المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحي.. الشروط والمستندات المطلوبة للتقديم    رئيس المحطات النووية : الضبعة من أضخم مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية في أفريقيا    هل قطع الأشجار وراء موجات ارتفاع الحرارة؟ رد غير متوقع من البيئة    عاجل | الضرائب تحذر كل من أجر شقة يمتلكها ولم يخطر المصلحة    أكسيوس: بلينكن ضغط على نتنياهو بشأن أموال السلطة الفلسطينية    كيف تأثرت دفاعات أوكرانيا بعد سيطرة روسيا على أفدييفكا؟    روبرتسون: اسكتلندا لا تتعرض لضغوط قبل مواجهة ألمانيا فى افتتاح يورو 2024    رسالة مدرب ألمانيا للجماهير قبل افتتاح يورو 2024    وزير الرياضة: «كابيتانو مصر» يواصل تسويق لاعبيه لأندية الدوري الممتاز    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص ب"صحراوي أطفيح"    ويزو عن انتقادات "السوشيال ميديا" للفنانين: "مفيش معايير ومش فاهماهم"    آسر ياسين ينشر صورًا جديدة من كواليس فيلم "ولاد رزق 3"    متحدث التنمية المحلية: نفذنا 7.6 مليون شجرة بتكلفة 200 مليون جنيه    الثقافة البصرية والذوق العام في نقاشات قصور الثقافة بمنتدى تنمية الذات    دعاء يوم «عرفة» أفضل أيام السنة.. «اللهم لا ينقضي هذا اليوم إلا وقد عفوت عنا»    قبل عيد الأضحى 2024.. شروط الأضحية وكيفية تقسيمها    تحرك برلماني عاجل لمحاسبة الشركات الوهمية المسؤولة عن سفر الحجاج المصريين    حزب الحركة الوطنية يفتتح ثلاثة مقرات في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري (صور)    إليك الرابط.. كيف تفتح حسابا بنكيا من الهاتف المحمول وأنت في منزلك؟    افتتاح معمل تحاليل بمستشفى القلب والصدر الجامعي في المنيا    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أسرع أكلة وعلى أد الإيد    أوبك: لا نتوقع بلوغ الطلب على النفط ذروته على المدى الطويل    محافظ شمال سيناء يعتمد الخطة التنفيذية للسكان والتنمية    تحرش بسيدة ولامس جسدها.. الحبس 6 أشهر لسائق «أوبر» في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    سفاح التجمع يشعل مواجهة بين صناع الأعمال الدرامية    "تموين الدقهلية": ضبط 124 مخالفة في حملات على المخابز والأسواق    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    الأنبا تيموثاوس يدشن معمودية كنيسة الصليب بأرض الفرح    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا بعد إنقاذه 3 أطفال من الموت فى ترعة بالشرقية    تجديد حبس شقيق كهربا 15 يوما في واقعة التعدي على رضا البحراوي    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    رئيس جامعة حلوان: المعمل المركزي يوفر بيئة محفزة للبحث العلمي    الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال حجاجنا    الإسماعيلى يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة إنبى فى الدورى    ضياء السيد: طلب كولر بشأن تمديد عقد موديست منطقي    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    الحماية المدنية تنقذ طفلا عالقا خارج سور مدرسة في الوادي الجديد    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    أجواء مضطربة في فرنسا.. و«ماكرون» يدعو لانتخابات برلمانية وتشريعية    قيادي ب«مستقبل وطن»: جهود مصرية لا تتوقف لسرعة وقف الحرب بقطاع غزة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    الأهلي يكشف حقيقة طلب «كولر» تعديل عقده    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد أبو غازي يحكي:أيام في سجن الحكومة
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 03 - 2012

يكتب وزير الثقافة السابق عماد ابو غازي مذكراته. يجمع حالياً وثائقه، والملاحظات التي سجلها طوال الثمانية شهور التي قضاها في " سجن الحكومة". عندما سألته: كيف تلخص هذه الفترة؟ لم يفكر طويلا.. أجاب:"إصلاحي في زمن الثورة"..
