صبحى فحماوى يقول قدماء العرب: الراوية هو الجمل، لأنه يحمل الماء للري وأما راوية الشعر ، فهو يروي الناس بالشعر: »هات ارونا شعراً وزعموا أنهم اشتقوا الرواية للشعر من ذلك، حسب رأي الجاحظ في كتابه البخلاء. وفي لسان العرب، روي تأتي في باب جريان الماء، والرواية تشبه جريان الماء في النهر، هادئة في الأرض المنبسطة، وعنيفة في المنحدرات، رواية بلا ضفاف، تعج بالأسماك، ومختلف الكائنات المائية...ومن فعل روي يأتي التروِّي والتمهل في التفكير والمتابعة. والقاص من قَصّ يقصُّ، وهو من يقتفي أثراً لكائن أو شخصية ما، لها معالم في المكان، ويتتبع أثرها، وكل ما يجسدها علي أرض الواقع، أو في المخيلة. ونقول »رجل راوية« فهو العليم بمجريات الأحداث المتعلقة بالرواية، وهو مخيلة الروائي، ذلك لأن المؤلف لا يستطيع أن يقنعنا بأنه كان يشاهد بنفسه كل تلك الأحداث التي تتم في الرواية داخل الغرف، وفي العتمة وخلف القضبان وفي الجو والبحر والبر، والذي يستطيع أن يدخل داخل نفسيات شخصية الرواية، ويسبر أغوارها.. وهنا يأتي ما يسمي بالراوي، أو السارد والذي هو مخفي، وهو عليم بكل مافي الرواية من تفاصيل دقيقة... وكما قال د. يوسف بكار: إن »السرد« في مفهوم بلاد الشام مرتبط بالتضخيم والتخيل، إذ يقولون لمن يدير حديثه في ديوان السهرة:أيوه! اسرد، اسرد، كما تشاء.. فالسرد مرتبط بالخيال، وربما بالكذب، ولا يسجل الحقيقة كما هي. وفي بدايات القرن العشرين كان يقال للمسرحية رواية فكنا نقرأ (روايات شكسبير)، وبعد أن ضعف جمهور الشعر بسبب الحداثة المفرطة، والمسرح أبو الفنون، الذي وصلنا ضعيفاً بسبب سيطرة التلفزيون، نزل الشعر والمسرح من عليائهما، وتفوقت عليهما القصة الطويلة التي ورثت اسم (الرواية) فيما بعد »زينب« لمحمد حسين هيكل، التي كان اسمها قصة، حيث كتب في مقدمتها: نشرت هذه القصة... ولكن الرواية أصبحت أكثر حضوراً بين أيدي القراء، الباحثين عن الفردية والانعزالية في عصر العولمة، وقراءة الرواية سلوك فردي، يتماشي مع معطيات العصر، حيث السيارة المفردة بدل القطار الجمعي، والهاتف المحمول، المفرد، بدل الحوار المباشر مع الناس، والرواية المفردة بيد القارئ المفرد، بدل جمهور المسرح. ولهذا انتشرت الرواية وتفوقت علي إخوتها من سائر الفنون. والرواية ليست مأخوذة عن الغرب كما يدعي الكثيرون، بل إن الغرب هو الذي استفاد من التجربة العربية في الرواية أساساً من »ألف ليلة وليلة« بصفتها الرواية الأم، كما جاء في كتاب ماهر البطوطي ألف ليلة وليلة، الرواية الأمس وما كتبه الجاحظ وأبو فرج الأصفهاني، وعبد الله بن المقفع، وغيرهم ممن تاهت كتبهم تحت سنابك خيول الغزاة الحاقدين علي ثقافتنا العربية العريقة! وننقل هنا مما قاله الأديب الروائي الشاعر الألماني، جونتر جراس، أثناء زيارته لليمن عام ألفين وأربعة، حسب ما نقلته جريدتنا »أخبار الأدب«: لكم أتمني كتابة رواية أخري بنفس الطريقة التي نسميها شرقية، وأدركناها أول مرة عندما ظهرت تأثيرات الفنون- الأرابسك- في أوربا، حيث يجسد بطل الرواية خصائصها. في هذه »الرواية الأولي« أري صوراً معينة دخل فيها الشعر إلي الرواية، بدون أن يقطع السرد النثري، إنه لحن مختلف... لاحظ عبارته »الرواية الأولي« وهي اعتراف ألماني بأن أصل الرواية عربي، تأثرت به الرواية الغربية، وتلاقح معها ما يأتي من الشرق والغرب.. صحيح أننا تعلمنا من الرواية الغربية التي تخلصت من العصور الوسطي، وتفوقت علينا، بينما تأخرنا بظلمهم، لنعيش ظلامهم السابق.