع. في كل الحملات التي تستهدف التنديد بهدم الفيلات في الإسكندرية قلما تجد فيلا منها في العجمي؛ بالرغم من جمال بعضها أو من قدمه لكنه ليس المهم، لأن الفيلات الأهم في وسط البلد ذات القرميد الأحمر، وهذه الرومانسية قد لا يلتفت لها صاحب فيلا العجمي لأنه تعلم الدرس كما قلت وذهب إلي الساحل الشمالي ليقضي وقته وأجازته وليواجه العجمي مشاكله بعيدا عنه. سكن أبناء الطبقات الوسطي والفقيرة في العجمي لرخص أسعار الأراضي والشقق وتحملوا تعب المواصلات وانعزال المكان مقابل استطاعتهم توفير شقة بسعر مناسب لإمكانياتهم وبالتاكيد لم يهتموا بكون المكان نفسه لم يتم تخطيطه لاستقبال كل هذه الأعداد، لا تخطيط ولا خدمات ! عندما تزور العجمي الآن يبدو الأمر وكأنك تعيش في عالمين، البحر والفيلات المتبقية لا تصارع ولكن تتقبل بنوع من التعالي وجود عمارت قبيحة بجوارها، والجزء السكني بمشاكله الكبيرة. لا أعرف لماذا ما زالت هناك بعض الفيلات في العجمي الآن والتي كانت تحمل قدرا من الغموض والحب والخوف أيضا؛ تأتَّي من وجودها بجوار مكان طبيعي ضخم كالبحر، وتستطيع أن تتذكر مشاهد لأفلام كثيرة في الثمانينات تشير إلي ذلك الغموض في المكان البعيد. الرهبة والغموض يتحولان إلي وضوح شديد، ومكان صعب للعيش فيه في عمارات ومساكن بنتها الدولة نفسها قبل أن تُصلح المكان للعيش فيه.