ربما كانت تلك مشكلته في الوزارة، أنه لم يلجأ إلي الصدمات الكهربائية، رغم ضرورتها في كثير من الأوقات، تماما مثلما يحترم إشارات المرور، والالتزام بالسرعات المقررة. حاول أن يغير معتمدا علي مفهوم أن "قضية وزارة الثقافة ليست المثقفين والمبدعين، وإنما قضيتها الأساسية تقديم خدمة ثقافية للمواطن المصري لا للمبدع أو المثقف المصري". يوضح فكرته:" المبدعون طرف في تقديم الثقافة للمواطنين، شركاء ومساندون في ذلك، وبإمكانهم أن يقدموا إبداعهم الفكري خارج الوزارة أو مواجهتها..كنت أريد أن ألغي فكرة أن وزارة الثقافة هي وزارة للمثقفين، لأن أحد أسباب ضعف الوزارة وقدرتها علي التأُثير أنها تعاملت مع نفسها باعتبارها وزارة المثقفين، بينما هي وزارة لتقديم الخدمة الثقافية للمواطن العادي إتاحة مساحات للنشاط الثقافي للمواطن...".
وفق هذا التصور لم يحاول أبو غازي أن يركز جهوده لإرضاء الجماعة الثقافية، لم تكن تلك قضيته، لأنه من الصعب أن " تتخذ قرارا يوافق هوي الجميع"..
في أيامه بالوزارة كان لديه مشروع خاص لإلغاء الرقابة علي السينما، أن يتحول دور الرقابة بعد الثورة لتصل إلي مرحلة التصنيف العمري للأفلام فقط، بأن يعرض الفيلم مثلا "للكبار فقط". المفارقة أن المشتغلين بالعمل السينمائي هم من اعترضوا، بل طالبوا ببقاء الرقابة لأن " التصنيف العمري معناه أن الفئة العمرية التي تتردد علي السينما ستمنع من مشاهدة الأفلام وبالتالي سيخسر المنتج الكثير". هذه واحدة من القصص الكثيرة التي واجهها أبو غازي مع المثقفين أثناء عمله.
يضحك: " لا يمكن أن ترضي بقراراتك الجميع، لابد أن تكون هناك درجة من درجات المعارضة، ولكن المشكلة أن كثيرا من الانتقادات تكون مرتبطة بمواقف شخصية، لماذا عينت فلانا؟ لماذا حصل فلان علي جائزة؟ يبتعد النقد دائما عن مناقشة السياسات الثقافية نفسها، وعندما يحدث نقاش حقيقي حول السياسات الثقافية سيحدث تطوير للواقع الثقافي".
سألته: ما هو القرار الذي ندمت عليه؟
يجيب: هناك قرارات ندمت علي أنني لم اتخذها، مثلا تأخرت في تشكيل مجالس إدارات وهيئات وزارة الثقافة المختلفة، تم تشكيل مجالس إدارات ل 60٪ من الهئيات، ندمت علي أنني لم أنته من تشكيل كل الهيئات وقصور الثقافة.
يضيف: كانت خطتي تقوم في الأساس علي ديمقراطية الثقافة بمعني اولا تحقيق اللامركزية في الادارة الثقافية بحيث لا تدار المؤسسات من خلال رؤسائها ولكن تدار من خلال مجالس ادارة لا تكون من قيادات الوزارة، ولكن تكون من شخصيات ثقافية عامة تمثل اتجاهات مختلفة واجيالا مختلفة من خارج مؤسسات الوزارة.
أساله: ولكن كان هناك اعتراضات كثيرة علي قيادات الوزارة؟ يجيب: لقد تم تغيير 50٪ من قيادات الوزارة، ولم يحدث تبديل سوي الدكتور أحمد مجاهد الذي نقل الي هيئة الكتاب، وتم النقل بناء علي المشروع الذي تقدم به لتطوير الهيئة، وهذا المنصب ظل شاغرا بعد رحيل الدكتور ناصر الأنصاري، وقد طلب الدكتور صابر عرب أن يترك المنصب للتفرغ لدار الكتب والوثائق، ورفض الكثيرون تولي مسئولية الهيئة، ولكن مجاهد قدم خطة تطوير مهمة، وهذا واضح خلال الشهور الماضية سواء في الاصدارات أو المعارض او المكاسب التي تحققت. ما كان يعنيني هو تغيير السياسات لا الأشخاص.
2
لم يكن أبو غازي في الحكومة وزيرا للثقافة فقط، كان عضوا فاعلا في لجنة الحوار الوطني مع الدكتور علي السلمي ومنير فخري عبد النور. كانت مهمة اللجنة الحوار مع القوي السياسية المختلفة لإنجاز وثيقة المبادئ الدستورية التي عرفت بوثيقة السلمي.. والتي رفضتها معظم القوي السياسية فتم تجميدها. هل كانت الوثيقي محاولة لاحتواء الثورة؟ اندهش من السؤال: لا أعتبرها كذلك، كانت الفكرة أن أن يكون هناك وثيقة تضع مجموعة قواعد تساعد في عمل اللجنة التأسيسة للدستور، وكان الدكتور علي السلمي قبل أن ينضم للحكومة قد طرح مبادرة مع عدد من القوي في صياغة وثيقة المبادئ، وعندما دخل الحكومة واسند إليه ملف التحول الديمقراطي، كان جزء من عمله وضع ضوابط وقواعد للجمعية التأسيسية، وبهذا المعني ليست الوثيقة في مواجهة مع الثورة علي الإطلاق.
أسأله: ولكن البعض اعتبر وضع المواد 9 و10 الخاصة بوضع المؤسسة العسكرية في الدستور التفافا علي مطالب الثورة؟
يجيب: الوثيقة كانت محاولة لتصحيح المسار الخاطئ الذي سرنا فيه، وهو فخ الاستفتاء، ثم الانتخابات قبل الدستور. وهذا المسار كان معظم أعضاء الحكومة ضده، وحاول وزير العدل في أول اجتماع لنا بعد حلف اليمين أن يطرح مسارا بديلا، وكان رد المجلس العسكري عليه أنه تم الاعلان عن الاستفتاء ولا يمكن الرجوع فيه.
اسأله: ولكن هل الاصرار علي هذا المسار كان مقصودا أم بحسن نية؟
يجيب: لا أستطيع أن أحكم الآن، ولكن أعتقد أنه خطأ في التقدير بحسن نية.
وماذا عن المواد الخاصة بوضع المؤسسة العسكرية؟
يجيب: لم تكن موجودة في البداية، وعندما تم وضعها ورفضتها القوي السياسية المختلفة، كان لدينا يقين أن ملاحظاتهم سوف تكون محل تنفيذ، وأدخلنا تعديلات كثيرة تلبي مطالب القوي السياسية، ولكن في النهاية لم يكتمل النقاش.
وماذا عما أثير عن " مدنية الدولة" هل رفض الإخوان أي إشارة لذلك؟
يجيب: جلسنا مع ممثلي " التحالف الديمقراطي"، ووافقوا علي نص "مدنية الدولة"..وسافرت في اليوم التالي، وعرفت وقتها رفضهم أي إشارة لمدنية الدولة، أو للحريات الشخصية، والالتزام بالمواثيق الدولية"..
اسأله الآن هل تظن أن مدنية الدولة مهددة بعد أن هيمنت حركة الإسلام السياسي علي جمعية تشكيل الدستور؟
يجيب: لا يوجد دستور في العالم تضعه الأغلبية، الدستور هو توافق الأغلبية والأقلية، هو عقد اجتماعي بين الدولة واطياف المجتمع المختلفة، ونتاج توافق قوي المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية. لا يمكن أن تفرض الأغلبية دستورا. يمكنها فقط أن تتولي إدارة البلاد في دورة برلمانية أو في عدة دورات حسبما يتم انتخابها. ولكن إصرار " الإخوان" علي الانفراد بكتابة الدستور سيؤدي إلي عدم استقرار الأوضاع في المجتمع لفترة طويلة.
