كأنكِ الأرضُ التي يسيرُ فوقها الحمامْ كأنكٍ الظلامْ كأنكِ الرياحُ تمشي وحدها من الوراءِ هكذا إلي الأمامْ كأنكِ استضافتي للّيلِ و النجومِ والملائكةْ كأنكِ الملائكةْ رأيتُ فوق فمكِ المفتوحِ نجمتينْ رأيتُ غيمةً تحطُّ فوق سقفها المبلولِ غيمةٌ رأيتُ شجرَ الزيتونِ نائماً وراء السورِ مثل القمرِ القديمْ رأيتُ كيف خلفه يطلُّ سورٌ آخرٌ وكيف خلفه يطلُّ صفٌّ آخرٌ من شجرِ الزيتونِ مثل القمرِ القديمْ وخلف كل هذه الأشجارِ والأسوارِ خلف كل هذه العيونِ والجفونْ رأيتُ قُبلتينْ فلم أزل أجسُّ أعضائي أضمّها حتي اكتشفتُ أنَّ لي فماً ولي يدينْ ولم أزل أجسُّ عزلتي أضمّها حتي اكتشفتُ أنني لابّد أن أغادرَ الكوخَ الذي أسكنه وأدخلَ البستانْ وأنني لابَّد أن تقودني إليه نجمتانْ لكنني رأيتُ حارسينْ حارساً يراقبُ الطريقَ نحو فتحةِ البهوِ كأنه مَلَكْ وحارساً يراقبُ الأبراجَ والأحراجَ والأفلاك وعندما يمرُّ من ورائه ومن أمامه أطفالُ برج الدلو وعندما يمرُّ برجُ الدلوِ في بنطالهِ الطويلِ والواسعِ مثل خفِّه ومثل مقلتيهْ وعندما يقفْ أكادُ أمسكُ السماءُ من ذراعها أكادُ أُلقيها علي رؤوسِ البدوِ والأشباحِ والمعمّرين والمعّمراتِ والجنودْ أكادُ أسمعُ الصوتَ الذي يخرجُ من صدري ولا يعودْ أكادُ أعطيهِ استغاثتي فلا يردُّها إليّْ أكادُ أستبقيهِ قبل أن يغادرَ الحدودْ لكنه النشوانُ هكذا النشوانُ هكذا النشوانُ مثل النايْ أراه يستخفُّ بي ولا يكفُّ عن مسعاه خلف خطوتي وخلف التيهِ لا يكفُّ عن مسعاه خلف من أهوي كأنه مأواي أو مهواي أو مثوايْ فإن تبعتُه إن تهتُ أو تغيّرتْ جهاتُ الأرضِ حولي أو تغيّرتْ ملامحي رأيتُه كالطيفِ لايزال يستخفُّ بي كأنه الآمرُ والمأمورُ أو كأنه مولايْ حتي إذا استغنيتُ عن قرابتي له حسبتُه دمي العطشانَ أو حسبتُه فمي وقبل أن يخفَّ أو يلتفَّ أو يصادفَ الفعل الذي يليهْ رأيتُه يفرُّ من أسلافهِ وعند أوّل ابتسامةٍ يضلّ كالإلهِ الشابِّ ثم يستميلُ أو يميلُ هكذا وبعدما يميلُ مثلما يميلُ برجُ الدلو جهةَ اليمينْ أكاد أرتوي وأشرب الماء الذي يكون كلهُّ من أوّل الحنيِنِ حتي آخر الحنينْ وبعدما يميل مثل برج الدلو جهةَ الشمالْ أكاد مثل ذكَرِ الغزالِ أشربُ الشمس التي تدور فوق راحتي وأرتوي من نورِها الزلالِ أرتوي من نورِها الذي يصيرُ بعد أن يفورَ رغوةَ السنينْ وقبلُ أن أغمغمَ الأشواقَ كلّها وقبل أن أكون مثلما أنا العاشقَ والمحمومَ قبل أن أعودَ كالجنينِ في الرحمْ وقبل أن أقوي علي سعادتي وقبل أن أهمَّ، قبل أن بها أهمَّ قبل أن أخلعَ جلبابي، وأستقيمَ مثل عابرٍ يلمُّ جسمه إليه ثمَّ يلتئمْ وربما يلمُّ جسمه إليه ثم يستحمّْ وقبل أن أشمَّ ماءَ بئرها السوداءِ قبل أن أغرق في رائحة الرمّانِ والليمونِ والبرقوقِ قبل أن ترسو طيوريَ البيضاءُ قرب ساحلي وقرب حافّةِ الأعشابِ قبل أن أقلّدَ الإوزّ قبل أن أرفعَ ياقتي إلي الوراءِ كي أمدّ عنقي أدسُّ ركبتيَّ فوق الريح كي ألتفَّ بالهواءِ بعدها أراقبُ السماءَ هكذا، أراقب السماءَ ربما إذا اضطربتُ ، ربما إذا حبيبتي تلكأتْ يسقطُ منها الغيمُ كلُّ الغيمْ فأنحني، أريد أن أشمَّ ما أري أكادُ أنحني أريدُ أن أشمَّ ما أري أكادُ لو أشدُّ قامتي كأنني أكادُ لو أطيلُها و أنحني أريدُ أن أشمَّ ما أري لكن هذه الظنونَ والرؤي ستستمرُّ في عليائها وتبلغُ الأعماقَ في قلبي وتبلغ الشقوقَ تبلغ المحلّة التي مكانها بعد الندي المحلّة التي مكانها بعد الرذاذِ و الندي، و بعد آخرِالشقوقْ حتي إذا سُوئلتُ مَن ملاكتي البيضاءُ يوم أن حلمُت أنني قامت قيامتي حتي إذا سوئلتُ مَن مساعداتُها وخادماتها عمّن تكون هذه التي فستانها لمّا إذا تخلعُه يصبحُ مثل اليختِ قرب ساعةِ الغروبْ أصمتُ لا أجيبْ عمّن تكون هذه التي أطرافها لمّا إذا تنقلها ترجُّ منزلي وغرفتي وكتبي ترجُّ عودة الشيخ إلي ترجُّ ألف ليلةٍ وليلةٍ فأنتهي إلي سعيي مع الحّمالِ في شارعه المأهولِ بالبناتِ و الغلامّياتِ أنتهي إلي سعيي مع الحّمالِ في اتجاه أن يكون مثل عاشقٍ معلّقٍ علي صليبْ أصمتُ لا أجيبْ عمّن تكون هذه التي تنامُ في أحضانها فراشةٌ لها جناحانِ يرفرفان ثم يسكنانِ ثم يُشبهان بعضَ ذاك النورِ والريحانِ ثم يُشبهان كلَّ ذاك النورِ والريحانِ ثم يشبهانني عمَّن تكون هذه التي ينهض في أحضانها النسيانْ صمتُّ حتي قيل لي : هل تذكر النومَ علي ثديين رابضين قرب حافّةِ الحجابِ قلت : لا فصارت السماءُ تحت غيمتي فقيل لي: هل تذكر الصاحبةَ التي حروفُ جسمِها الخمسةُ ليس يهتدي إلي مكانها الصاحبُ قبل أن يلتفَّ بالعذابِ فاهتديتُ ثم قلت : لا وخفتُ ثم هئتُ واضطجعتُ كنتُ لا أودُّ أن أقولَ في نفسي الذي أودُّ أن أقولْ: هذه هي الحروفُ ، خمسةٌ ، وتلك النقطُ الثمانِي تستريحُ حول قوس جسمها ويستريح حولها اسمُها ويدخلان في جوامع اللذة، يخرجان من جوامع الرضا ويعرفان أنها الحوريةُ الكثيفة الحرارة التي اسمُها الحلوةُ والتي اسمها البيضاء، كان حرفها الأوّلُ مثل الشمس ،شد شارتي، وشمَّها، وشاء أن يشمّني، وشاء أن يشملني، فشقَّ شهوتي شقين، كان الشجر الشرقيّ في شقٍّ، وكانت الشعوبُ، كانت الشعابُ، كان شيخ الوقت، كانت