احتضنت دار الكتب والوثائق القومية بباب الخلق ندوة حول رحلة العائلة المقدسة إلي مصر تحدث فيها الأنبا بطرس بسطروس وكيل مطرانية دمياط وكفر الشيخ والدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر وقدمها الدكتور خالد فهمي رئيس دار الكتب والوثائق القومية في احتفالية علمية بالدار العريقة. استهل د.خالد فهمي الندوة بالقول:إنه لتأكيد وحدة نسيج الأمة لم يجد أفضل من الاحتماء بجانب الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه في الذكري السنوية المتجددة للرحلة التي سلكتها العائلة المقدسة والتي أسهمت في تدعيم الخصائص المعروفة عن مصر وشعبها العظيم عبر التاريخ المديد. وأكد أن الرحلة كانت علي مدي التاريخ دليلا علي ماتتمتع به مصر من أمن وسلام ووحدة ,كما أن الرحلة سجلت وضع مصر ومكانتها وتعاطف شعبها مع المستضعفين طوال تاريخه وهو ما يفسر التلاحم الدائم بين أبنائها علي اختلاف مللهم ومعتقداتهم . وأضاف :إن الرحلة المقدسة جاءت تأكيدا علي قدرة هذا الشعب علي التعافي والوحدة والتغلب علي الصعاب مشيرا إلي أن المصريين جميعا يؤمنون بسيدنا عيسي عليه السلام وبطهارة أمه السيدة العذراء التي كانت وستظل رمزا للطهارة والكمال ,وقد صح هذا المعني في الحديث النبوي الشريف ,وبقيت السيدة مريم رمزا للأمومة لدي المصريات,وآمنت مصر بهذين الرمزين الكريمين عيسي وأمه عليهما السلام . وأشار إلي المعاملة الحسنة التي تلقاها مهاجرو المسلمين الأوائل من ملك الحبشة المسيحي وقتها وكذلك المعاملة الكريمة التي أبداها الفاتح العظيم لمصر عمرو بن العاص نحو الأنبا بنيامين الذي كانت سلطات الرومان المستبدة تطارده فأكرمه وأعاده معززا مكرما بين الشعب . التدبير الإلهي وأوضح الأنبا بطرس بسطروس أن رحلة العائلة المقدسة إلي مصر من أهم الأحداث التي جرت علي أرضها عبر تاريخها الطويل مؤكدا أن مصر كانت بلد الأمان للسيد المسيح وأمه العذراء ولم تكن رحلتهم إلي مصر صدفة أو عشوائية بل كانت تدبيرا إلهيا لأن الأمر لم يكن هروبا من الملك الشرير بل كان هناك قصد وبركة كبيرة يريد الله أن يبارك مصر وشعبها لذلك جاءت العبارة مبارك شعبي مصر ولو كانت الرحلة لمجرد الهروب فقط لعاشوا في أول مدينة دخلوها لكننانعلم أن الرحلة المقدسة شملت بلادا عديدة وربما شملت مصر كلها . وتساءل : هل كانت مصر أقرب إلي فلسطين من سوريا ولبنان ؟ مؤكدا أنه برغم أن مصر لم تكن الأقرب إلا أن الرحلة كانت إليها واكتنفتها المتاعب والآلام ولكن يبقي القصد الإلهي أن الأمان في مصر . وأضاف إن مصر كانت تحتضن القادمين للاستغاثة بها وكانت كلما حلت مجاعة في مكان جاء أهله إلي مصر كما حدث في قصة سيدنا يوسف وأهله عندما قدموا إلي مصر والقصة أوردها القرآن الكريم والإنجيل الأمر الذي يؤكد أن مصر هي جنة الله في أرضه ومن أوصافها أيضا أنها كنانة الله في أرضه وأهلها في رباط وقد كرمها بزيارة الأنبياء وعلي أرضها كلم الله موسي عليه السلام وقيل عن موسي النبي أنه تهذب بكل حكمة المصريين ولأنها بلد الأمن والأمان نتذكر ماورد في القرآن الكريم في سورة يوسف ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين قلوب المصريين وتابع :إن مجيء العائلة المقدسة إلي مصر بسبب الأمن والتدبير الإلهي قابله شعور عاطفي في قلوب المصريين التي اتسعت لمحبة وتكريم العائلة المقدسة وهذا الشعب يعبد الله حق عبادته وكانت العائلة المقدسة كلما دخلت بلدا تساقطت الأوثان فيه فيقوم أهل البلد بطرد العائلة المقدسة ونزلت العائلة المقدسة إلي الفرما والعريش وبسطا التي كانت مليئة بالأصنام فسقطت فأساء أهلها إلي العائلة المقدسة فارتحلت إلي مسطرد ثم إلي الشرقية وسمنود بالغربية ومنها إلي مدينة سخا بكفر الشيخ وفيها أثر ليومنا هذا لقدم السيد المسيح ومن مدينة سخا ربما عاشوا في بلاد كثيرة في الغربية وكفر الشيخ والبرلس ثم عبروا النيل إلي فرع رشيد ووادي