جامعة القاهرة الدولية تطلق الموسم الأول لمسابقة اكتشاف المواهب الفنية والرياضية    مدير مرصد الأزهر: نهتم بكل ما يشغل أذهان الشباب من أفكار وقضايا    أمين «البحوث الإسلامية»: معركتنا الآن إنتاج أسرة قادرة على النهوض بالمجتمع    صفحات غش تتداول أسئلة الامتحان الإلكتروني للصف الأول الثانوي    سها جندي: نحرص على تعزيز الانتماء في نفوس أبناء الوطن بالخارج    وزير التعليم العالي يبحث مع وفد جامعة الشارقة آليات التعاون المشترك    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 8-5-2024.. عيار 21 بكام؟    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم في سوق الجملة ب6 أكتوبر    «الإسكان»: بدء إجراء القرعة العلنية على وحدات المدن الجديدة 15 مايو    محافظ كفر الشيخ يتابع تقديم طلبات التصالح بالمركز التكنولوجي بقلين عبر منظومة الكاميرات الذكية    1.2 مليار جنيه رؤوس أموال شركات تحت الفحص للقيد بسوق البورصة الرئيسي    متابعة موقف تنفيذ وحدات «سكن لكل المصريين» بمدن القاهرة الجديدة والعاشر    شركة سيارات كهربائية أمريكية تعلن إفلاسها    برلماني: تحذيرات مصر من التصعيد في رفح الفلسطينية يعكس جهودها لإقرار الهدنة    عضو ب«الشيوخ»: العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية تهدد بكارثة جديدة    اغتيال رجل أعمال إسرائيلي في الإسكندرية.. وأول رد فعل من إسرائيل    هجوم روسي يتسبب في أضرار جسيمة لمحطات كهرباء بأوكرانيا    زعيم كوريا الشمالية يرسل رسالة تهنئة إلى بوتين    "تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل".. بين العدوان المباشر والتهديد الغير مباشر    الشريعي: لائحة الرابطة كلها بنود مطاطية.. وإنبي الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية    رمضان السيد: كريم فؤاد لاعب مؤثر.. والأهلي قادر على هزيمة الترجي    شوبير يوجه الشكر لوزير الشباب والرياضة لهذا السبب| تفاصيل    "لم يسبق التعامل بها".. بيان من نادي الكرخ بشأن عقوبة صالح جمعة    تعرف على قيمة المكافآة الخاصة للاعبي الزمالك من أجل التتويج بكأس الكونفدرالية (خاص)    موعد انتهاء الموجة الحارة.. ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة يبدأ من اليوم    «التعليم»: أوراق أسئلة امتحانات النقل مؤمنة داخل غرفة مغلقة بالحديد    إصابة 4 أشخاص إثر تصادم ميكروباص وموتوسيكل في الشرقية    بعد إخلاء سبيله.. مجدي شطة تتصدر التريند    حادث تصادم في بلقاس يصيب 5 أشخاص    علاء مبارك يهاجم مؤسسي "تكوين": إزاة البيرة المشبرة دي بتاعت مين يا عفاريت    أسرار في حياة أحمد مظهر.. «دحيح» المدرسة من الفروسية إلى عرش السينما    فيلم يُغضب أبناء ياسمين عبدالعزيز.. «مبيبحوش يتفرجوا عليه أبدا»    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    لبلبة و سلمي الشماع أبرز الحضور في ختام مهرجان بردية للسينما    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الصدر خلال 3 أشهر    هيئة الدواء تقدم 12 نصيحة لمرضى الربو    متى عيد الاضحى 2024 العد التنازلي.. وحكم الوقوف على جبل عرفة    تتخلص من ابنها في نهر مليء بالتماسيح.. اعرف التفاصيل    ضبط 20 قطعة سلاح بحوزة ميكانيكي في قنا    برج العذراء اليوم الأربعاء.. ماذا يخبئ شهر مايو لملك الأبراج الترابية 2024؟    