يتوقف أبو غازي: المعركة طويلة، ولا أدري لماذا يريد الإخوان أن يهدروا فرصة تاريخية لتحقيق مستقبل ديمقراطي لهذا البلد من اجل فرض رؤية واحدة علي المجتمع، الأغلبية البرلمانية والتصويت ليس حاسما في وضع دستور. لابد أن يكون ذلك واضحا".
-3-
" هل أنت متفائل؟"
قد يبدو السؤال متكررا. ولكن بالنسبة لباحث جاد في التاريخ المصري مثل عماد أبو غازي يبدو ضروريا. يجيب: " أتمني أن أكون متفائلا. ولكن رغم كل شيء أعتقد أن حاجز الخوف الذي انكسر لدي المصريين لا يمكن لأحد أن يبنيه مرة أخري بسهولة".
ولكن كدارس للتاريخ أين تقع ثورة 25 يناير مقارنة بالثورات الأخري؟
يجيب: "لو نجحت الثورة في استكمال أهدافها ستكون أعظم ثورة في تاريخ مصر من حيث الحجم والتأثير".
ما المعوقات التي تعوق استكمال نجاحها؟
يجيب: قوي الماضي لاتزال قوية، وهذا شيء تكرر في معظم الثورات المصرية، مثلا ثورة المصريين في 1805 التي اتت بمحمد علي، هي ثورة شعبية، لها قادة، ولكن لم يفكر الشعب في أن يتولي السلطة، بل ذهبوا إلي محمد علي، حتي الثورة العرابية طرحت فكرة اسقاط الخديو وإعلان الجمهورية، وهي الفكرة. في كل الثورات إما أن تاتي بشخص من الخارج تسلمه الثورة، أو تترك رأس النظام السابق أو اجزاء منه. أزمة مصر دائما في الثورة الناقصة. للأسف ثورة 25 يناير تحاربها بقايا النظام السابق بقوة، وثمة مؤشرات قادمة بقوة من البرلمان لتحجيم الثورة أيضا.
أساله: ولكن هل يمكن الرهان علي تغير الوضع علي المدي الطويل، مثلما حدث في فرنسا مثلا بعد ثورة 68.. جاء بعد الثورة أكثر برلمان يميني في تاريخ فرنسا..وبعد أربع سنوات الثورة لم تغير فقط النظام السياسي وإنما غيرت المجتمع أيضا؟
يجيب: عمليا الثورة المصرية غيرت الكثير من المفاهيم والقيم، هذا حدث. أولا كسرت حاجز الخوف، طرحت لأول مرة فكرة مدنية الدولة بعد 60 عاما علي انقلاب يوليو، وهي ايضا أول ثورة في التاريخ تعبر عن آليات عصر مجتمع ما بعد المعرفة، ثورات أوروبا الشرقية تنتمي لزمن قديم.. خلقت ايضا أدوات معرفية ووسائل جديدة..كل ذلك يميز الثورة المصرية. ومن حسن الحظ أن قوي الثورة المضادة لاتزال تعيش بعقلية الثورة الصناعية، بل بآليات عصر الإقطاع، معركة الجمل مثلا تنتمي إلي عصر ما قبل الثورة الصناعية. يضحك: " بل للعصر الجاهلي ". وبهذا المعني حققت الثورة نجاحات علي المستوي الثقافي لا يمكن التراجع عنها، هناك العديد من الفرق المسرحية والغنائية التي تشكلت في الميدان، فنون الشارع سواء الجرافيتي أو الموسيقي..كل هذه ظواهر لا يمكن التراجع عنها.
