عندما التقيت عمرو موسي المرشح لرئاسة الجمهورية، تغير ترتيب الأسئلة لدي، فعلي الرغم من أن الحوار منصب في الأساس علي رؤيته الثقافية، وهل للثقافة وجود في برنامجه الانتخابي، إلا أنني عندما دخلت مكتبه في مقر حملته الانتخابية بالدقي، كان سؤالي الأول عن مكتسباته من جولاته المتعددة في محافظات مصر.. كيف رأي المشهد من الداخل، وأجاب: بصراحة تولد لديّ شعور بالاندهاش والتقدير لهذا الشعب، الذي تتجاوز فيه نسبة الأمية 03٪، إلا أن هذه الجولات أثبتت أن المواطن يمتلك من المعرفة، ما يعوض به أميته، فهذا المواطن يعرف جيدا تاريخ المرشحين ومواقفهم، ويناقشهم في ذلك، كما أنه يمتلك من الرؤي التي يجب أن توضع في اعتبار من بيده سلطة القرار. عدت فسألته قبل أن يستقيم الحوار في برنامجه الثقافي، عن تأثير أغنية شعبان عبد الرحيم "بحب عمرو موسي وبأكره إسرائيل" عليه، فأجاب: كثير من أصدقائي رأوا في الأغنية أنها "القشة التي قصمت ظهر البعير" في إشارة إلي موقف النظام السابق مني، ألا أنني أنظر إليها علي أنها كاشفة للوجدان الشعبي تجاهي، كما أراها الآن أنها جزء من التاريخ". بعد أن انتهيت من هذه "الدردشة" دخلت معه في صميم الحوار الكاشف عن رؤيته للثقافة ولدور المثقفين في برنامجه الانتخابي لرئاسة الجمهورية.ما أهم النقاط التي يتضمنها البرنامج الرئاسي بالنسبة للثقافة؟ لعلمي أن أغلب برامج المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية خلت تماما من أي ذكر للثقافة وأي رؤية لها، ففيما اطلعت عليه من برامج منشورة أو في الأفكار التي طرحها بعض المرشحين في أحاديثهم لم أجد شيئا يخص الثقافة وهو ما يعكس الوضع نفسه الذي كان قائما قبل ثورة 25 يناير حيث خلت معظم برامج الأحزاب من ذكر الثقافة أو حتي التعرض لها من قريب أو بعيد وهذا شيء في رأيي معيب، وبالذات في دولة مثل مصر تعتبر الثقافة فيها أساس قوتها الحقيقية ومصدر مكانتها الإقليمية والعالمية. فالثقافة هي القوة الناعمة التي مكنت مصر من التواجد بقوة، فمصر اقتصاديا لديها الكثير من المشاكل التي نتمني أن تجتازها قريبا، ومصر سياسيا دولة ما زالت تحاول تطبيق الديموقراطية المنشودة أما مصر ثقافيا فهي دولة عظمي حيث يندر أن تجد دولة أخري تتمتع بمثل ثرائها الثقافي والحضاري الذي يمتد عبر قرون مضت ليصل إلي الحاضر ومنه إلي المستقبل.. وقد مرت علي مصر فترات تراجعت فيها الثقافة بشكل ملحوظ وأدي ذلك في الوقت نفسه إلي تراجع مكانتها إقليميا ودوليا أما في الفترات التي انتعشت فيها الثقافة فقد ساعدت تلك القوة الناعمة علي أداء مصر لدورها الاقليمي والدولي بكفاءة عالية. لذلك حرصت في برنامجي علي أن أفرد فصلا كاملا للقوة الناعمة لمصر ليس فقط باعتبارها وسيلة من وسائل دعم السياسة الخارجية المصرية، أو ركيزة أساسية لها وإنما أيضا اهتماما بالثقافة في حد ذاتها لأن برنامجي يعني بالأساس بإعادة بناء مصر من خلال إعادة بناء المواطن المصري ولا يمكن إعادة بناء المواطن المصري إلا بالتعليم والثقافة فهي التي تشكل وجدانه وترتفع بفكره وتسمو بآرائه وتجعل منه مواطنا قادرا علي الارتقاء ببلاده وتحقيق رخائها. ما الخطوات العملية التي يتضمنها البرنامج بالنسبة للثقافة؟ نحن لا نؤمن بهيمنة الدولة علي النشاط الثقافي وإن كنا نري أن للدولة دورا أساسيا في تشجيع العمل الثقافي وفي ضمان استمراره واستمرار تمويلها ومن هنا تجيء أهمية أن يكون لمصر وزارة ثقافة تقوم بهذا الدور تأكيدا علي أهمية الثقافة في مصر، كما ينبغي مراعاة أن القوانين السائدة حالياً في مصر لا تسمح بأن يقوم رأس المال المصري الخاص بتمويل أنشطة الثقافة، إذ تضع حدا أعلي لأي تبرعات تذهب لأنشطة الثقافة، ومن واجب الدولة أن تتيح للنشاط الثقافي أكبر قدر ممكن من التمويل، ففي بعض الدول لا يوجد هذا السقف كما أن التبرعات التي تذهب للنشاط الثقافي