أسعار الذهب تشهد ارتفاع طفيف وسط عدم اليقين بشأن مسار الفائدة الأمريكية    "المحظورات في الحج".. دليل لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 2024    إعلام فلسطيني: خروج مستشفى أبو يوسف النجار من الخدمة بعد هجوم الاحتلال على رفح الفلسطينية    وكيل «أوقاف الإسكندرية» يشدد على الأئمة بعدم الدعوة لجمع التبرعات تحت أي مسمى    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    هل أدوية العلاج النفسي آمنة وفعالة؟.. الأمانة العامة للصحة النفسية تُجيب    انطلاق القافلة الطبية المجانية بمنطقة وادي ماجد بمرسى مطروح.. لمدة يومين    يوم مفتوح بثقافة حاجر العديسات بالأقصر    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    المتحدث الرسمي للزمالك: مفأجات كارثية في ملف بوطيب.. ونستعد بقوة لنهضة بركان    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات ثورية
في البدء.. كان الكتاب
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 01 - 2013

الثقافة بالدرجة الأولي.. كتاب، فالكتاب حامل الثقافة وناقلها وناشرها، وهو الفيصل في تكوين القناعات والأفكار والمفاهيم، وهو لقاء بين العقول وإن تباعدت بينها الأسباب والصلات والمسافات، وهو الحوار بين الأفكار والمذاهب والأيديولوجيات والعقائد والقيم، وهو وعاء التاريخ والخبرة، ومتن المعرفة، وتوأم الحضارة، ومؤشر التقدم، وجوهر الرقي، وبيت العلم.. إلي آخر ما يمكن ان يترادف علي هذا النحو من معاني التطور والأخذ بأسباب التمدين والتحديث في شتي الميادين، وكافة المجالات.
والكتاب، في لحفظتنا الحضارية الراهنة التي نطمح فيها إلي لم الشمل وتوحيد الكلمة وجمع الرأي - كعرب - هو فيصلنا المرتجي في تحقيق ذلك. أو تحقيق الحد الأدني منه، وهو المنوط به لعب هذا الدور التاريخي بين أبناء الأمة العربية الواحدة التي تتكلم لغة واحدة.
واذا كانت هذه حقيقة من حقائق عصرنا الحديث، ملزمة للبشر كافة، فهي لنا نحن أبناء العربية ألزم، وكيف لا، وهذه الأمة لم تصر (أمة) أصلا إلا في ظل كتاب كريم كان معجزتها وكان ناظمها في عقد فريد متناغم الحبات.
والكتاب العربي اليوم، في شتي المجالات المعرفية، بما هو تاريخه المشار إليه وبما هو حاضره، المأمول، يرتهن به حل الكثير من اشكاليات واقعنا العربي الراهن، بما يوفره من تلاقح للأفكار، وانتقال للخبرة من بلد عربي حقق درجة من التقدم في مجال أو أكثر - مثلا - لبلد عربي آخر أقل تقدما في هذا المجال.. لأنه يلعب في تحقيق ذلك دور السفير الدائم فوق العادة بين البلدان العربية، وان كان بلا حقيبة دبلوماسية، ولأنه أيضاً بمثابة جامعة مفتوحة ومتنقلة أبدا، لا شأن له بالحدود السياسية، ولا الموانع الجغرافية.
ولكن هذه المواصفات المنطقية لدور الكتاب العربي اليوم، هل هي امكانية مفترضة (بالقوة) فحسب، ام إمكانية موجودة (بالفعل) اذا استعرنا لغة الفلاسفة حول الوجود بالقوة والوجود بالفعل؟
الحقيقة، أن هذه الصورة الوردية التي رسمناها للكتاب العربي لا تتحقق في واقعنا العربي حتي الآن، لأسباب عديدة هي في مجملها نفس الاسباب التي تشكل المأزق الثقافي العربي الراهن.
ولا نريد - في هذا السياق - أن نكرر الحديث عن أزمة الثقافة العربية وملامحها التمثلة بالاساس في نسبة الأمة العالية والغالبة بين أبناء الأمة العربية، وفي تخلف نظم التربية والتعليم التي تأخذ بها معظم البلاد العربية، والتي تقوم في جوهرها علي التلقين والحفظ و(الصم) والتكرار والترديد، لا علي التمحيص والابتكار والموازنات والتجريب والنقد، مع ما يقود إليه المنهج الأول من صنع عقلية اتباعية ببغاوية، علي حساب ما يعد به المنهج الثاني من ابتعاث عقلية نقدية إبداعية مبتكرة.