أسأله: حتي مع صعود القوي الدينية..ألا يشكل هذا الصعود خطرا علي الفن والأدب؟
يجيب: بالتأكيد سيحاولون، ولكن لابد من التصدي لهم بقوة. أي أن الأمر يتوقف علي المبدعين وقدراتهم علي الدفاع عن انفسهم. القوانين المقيدة للحريات موجودة منذ أيام الخديو إسماعيل، والمبدعون والكتاب يقاومونها طول الوقت، المهم أن نتمكن من حشد الشارع معنا في هذه القضايا، ويدافعون عن هذه الحرية، كما حدث في أعقاب الثورة العرابية أو ثورة 19، كان هناك قطاع عريض من المواطنين يتفاعل مع الإبداع..هل سننجح في ذلك وخاصة أن الإبداع محاصر طوال السنوات الماضية. عندما كنت أناقش أزمة المسرح مع كثيرين كان تصوري أن الحل يبدأ بعودة المسرح المدرسي، ذلك سيوسع قاعدة الممارسة، وتتسع عادة المشاهدة، ولكن لسنين طويلة منذ 67 تتراجع الأنشطة الطلابية الثقافية والفنية في المدارس بينما تتوغل تيارات فكرية ضد الإبداع والفن. القلق الحقيقي لديّ علي التعليم وليس علي الثقافة، وأخشي ان نزداد انغلاقا وتراجعا في ظل سيطرة التيارات السلفية علي لجان التعليم.
أساله: ألم يحدث في الثورات المصرية السابقة صعود فني وحريات..تم قمعها بعد فترة أو بعد تراجع هذه الثورات مثلما حدث في ثورة 19 حيث ظلت هناك حرية بلا حدود لعام ونصف قبل أن تصدر قوانين لتقيد الصحافة..وغيرها؟
يجيب: الوضع مختلف، أطراف الثورة لاتزال تتصارع. من سيصمد؟ ومن يتوقف عن النضال؟ إجابة هذا السؤال تجيب عن سؤالك، ولكن اظن أنه من الصعب ان تنكسر القوي المدنية.
ولكن ماذا يقول التاريخ في ذلك؟
يجيب: الثورة العرابية فشلت بتآمر دولي وتؤاطؤ الخديو والسلطان عبد الحميد، كما أن جزءا من الثوار انضم الي الخديو، وترتب علي الهزيمة انكسار الزخم الثقافي الذي مهد لها والذي بدأ مع الخديو اسماعيل وحتي السنوات الاولي من عصر توفيق. استمر الانكسار عشر سنوات حتي تولي الخديو عباس حلمي الذي سمح بالعفو عن عبد الله النديم، وعاد محمد عبده..ليبدأ زخم ثقافي حقيقي، وقد شهدت تلك الفترة بدايات تشكيل الكيانات الشعبية مثل نادي المدارس العليا، والجامعة الأهلية، ومدرسة الفنون الجميلة، مع الأحزاب والصحف. أدي كل ذلك الي التمهيد لثورة 19 وقد استمر المد الثقافي والإبداعي حتي انقلاب يوليو، وإن كان الجيل تكون في الفترة الليبرالية استمر في الكتابة مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ. بعد 52 تمت مصادرة كل الأشكال المستقلة والجمعيات الأهلية، تم حل الأحزاب، وبدأ يتراجع النشاط الثقافي المستقل.. ومع حركة 68 بدأ مرة أخري الميل للتخلي عن الدولة وبدأ المثقفون في إيجاد أشكال مستقلة، وظل ذلك مستمرا وتزايد في السنوات الأخيرة التي سبقت ثورة يناير، وربما تكون أحد الأسباب التي مهدت للثورة وهيأت المناخ لها.
