الطواويس الجميلة تخاف علي حياتها، والطاووس الأسود!، لا أعرف كيف كان لونه أسوداً هكذا، لا يخاف. لا بد أن نعمة الجمال قد سلبت منه؛ ليدافع عن رفاقه فقط، دون أن يأبه لحياته التي لا تساوي شيئاً في عالم الطواويس. كنت أشاهد عن قرب تلك العيون البراقة التي تنظر بخوف إلي شيء مجهول. المجهول صار فهداًأسود يجري باتجاههم. استداروا للجهة الأخري مطلقين سيقانهم للريح. وقف الطاووس الأسود بتحد أمام الفهد الأسود مانعاً تقدمه. حرك جناحيه بقوة. ارتفع بضعة سنتيمترات أمام الفهد الذي ارتكز علي قائمتيه الخلفيتين وأشهر مخالبه الأمامية. سلط الطاووس منقاره في عين الفهد اليسري فثقبها. زأر الفهد زئيراً رعدياً اهتزت له أوراق الأشجار، ودفنت الأعشاب رؤوسها الهشة في نتوءات الأرض. جري الطاووس الأسود في الاتجاه الآخر وجري الفهد خلفه، حتي قبض عليه بين أنيابه البيضاء. المقاومة دفعت باقي الطواويس لأن يتخلصوا من نرجسيتهم ويتجهوا صوب الفهد الذي كان يجري قابضاً علي منقذهم بين أنيابه. شعرت فجأة أنني أتخلص من دور المراقب غير المرئي وأدخل قلب المشهد. قدمي كانت تدب بقوة علي أرض الغابة. الخوف كان ثلجاً جافاً بحلقي. أمامي الفهد يجري بفريسته وورائي صف طويل من الطواويس التي تهرول وراءهما. ضج المكان بالنعيق والهدير الوحشي. غابت الأجساد شيئاً فشيئاً، ثم اختفت الغابة تماماً، وحلت مكانها شوارع المدينة، وبناياتها الأسمنتية والزجاجية العالية. النيل عن يميني يرقص تحت نور الفجر الغامض. فوقه مراكب تهتز بغناء العشاق، لما نظرت مرة أخري وجدت المراكب فارغة! أتي شاب من بعيد، وتجاوزني. كان يحمل شاباً مصاباً علي كتفه؛ ليضعه في سيارة الإسعاف. انتهزت خلو الطريق من السيارات القليلة في هذا الوقت وعبرت إلي الناحية الأخري، ثم صعدت سلالم الرخام البيضاء لأعلي مواجهاً المحلات المغلقة. كانت المدينة وحشاً مُنهك القوي بعد وجبة ليلية دسمة. علي دكك الطوار تناثر بعض الشبان والفتيات، ما الذي أتي بهم في هذا الوقت المبكر؟ وكيف لم يلتفت أحد منهم للغابة التي تجلت أمامي منذ لحظات؟ ولسرينة الإسعاف الموجودة في الأسفل؟ لم أُرجع بصري إليهم مرة ثانية. اتجهت للجانب الآخر لأقرأ العناوين الرئيسية، حيث يفرش البائع جرائد الصباح. وجدت صورة الفهد الأسود ممزقاً علي الصفحات الأولي لكل الجرائد.