وفي هذا السياق، الخاص بالتربية والتعليم، يجب ان نشير إلي أن نظمنا التعليمية وأساليبنا التربوية لا تكرس لعادة القراءة لدي النشء منذ الصغر، فالكتاب في المدرسة والجامعة (واجب) ثقيل، وسبيل - لابد منه - للحصول علي الاجازة العلمية التي تفتح الطريق للعمل والحياة ، والعلاقة بين النشء وبين الكتاب علاقة عدائية في الغالب تقوم علي عدم الود لا علي الفهم!.
فالكتاب عائق لابد من اجتيازه للنجاح، وليس بابا للمعرفة، وسبيلا لتنمية المدرك العقلي، وتوسيع الثقافة، ومن ثم فالتلاميذ والطلاب في معظمهم يتعاطونه تعاطي الدواء المر الذي لابد منه للنجاح والتخرج، ولذلك فالعلاقة به سطحية لا تعلق الا بقشرة العقل، رينما يؤدي الامتحان، لتنتهي العلاقة برمتها بعد ذلك.
والأسرة العربية - الا فيماندر - أيضاً لا تشجع عادة القراءة لدي ابنائها حتي تسد نقص المدرسة، ومن ثم، فالانسان العربي في تربيته العقلية ضحية لدائرة مفرغة، وان كانت متسقة (في البيت والمدرسة والجامعة) لا تبني علاقة صحيحة له مع الكتاب، ومن ثم نشأ لدينا - وبشكل عريض - تلك الظاهرة الفريدة المسماة (بأمية المتعلمين) !.
وبالاضافة إلي ما ذكرنا من أسباب، فالأوضاع السياسية والاقتصادية تلعب دورها المؤثر في حياة الكتاب العربي - سلبا وايجابا وصعودا وهبوطا.
لكل ذلك - وكثير غيره ليس هذا مجال تفصيله - يعاني الكتاب العربي أوضاعا متردية للغاية، ولا يطبع من اي كتاب جديد يصدر في أي بلد عربي - وفي أحسن الاحوال - أكثر من (3000) نسخة في المتوسط، في محيط بشري يتجاوز بالاحصاء ال 200 مليون نسمة ! وربما تدل هذه الحقيقة بذاتها علي مدي التخلف في صناعة الكتاب في وطننا العربي الكبير حتي هذه اللحظة!
هذا من ناحية المظلة العامة للثقافة والتعليم اللتين يشكل انتعاشهما المناخ الملائم لحياة الكتاب.
وثمة مشاكل انتاجية في عملية صنع الكتاب نفسها، منبنية - في جزء كبير منها - علي ماذكرنا - فمنتج الكتاب، فيما عدا المؤسسات والهيئات الحكومية -يحجم عن نشر الكتاب الجاد، أو ذلك الذي له قيمة في ميدانه، اللهم الا باتفاق مسبق مع الجامعات وأساتذتها يضمن له توزيعا إجباريا معقولا للكتاب الجاد، بحكم إلزام الطلاب به!
أما ما يبادر به الناشر بنفسه، فنوع من الكتب الرخيصة التي لا تغني ولا تسمن وان كانت تضمن له حدا معقولا - أو فاحشا - من الربح، ولا يعنيه ساعتها المردود السييء لمثل هذه الكتب التافهة علي الناشئة والقراء الذين أبقوا علي خيط ما بينهم وبين القراءة، مثل الروايات البوليسية وقصص الجريمة الرخيصة، والمغامرات الخيالية السطحية، والحكايات العاطفية المريضة التي تداعب احلام المراهقة، والكتب ذات الطابع الجنسي المثير للغرائز، وكتب الأبراج والحظوظ والطالع وقراءة الكف ومعرفة المستقبل! وتلك التي تتلاعب بأوهام الناس ومتاعبهم ، وتخاطب الشهوات والطموحات بأساليب ملتوية من مثل (كيف تصبح مليونيرا) و (كيف تصبح عبقريا)و (كيف نتعلم الانجليزية في أسبوع.. وبدون معلم ايضا).. أو كيف تصبح مديرا ناحجا، أو قياديا جذابا ساحرا للنساء خصوصا.. أو هذا النوع الآخر من الكتب الصفراء التي تتمسح بالدين.. ولا علاقة لها به.. من مثل عذاب القبر.. والثعبان الاقرع.. والتبرك ببول النبي.. أو إرضاع الكبير أربع رضعات مشبعات.. وتحريم جلوس المرأة علي الكرسي او المقعد لأنه مذكر!.. إلي آخر الهراء من هذا النوع والذي يروج بين بسطاء الناس باسم الدين ، والدين منه براء.. إلي آخر هذا الغثاء من هذا النوع الذي يملأ الساحة ويستشري بين شبابنا، ويستهلك فاعلية القراءة فيما لا طائل من ورائه وان كان يعود بالربح الوفير علي أمثال هؤلاء الناشرين الذين لا يختلفون في شيء عن تجار الحشيش والمكيفات والسموم بأنواعها بل تعلهم أخطر وأسوأ.!