اسأله: أنت تري إذن أن ثورة يناير ضد ثورة يوليو؟
-طبعا، لأن شعار مدنية الدولة الذي رفعته ثورة يناير هو شعار في مواجهة انقلاب يوليو بشكل أساسي؟
اسأله: ولكن البعض يضع شعار "المدنية" في مقابل " الدينية" لا " العسكرية"؟
يجيب: علي فكرة أول من وضع أصول تديين الدولة هو انقلاب يوليو. في صراع عبد الناصر مع تيارات الإسلام السياسي، كان الصراع علي من يمثل الدولة أكثر من الآخر. عندما بدأ الحديث عن الاشتراكية، تم إصدار الكتب التي توضح " اشتراكية الإسلام"..وعندما صدر قانون الإصلاح الزراعي كان قانونا متماشيا مع الإسلام..وهكذا. وكان عبد الناصر يعتقل الإخوان ويعذبهم في السجون ولكنه أيضا ينافسهم علي تمثيل الدين، وهو الأمر نفسه الذي فعله السادات، وأيضا عندما تم الغاء الاشتراكية كان ذلك باسم الدين. علي العكس من ذلك ما جري في المرحلة الليبرالية، عندما أراد الملك فاروق أن يتم تتويجه في الأزهر ويؤدي اليمين هناك، رفض النحاس باشا ذلك بشدة، وقال ينبغي أن تؤدي اليمين في البرلمان. الموقف واضح، ومدنية الدولة واضحة.
يضيف أبو غازي عن أسباب اعتباره يناير نقيضا لانقلاب يوليو: " نظام يوليو أمم الحياة السياسية والمبادرات المستقلة للأفراد والكيانات لتصبح تابعة للدولة، وأسس فكرة الطوائف، ليكون لكل طائفة كبير يتحدث باسمها. ثورة يناير كانت ضد ذلك بقوة، وأطلقت المبادرات المجتمعية والفردية، والكيانات المستقلة.
-4-
لم يُفاجأ أبو غازي بصعود التيارات الدينية في الانتخابات، لأن المتابع للواقع السياسي في مصر كما يقول- يعرف أن هناك سيطرة وتغلغلا لتيارات الإسلام السياسي، ما فوجئ به هو النسبة، كانت التوقعات لديه تشير إلي الإخوان يمكن أن يحصلوا علي 35٪ من مقاعد البرلمان، بينما تحصل التيارات السلفية علي 5٪ ولكن ذلك لم يحدث. أساله أين اليسار طوال السنوات التي كانت تحتل فيها القوي الدينية المشهد ؟يجيب: الخطأ الرئيسي لليسار أننا انشغلنا بالقضايا الكبري، واعتبرنا أن مناقشة القضايا اليومية للناس خطأ وانحرافا للفكر اليساري. شغلنا أنفسنا بالقضية الفلسطينية والقضايا القومية، وكامب ديفيد وتركنا الشارع. صحيح أن هذه القضايا هامة، ولكن ينبغي ونحن نهتم بها أن نوجد جذورا وقواعد في الأحياء الشعبية. تصور أن حيا مثل منيل الروضة خرج منه كل جيل السبعينيات اليساري وقيادات العمل الطلابي، هذا الحي بأكمله تحت سيطرة الإخوان. ماذا يعني ذلك؟ أننا فشلنا في أن نوجد لأنفسنا علاقة في مناطقنا السكنية. يضيف أبو غازي: وهذا أيضا خطأ القوي الثورية بعد ثورة يناير. منذ مارس كان بإمكانها أن تعمل في الشارع والمدارس والأحياء تدعو لمبادئ الثورة ولكنها ظلت في جبهة ميدان التحرير وحدها.
أساله: هل تري أن الثورة تمت سرقتها؟
يجيب: لا، هناك محاولات مستمرة لاحتوائها، وشيطنتها، والمباعدة بين الثوار وبين القطاعات العريضة من المواطنين. ولكن لا أظن أنها سرقت، هناك قوي استفادت من تاريخها في العمل في الشارع بينما القوي المدنية لم تستفد لأنها خضعت لحصار النظام السابق، داخل مقار أحزابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.