لم يتحمس الشاعروالناقد والصديق محمد بدوي.. وتساءل لماذا الجواهري .. وهو الذي قام بمدح الرئيس السوري حافظ الأسد (سلاماً أيها الأسد.. سلمت وتسلم البلد)..؟! والحقيقة أن الجواهري مدح أيضا الملك حسين في قصيدة شهيرة (يا سيدي أسعف فمي).. ومدح الملك فيصل الأول ملك العراق، وعمل في بلاطه ثلاث سنوات (1927-1930)، ومدح عبد الكريم قاسم وكان قريباً منه، ومدح القائد البريطاني مونتجمري في قصيدة (تونس)، ومدح العديد من الحكام، لكنه ظل شريداً منفياً شأن معظم العراقيين من مدينة إلي مدينة.. أقام في براغ سبع سنوات، وأقام في إيران، والأردن، ومصر، ولبنان، ولندن، سُحبت منه الجنسية العراقية، ثم أعيدت له، ظل لاجئاً سياسياً في دمشق حتي وافاه الأجل.. وفوق قبره بدمشق غطت خارطة العراق المنحوتة علي حجر الجرانيت وكلمات (يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير).. قبل عشرين عاما في شارع أبي نواس في بغداد ، سألت السائق: هذا دجلة؟ راح يردد قصيدة الجواهري كاملة: حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين. في بغداد أيضاً، كنت أحضر عرضاً مسرحياً عن المتنبي، أدهشني الرجل الجالس خلفي، كان يردد القصائد جميعاً، يحفظ المتنبي كاملاً (!!).. في طفولة الجواهري كان عليه أن يحفظ كل يوم، خطبة من (نهج البلاغة) وقصيدة للمتنبي، وكان أبوه يمتحنه فيما أنجز! الجواهري ابن الفُراتيْن (ابنه والنهر) وثالثهما، كما يحب أن يُسمي، وهو أيضاً ابن الكوفة والنجف الأشرف، تماماً كالمتنبي الذي مدح أيضاً الحكام والأمراء وعاش من منفي إلي منفي، الخيل والليل والبيداء تعرفه ، مدح كافور الأخشيدي حاكم مصر، لكن كافور رحل، وبقي المتنبي علامة في الشعر العربي ... ورحل كل الحكام، وبقي الجواهري، المتنبي الثاني أو متنبي العصر الحديث كما يصفه النقاد، علامة أخري في تاريخ الشعر العربي.. عاش قرناً من الزمان (1899-1997) عصياً وصعباً ومتمرداً، ورغم المدائح والحكام فقد كانت قصيدته عصية علي التدجين، وكان الشاعر المشغول بالشعر وحده، وكرامة الإنسان، كان مشروعه الشعري مشروعاً نهضوياً وجمالياً بالأساس.. هي الذكري الثانية عشر بعد المائة لميلاد الجواهري، أو هي الذريعة التي ندعيها لنحتفل بالجواهري قيمة شعرية عظيمة في ثقافتنا العربية.. لا تعجبوا أن القوافي حزينة فكل بلادي في ثياب الحداد وما الشعرإلاصفحة من حياتها وما أنا إلا صورة لبلادي