ومسئولية ما يجري في صناعة النشر والكتاب، يقع عبئه بالدرجة الأولي علي وزارات الثقافة العربية، وعلي المؤسسات والهيئات المعنية، فلابد من تنظيم هذه الصناعة ومتابعتها، ويجب أن لا يترك فيها الحبل علي الغارب كما هو حادث الآن، فصناعة العقول لا يجب أن تكون في النهاية مسئولية فرد لا تحكمه إلا اعتبارات مصلحته الذاتية ولو علي حساب كافة القيم.
ومن ثم يتحتم العمل علي دعم وتأكيد مشروع متكامل للنشر العربي المشترك يناط به حل هذه المسائل، ويقوم بالتنسيق بين الفعاليات المختلفة لانتاج الكتاب العربي وتوزيعه، والعمل علي تشجيع حركة منظمة ومتكاملة للترجمة المواكبة لأحدث ما يطرأ لدعم الامم المتقدمة في شتي الميادين المعرفية والعلمية، لا في الادب وحده، وليس نقلا عن الانجليزية والفرنسية بشكل أساسي فقط، بل الترجمة الواسعة لعديد من ثقافات العالم ولغاته في الشرق والغرب، والتنسيق ، عن طريق الجامعة العربية مثلا، بين المشاريع والمؤسسات العربية الترجمية المختلفة، وقد كثرت الان، بالفعل، حتي تنتفي ظاهرة الترجمة لنفس الكتاب في أكثر من بلد عربي توفير اللجهد والوقت والمال.
كما يجب ان يعمل مثل هذا المشروع للنشر العربي المشترك، علي انتزاع الاعتراف بالدور المبادر والريادي للثقافة ولانتاج الكتاب علي صعيد الوطن العربي كلمة وليس بالدور الذيلي أو التابع أو الثانوي للكتاب كما هو حادث الآن!
ولا يمكن أن يقدر النجاح لمثل هذا المشروع الطموح لانتشال صناعة الكتاب العربي بعائده الفكري والثقافي إلا بالعمل علي حل العديد من المشاكل الاجرائية التي تقف حجر عثرة في وجه نجاح مثل هذه المبادرات - ان وجدت - والتي تعوق حركة الكتاب وتعطل قيامه بلعب دوره المفترض حتي الآن.
وأول هذه الاجراءات يتمثل في وجوب رفع القيود الرهيبة عن الكتاب بين البلدان العربية المختلفة، والعمل علي الاكثار من اقامة المعارض العربية للكتاب، خصوصا في تلك البلاد التي لم ولا تقام فيها معارض للكتاب حتي الآن.
ويجب النظر جديا في تخفيض أسعار وتكاليف النقل والشحن بأنواعه البري والبحري والجوي.. وإعطاء الكتاب نسبة خصم عالية.. والرمزية الضرائبية لمستلزمات الانتاج، والقيمة الرمزية لتأجير الأماكن في أي معرض للكتاب .. وغيره.. وغيره.. لما لكل ذلك من أثر فعال في تخفيض سعر الكتاب، وبالتالي التشجيع علي الإقبال عليه واقتنائه، وفي النهاية، فأزمة الإنسان العربي في وجهها الأعمق - هي أزمة الإنسان العربي كاتبا وناشرا وقارئا.. وهذا موضوع آخر له شجونه!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.