تُخصم كاملة من الوعاء الضريبي للمتبرع، وهذا ما يجب تحقيقه بإصدار التشريعات اللازمة لذلك، فقد كنا لسنوات طويلة نطالب رأس المال المصري بالقيام بدوره لدعم الثقافة من دون أن نوفر له التشريعات اللازمة لتيسير قيامه بهذا الدور وقد آن الأوان أن نفعل هذا الآن، إذا كنا نريد للثقافة أن تنتعش وينهض دورها. أيضا نحن نهتم بقضية الملكية الفكرية اهتماما كبيرا لأن في هذا حماية للمبدع المصري من عمليات القرصنة والسرقات الفنية التي انتشرت مؤخرا، وقد اندهشت حينما أخبرني بعض الكتّاب أن عملية قرصنة الكتب لم تعد حكرا علي بعض الدول المجاورة فحسب وإنما أصبحت الكتب المصرية تتم سرقتها ويعاد طبعها من دون إذن مؤلفها أو ناشرها داخل مصر نفسها وقد أطلعني أحد الكتاب علي نسخة لكتابه كان قد صدر لتوه ومعها نسخة أخري صادرة في مصر في نفس الوقت تقريبا ولكنها مزورة وهذا أمر لا ينبغي السكوت عليه فما يحصل عليه المبدع في النهاية من عمله هو الفتات ولا يمكن السكوت علي سرقة هذا الفتات، وقد آن للدولة أن تحمي حق المبدع وتدافع عن ملكيته الفكرية خاصة وأن مصر من أوائل الدول التي وقّعت علي كل الاتفاقيات الدولية التي تحمي الملكية الفكرية ولكنها لم تكن جادة طوال السنوات الماضية في تفعيل هذه القوانين. من وجهة نظرك هل للمثقفين دور في انتخابات الرئاسة. بمعني هل لديهم الثقل في الإقناع بهذا المرشح أو ذاك في الشارع المصري؟ فئة المثقفين في المجتمعات هي دائما الأقل عددا مقارنة بالعمال والفلاحين مثلا أو الموظفين ولكن أهميتها تكمن في أنها الأكثر تأثيرا، في المسائل السياسية أو المتعلقة بالانتخابات بما يمتد ليشمل الرأي العام كله، ولا شك أن هذه الفئة ظُلمت كثيرا طوال السنوات الماضية وكلنا نعلم أن تقزيم مصر يأتي بتهميش هذه الفئة وهو ما كان يجري في السنوات الأخيرة. فعدد الذين يعملون في الثقافة في مصر من فنانين وأدباء ومفكرين ومثقفين عامة يزيد علي تعداد سكان بعض الدول كاملة العضوية في الأممالمتحدة لكنهم للأسف لم يحصلوا من الدولة علي ما يستحقونه من اهتمام ورعاية فقد غاب عن المسئولين في السابق أن تكريم المثقفين هو تكريم للدولة وأن مكانة أي دولة من الدول لا تقاس بحجم مدخراتها أو قوة جيشها وانما بما لديها من كتاب ومثقفين ومبدعين فألمانيا تفاخر العالم بأن لديها الشاعر العظيم جوتة وحائز نوبل جونتر جراس وبريطانيا تجاهر بعظمة شيكسبير وهارولد بنتر وفرنسا تتباهي بموليير والمفكر الكبير سارتر ونفاخر نحن بأن لدينا توفيق الحكيم وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ وعبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود ومحمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأحمد لطفي السيد ومحمود سعيد وعبد الهادي الجزار وغيرهم من الأعمدة التي قامت عليها ثقافة مصر وحضارتها علي مر العصور. أعتقد أن أي دور للمثقفين يجب أن ينبع من هذا الفهم الصحيح لقيمتهم ومن ثم لدورهم والنظام السياسي الذي يخاصم الثقافة محكوم عليه بالإعدام، وإذا نظرنا للتاريخ الحديث سنجد أن كل الأنظمة التي كانت تخاصم الثقافة، كالنظام النازي مثلا، تصدعت وسقطت في سنوات بينما النظام الفرنسي الذي جعل الكاتب العظيم أندريه مالرو الرفيق الأول للجنرال ديجول استمر وانتعش وانتصر علي من خاصم الثقافة. هل سيكون للمثقفين دور في صنع مستقبل مصر بشكل فعال في حالة فوزكم بالرئاسة، وهل ستستعين بأي من المبدعين في مناصب قيادية بالدولة؟ اتساقا مع ما قلته عن ضرورة تواصل العلاقة بين الثقافة والسياسة فمن الطبيعي أن يكون للمثقفين دور أساسي في المرحلة القادمة ولكنني لا أقصد بالدور أن يتحول الكتاب والفنانون إلي وزراء ومحافظين فهذا إن حدث قد يكون فيه مصادرة لدورهم الطبيعي وتجاهل لموهبتهم الحقيقية وطبيعة دورهم، والأساس أن الحوار بين المثقفين والدولة يجب أن يكون متواصلا وأظن أن المثقف سيكون أكثر فائدة للسياسة حين يتعامل مع السلطة من موقعه كمثقف وليس كموظف ومع ذلك لا أتصور أن يكون وزير الثقافة إلا قامة ثقافية كبري، لأن المثقف وحده هو الذي يستطيع وضع استراتيجية ثقافية لبلد مثل مصر. حرية التعبير والرقابة موضوعان هامان يطرحان نفسهما في هذه اللحظة التاريخية من عمر مصر، خاصة بعد تنامي التيار الديني، ما موقفك من هذه الحريات؟ أولا أنا بطبيعتي ضد الرقابة، فما بالك بالرقابة علي الإبداع وقد سعدت أن وضعت توقيعي علي وثيقة الأزهر الخاصة بالحريات والتي عددت الحريات الاساسية في المجتمع بأنها حرية العقيدة وحرية التعبير وحرية البحث العلمي وحرية الابداع الادبي والفني.. وأعتقد أن هذه الحريات مقدسة ولا ينبغي المساس بها، ولكن كل مجتمع يضع الضوابط التي يراها لممارسة الحرية وفق مستوي نضجه وهذا مقبول لكن شريطة أن يضع المثقفون أنفسهم هذه الضوابط ولا تضعها لهم أي سلطة أخري سواء سياسية أو دينية فالفنان ضمير أمته وهو الأقدر علي معرفة أين تبدأ حريته وأين تنتهي ويجب أن نعطيه الحق في هذا ونقبل ما سيراه من ضوابط، فهذا تخصصه ويجب أن نعود لأهل الخبرة في كل المجالات بما في ذلك الثقافة.. وأعتقد أن حرية التعبير يجب النص عليها بشكل واضح في الدستور باعتبارها حرية أساسية لا خلاف عليها ويجب أن نحذف الوصاية التي كانت عليها في الدستور السابق، فكل المواد التي كانت تنص علي الحرية كانت تنتهي بمقولة "حسبما يتفق مع القانون"، وهنا يصبح القانون هو الاساس وعلي الدستور ان يتفق مع القانون والصحيح هو العكس فالدستور هو الاساس والقانون يجب وضعه ليحقق مبادئ الدستور لا أن يصادرها. هل أنت مع تسييس الثقافة أم مع تثقيف السياسة، أي من منهما في خدمة الآخر.. السياسة أم الثقافة؟ هذا السؤال فيه خلط للأوراق فلا السياسة يجب أن تكون في خدمة الثقافة ولا الثقافة يجب أن تخدم السياسة لان لكل منهما دوره الذي ينبغي عليه القيام به ولا يستطيع الآخر إنجازه.. الوضع الصحي والسوي في أي مجتمع متحضر أن يكون هناك تفاعل دائم بين الثقافة والسياسة ولكن يجب أن تكون الثقافة مستقلة تماما والسياسة أيضا لها أدواتها ودورها في تحقيق أهدافها. فالثقافة المسيسة هي علامة من علامات المجتمعات الشمولية التي لا تنظر للثقافة إلا كوسيلة لخدمة الأهداف السياسية للنظام، ومع ذلك لا ينبغي أن يغيب عنا أن الثقافة الحقة لها بعد لن أسميه سياسيا وإنما هو بعد وطني فهي معنية بالقضية الوطنية بشكل أساسي وليس بالسياسة من منطلق حزبي أو ايديولوجي فالبعد الوطني مكون أساسي لأي ثقافة حقيقية وأعتقد أنكم تسمون مثل هذا المثقف في أدبياتكم بالمثقف العضوي وانا أؤمن بذلك تماما خاصة في الوطن العربي حيث القضية الوطنية لازالت تشكل هاجسا وهما كبيرا ولم تستقر الامور مثل المجتمعات الاوروبية التي تسمح للمثقف أن يعطي الأولوية لقضايا أخري، لكن في مصر والعالم العربي وفي هذه المرحلة من تاريخنا لا أري انفصالا بين الثقافة والقضية الوطنية. في عدد من دول العالم تلعب الثقافة دورا كبيرا في الاقتصاد، بمعني أن هناك ما يطلق عليه بالصناعة الثقافية، وهو أمر غائب لدينا، هل ستضع خطة لكي تعرف مثل هذه الصناعة؟ طبعا أعتقد أن صناعة الثقافة هي صناعة أساسية في بلد مثل مصر ويجب ألا ننسي أن في أواسط القرن الماضي كانت صناعة السينما أحد أهم مصادر الدخل القومي وكان يأتي بعدها صناعة الكتاب وفي بلد مثل فرنسا فإن 40 بالمائة من السياحة التي تذهب لفرنسا هي سياحة ثقافية، تعتمد علي زيارات متحف اللوفر أو قصر فرساي، ولهذا علينا العمل لاستعادة هذه الصناعة كمصدر رئيسي للدخل القومي لأن مصر أكثر تأهيلا لذلك ولن يتحقق هذا إلا عبر سياسة رسمية للدولة تؤمن بالثقافة والمثقفين ليس فقط في جلب الدخل لخزينة الدولة وإنما إيمانا بدورهم في إعلاء قيمة البلاد ورفع شأنها بين الأمم.