الشفاه مثل شرفتين، الشفتان تشربان شفةً، وها هناك الشفتان تشربان شفةً، وكانت الشمس التي تشعُّ مثل شابّةٍ شاردةٍ، شديدة الشحوب، في شهيقها شجاعتان أو شرارتان، شاهدٌ عليهما شرارتي التي تشدني إلي شتاءٍ شاملٍ وشمعداناتٍ وشدقٍ شاغرٍ وهذه الشَّعيرةِ التي يشتد فيها الشئُ، شيئي، كي يشجَّ الشئَ، شيئها الآخر، ثم يصبح الشيئان شلّالين، ثم يصبح الشَّعر الذي حولهما شقائق النعمانِ حرفها الثالث، راقني وراغ من روحي، ورفرفت رهبته في رهبتي، ورقَّ حتي ردَّني إليه، رقّ حتي أن ربة الرياح راقبت رفيقها، وراقبت ربابة الراعي، فإن رنا رنت، وإن رغت رغا، وبعد أن راجعت الرواة والرجال الراحلين، بعد ردهتين، راقصت رعاتها ورنّمت ورنّمت ورنّموا جميعهم ،ورمتِ الرداءَ تحت رجلها، ورهرهت بريقِها، ورنّحت برأسها، وراودت رعيتي، وراودت رواة الرمح من رعيتي، وكان رهزها يربو علي رعبي، فراودتني حرفها الأخيرُ مثل النَّمِرِ الذي ناباه ناتئان نحو نحرها، ونحو نهديها النحاسيين، حرفها الأخير نالني، ونام في نوافذي، ونام قرب نورسين ناسيين أنه النهار و الندي، ونام قرب ناقوسي وناموسي، ونام قرب نرجسيتي، وناب عني عندما نُهيت عن نكران نعمتي، وناب عن نهايتي، ونمَّ عني بالنمائم التي نمّت بها النساء في نهوضهن أو نزولهن، نافس النسّاك والنبيين، ونافس النخيل والنرجس، نافس النيازك التي نادي عليها النور والنواتيّون قبل أن ينام حارس البستانْ قيل لي : والآخرانِ ، قلت : من ، فأردفوا: الحرفانِ، قلت هاهما، هما اليمامتان، هاهما هما اليدان واليمامتان، هاهما هما اليدان واليختان و اليمامتانِ وانسحبتُ من جنائن الحروفِ كلِّها انسحبتُ من جنائن الله انسحبتُ من نفسي طويتها وقبل أن ألتفَّ في عباءة الأيّامِ قبل أن أغفو و أن أنامَ كنت قد رأيتُ أن ألفَّ جسمي بالحروف الخمسة البيضاء كلِّها حتي إذا بلغتُ هذه البئرَ التي يقالُ عنها النون قلت للمحبوب: كنْ فلم يكن، وقال: لن أكونَ فابتدأتُ رحلتي الثانيةَ اتّخذتُ رايةً تدلّ أنني أنا الذي رأيتُ وانسللتُ مثل عاطلٍ عن البلوغِ عاطلٍ عن الفطامِ صرتُ أستوي علي فضاءٍ واسعٍ يكاد آخر الكلام فيه يشرئبُّ يشرئبُّ يستحيلُ أول الكلامْ كأنكِ الأرضُ التي يسيرُ فوقها الحمامْ كأنكِ الظلامْ للقصيدة قراءتان: الأولي للخاصّة, شيرين وصواحبها, لما فيها من كلمات السر، وهي القراءة الكاملة للقصيدة والثانية لغير الخاصّة ، وأعترف أنني أميل إليها أكثر، وتكون هكذا: أن تحذف الجزء الذي يبتدئ من "كنت لا أود أن أقول في نفسي" وينتهي عند "اليدان واليختان واليمامتان" .