هل ابتعدنا خطوة عن الثورة؟ هل اقتربنا خطوة من الأمل. الثورة مخلوق يفوق في قوته كل الذين أتوا به. الثورة ليست الجنين الذي ينمو ببطء وبهدوء، إنه المخلوق الجاهز والمكتمل الذي يُبعث من التاريخ، كما خرجت حواء من ضلوع آدم. فقوة وفتوة وجبروت الثورة ليست مرتبطة فقط بلحظة ميلادها، ولكنها آتية من تاريخ طويل تربت " الثورة" في كنفه. إذا كانت "الثورة" ابنة الحظ للحاضر الذي نعيشه، فهي أيضا تستمد وقودها وحياتها من أصالة وجنون منبتها ونسبها، من تاريخ إحباطاتها وهزائمها وانتصاراتها، من تاريخ عدم اكتمالها، وزيفها، من تاريخ نبلها وصدقها، من تاريخ رعاعها ونبلائها. هذا هو لاشعور الثورة الذي نًفاجأ بذبذباته كل يوم في تاريخ الثورة المصرية والثورات العربية. في حوار مع صديقة بولندية عاشت في مصر عشرين عاما تنقب عن الآثار. قالت لي بعد أن امتدحت الثورة المصرية، أنها تشبه "صندوق باندورا". وباندورا هي المرأة الأولي في الأساطير الإغريقية، منحها زيوس كبير الآلهة صندوقا وطلب منها ألا تفتحه أبدا. فضول المرأة موجه صوب الصناديق المغلقة. فتحت المرأة الصندوق فخرجت منه كل شرور العالم التي كانت محبوسة تحت الغطاء، من كذب وخداع وأنانية، فسارعت بإغلاقه، فبقيت بداخله قيمة أساسية لم تخرج وهي الأمل، ظل قابعا في قاع الصندوق. الثورة توقظ لاشعور الشعوب، التي تجمع بداخلها بين مثاليات وتوق للعدل والحرية المطلقة. كذلك هناك جانب خفي، لاعقلاني، وحشي، تكون داخل هذا اللاشعور الجمعي، بسبب طول عهود الكبت والانكسار والمذلة. هناك عهد مضمر بالقصاص داخل لاشعور أي ثورة. هذا العهد لايلبي فقط متطلبات الإنسان والمجتمع في اللحظة التي خُلقت فيها الثورة، ولكنه يفرش سلطانه علي طول عهود الحرمان. الثورة تسدد فواتير قديمة. الثورة تخلق مجتمعا افتراضيا متكاملا، كما تخلق إنسانا افتراضيا متكاملا، ليعوضا مسيرة الإنسانية المخفقة. وهل هناك لحظة استثنائية يمكن أن تراودنا فيها الأحلام مثل لحظة الثورة؟ربما الاكتمال لايحدث إلا في غياب الحياة نفسها!! أتساءل مع الأسطورة: لماذا لم يخرج الأمل، هل لأن الأمل له مرتبة خاصة ولايجوز أن يخرج وسط الشرور حتي يخترع البشر بأنفسهم أملا يخصهم، وليس الأمل بوصفة دواء مستحيلا في روشتة طبيب، وكذلك ليس بوصفه أملا ربانيا. بالفعل إننا الآن نخترع أو نعيد صياغة الأمل، لنطرد الجزء الفاسد منه، الجزء المستحيل. بالنسبة لي نزع باندورا لغطاء الصندوق لايعبر فقط عن فضول المرأة، وإنما يعبر عن بداية رحلة المعرفة التي لابد منها. في البداية ستظهر الشرور ثم يتبعها الأمل. بالتأكيد هي رحلة شاقة. مثلما عصي آدم ربه فأمره أن يهبط إلي الأرض، وبدأت رحلة عذابه ومعرفته. جئنا إلي الحياة من ثنايا هذه الرحلة الشاقة. عندما نزعت باندورا غطاء الثورة، أعطت الإشارة لرحلة معرفة جديدة. إننا الآن نواجه كل سوءاتنا بوضوح. ولكن مايبقي من الأسطورة هو أن الصندوق سيظل مفتوحا، وسيخرج الأمل يوما ما. إن لم يكن قد خرج بالفعل ، وهو الآن يتجول بيننا ينتظر من يدعوه.