النطرون الذي يضم أبنية تنتمي إلي القرن الرابع ثم وصلوا القاهرة ومنطقة المطرية وعين شمس ثم مصر القديمة وهي من أهم المحطات التي أقامت بها العائلة المقدسة ثم اتجهوا إلي الصعيد عبر النيل وهناك زاروا دير الجاموس والبهنسة وجبل الطيرفي سمالوط وملوي وهناك أثر كف علي حجر يقال إن حجرا كبيرا كاد يسقط علي العائلة لكن يد الطفل السيد المسيح منعت الحجر من السقوط . وفي أسيوط عاشت العائلة في دير المحرق وسط مصر وكذلك جبل درنكة بأسيوط وهكذا انتهت الرحلة التي استمرت ثلاث سنوات ونصف سنة ذهابا وإيابا قطعوا خلالها ألفي كيلو متر وكانت وسيلة المواصلات في ذاك الوقت هي المراكب والدواب . الإيمان و خطط الشيطان وقال الأنبا بطرس : لي ملاحظتان حيث أن الجانب الروحي فيه نقطتان تمثلتا في الإيمان إذ قدمت الرحلة نموذجا للإيمان الحقيقي وطاعة الله تبارك اسمه فيوسف النجار والسيدة العذراء كانا يعلمان الميلاد المعجز للسيد المسيح وكانا علي علم بأن قدرة الله وإعجازه فيهما حماية للسيد المسيح لكن عندما يري يوسف النجار في المنام أن الملاك يطلب منه الهروب حفاظا علي حياة المسيح فإنه يذهب إلي السيدة مريم ويخبرها بالهجرة وتستجيب برغم أنه يمكنها القول أن المسيح محفوظ في حماية الله وكانوا يعرفون أن المسيح صاحب رسالة لابد أن يكملها ولن يموت طفلا لكنهم قبلوا الهروب والهجرة طاعة لله . وأضاف أنه ليس الإيمان فقط ولكن معه أيضا حكمة الهروب من الشر فالعائلة المقدسة قدمت درسا للبشرية كلها في حكمة الهروب من الشر لأن الذكي يبصر الشر فيتواري لأن النار لاتطفئ النار . وعلي ذلك تكون الرحلة المقدسة قدمت منهجا روحيا يقول أن من يهرب من الشر ينتصر عليه أي أن الانتصار علي الشيطان والخطيئة يكون بالهروب منهما .وطالب الأنبا بطرس الشعب المصري بالهروب من الشر لإفساد خطط الشيطان مؤكدا أن هذا فيه قوة تضبط سلوك الإنسان وتصرفاته فالمعتدي هو الضعيف أما القوي فهو الذي يضبط نفسه لذلك قدمت العائلة المقدسة خبرة أن الهروب من الشر يفسد خطط الشيطان . الملاحظة الثانية للأنبا بطرس هي انه يقترح توظيف رحلة العائلة المقدسة سياحيا لأن هذا الأمر سيحقق نقلة اقتصادية كبري حيث يمكن ان يزور مصر نحو ثلاثين مليون سائح سنويا وتنمية 22مدينة ومن شمال سيناء إلي أسيوط مسافة كبيرة تمثل محطات الزيارة وكل مكان زارته العائلة المقدسة أصبح مزارا . وطالب باستثمار هذه الإمكانيات لتكون قبلة لملياري مسيحي في العالم فهي لاتقل أهمية عن كنيسة المهد في الأراضي المحتلة والمسيحيون لايزورونها الآن لأنها تحت الاحتلال . وأشار إلي أن بلادا مثل تركيا وفرنسا تستثمر في مثل هذه المشروعات ويزورها الملايين من السياح . وختم الأنبا بطرس حديثه باقتراح أن يكون الأول من يونيو عيدا وطنيا لمصر تهتم فيه بالسياحة . إضافة للحضارة المصرية وقال الدكتور محمود عزب : إن استقبال مصر للعائلة المقدسة شرف كبير، يجب أن نفخر به في حضارتنا المصرية، لأن ذلك تفرُد لمصر من بين بلاد العالم كله.وطالب باستغلال تلك الرحلة المهمة في تنشيط السياحة. وأعلن أنه يتفق تماما مع اقتراح الأنبا بطرس لجعل يوم دخول العائلة المقدسة لمصر عيداً قومياً لمصر، لأن النبي عيسي عليه السلام، والسيدة مريم في قلب الإسلام. وأضاف أن بعض شباب المسلمين يهتمون بشكل ما بالدين الإسلامي، ولا يهتمون بالحضارة الإسلامية، ونجد أن كلمتي الحضارة والوطن، غائبتان في ربع القرن الأخير، فظن الكثيرون أن الدين يحل مكان الحضارة والوطن، ومن يظن ذلك فهو لا يعرف وطنه، ولا دينه، .وأكد أنه خطأ كبير عندما نجد في مصر ثقافات لا تعرف حقيقة الدين، ولا حقيقة الله، فذلك بدوره يؤدي لتراجع مصر عن دورها الريادي في المنطقة، موضحاً أن هناك دينا إسلاميا واحدا، ودينا مسيحيا واحدا، لكن هناك ثقافات إسلامية متعددة، وثقافات مسيحية متعددة، ومن يتصور أن هناك ثقافة واحدة للدين، فهو لا يعرف الدين.