أ _ حارة المغاربة هل سيقدرُ ذلك المُتحف، "متحف حائط المبكي"، أن يسلّم علي سُنُونوّةٍ، أو يُصافِحَ البحر الأبيض المتوسّط الذي صافحه قدموس وعُوليس؟ هل سيعرف كيف يُحيّي امرأةً تسمّت أوروبّا باسْمِها؟ سَلامٌ عليكِ، أيّتها الخطوات البشريّة التي تحوّلت إلي عُمْرانٍ كأنّه الطّبيعة. حَقًّا، للتاريخ طبقاتٌ سُفْلي. والغبارُ يستهزئ بحقائقِ الماء. وما هذا التّاريخ الذي يَجهل الفَرْقَ بين الدّمع والحِبْر، وبين المسمار والحَرْفِ الأبجديّ؟ حَفْرٌ في الرّأس، لا في التّراب. زياراتٌ لأطياف وَحْيٍ غير مكتوب. زبَدٌ يُطيح بعرش الماء. يا لهذا النّظام الذي لا ينهض إلا علي أشلائه. بين بِرَكِ سليمان تبحر سفينةٌ لا من الغرب لا من الشّرق. من هباء المعني. تَبرّكوا بهذه البِرَك. لا مرفأَ في حارة المغاربة إلا في اللّغة _ جرحاً مفتوحاً، كشعر أيوب. قل لي، يا شعر أيوب: السّجن، التّنكيل، التعذيب، التجويع، الطّردُ، النّفي، القتل _ أهذه هي حَقّاً تلك الملاعق التي تركتها علي موائدك الكريمة العالية؟ ب _ أغنية رَجلٌ عاشِقٌ قَيْدهُ زوجةٌ في نقابٍ، طفلةٌ في حجابٍ ولحمٌ حَلالٌ. فندقٌ مطعمٌ، ومقهي، وجَبّانَةٌ. لا تناقُضَ إلاَّ بين تُفَّاحَةٍ وابْنِ رُشْدٍ. أيّتها المائدة التي يرتجف تحتها صدر الأرض، تضوّري جوعاً إلي ملعقةٍ تخرج الآنَ من جوف حوت، وإن شئتِ إلي الحِبْر، ذلك الوَحْل الملائكيّ. بالألوانِ تطمئنين التّاريخ. ترسمين لوحةً للعَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ. للبحر الذي فتح فخذيه لكي يعبر بينهما التائهون. للجبل الذي استضاف نوحاً وطوفانه وفُلْكه. لِلرّعب الذي لا تَتّسع له أيّة لوحةٍ ويَسْخَرُ من جميع الألوان. تضوّري، تضوّري جوعاً أيّتها المائدة. ج _ تأمّلات ماذا يقول الأطفال لهذه الكرة التي يُدحرجونها والتي سَمّوها الحياة؟ كيف يُمسكون بالعالم والقيود كلّها تُحبك حول أعناقهم، منذ نشوئِها في مِنْجَم الغَيْب. آثارُ وَحْيٍ تتموّج في شعر أيّوب. جنانٌ. أنهارُ عَسَلٍ. وِلْدانٌ. بقايا كتُبٍ محتها الكتابة. إلي الساحة، أيّها الجنود الملائكة. القادة يسبحون في غبار سَراويلهم. الستارة سوداء، ولا ضوءَ تُمسك به النّوافذ. د _ رواية لم أرَ القمرَ مرّةً يقاد مخفوراً إلي مرفأ الكتب السّماوية كما رأيته ذلك اليوم. كان كمثل حصاةٍ تُفرك بين الأصابع. لا هذه التي تزدهي بها اليدان، بل تلك التي تتوّج القدمين. وكان يجلس مُنهكاً في لباس العمل كأنّه رضيعٌ فصلته أمّه الشمس عن ثدييها. وكان يحيط به شِعرُ أيّوبَ، القَبْلُ والبَعْدُ، الغضروف والعَظْم في سُرادقٍ من طيور الجنّة. قِشْرُ تُفَّاحةٍ تنزلق عليه قدَمُ حوّاء. هَتفَ الزّقاقُ: - "أين القوسُ، أيّها البارئ؟"، ولم تكن العَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ تعرف أنّ كلّ زقاقٍ في القُدْسِ مستودَعٌ لدعاءٍ يناقض بعضه بعضاً. أو أنّ الصلواتِ التي تعرج علي سُلّمها الخاصّ مُلقّحةٌ بأنين أصواتٍ مِمّا قبل الطّوفان. ه _ أُغنية ما الذي يقرأ الدِّينُ أو يكتب الشّعر، إن قَصَمَ الغيبُ ظَهْرَ البلادِ، و"زُلْزِلَت الأَرضُ زلزالها"؟ - وَهِيَ الأَرضُ، كوكبُ أيّامنا الشاردَهْ: الملائك فيها، وشياطينُها والألوهةُ _ مرموزةً ومحسوسةً، رَحِمٌ واحدهْ؟ و _ خبر تلميذٌ يعبر حاجزاً. - دَنَّس ما لا يُدَنَّس. - يكفيه السّجن إلي أن يلاقي فيه الشَّيخوخة. رائحة دَمٍ في الزّقاق يتدفّق منذ الطّوفان. يخضع التدفّق إلي فَحْصٍ مدنيّ وإلي رقابةٍ عَسْكريّة. لا يفيد العطش إلي المعرفة إلاّ إذا كانت خوذةً. علي جَبَلٍ من القمامة تَرْقُص الذرَّة. جيشٌ إلكترونيّ يقوده مَلاكٌ أحمر. وكلّ آلةٍ آفة. ز _ قول لم أرَ القمرَ يقاد مخفوراً إلي مرفأ الكتب السّماويّة، كما رأيته ذلك اليوم. كان كمثل حَصاةٍ تُفرَكُ بين الأصابع. لا هذه التي تزدهي بها اليدان، بل تلك التي تتوّج القدمين. وكان يجلس مُنْهكاً في لباس العمل كأنه رضيعٌ فصلته أمّه الشمس عن ثدييها. وكان يحيط به شعر أيوب، القَبْلُ والبَعْدُ، الغُضروف والعظمُ في سُرَادقٍ من طيور الجَنّة. قشْرُ تُفّاحةٍ تنزلق عليه قدم حواء. إلي أيّ جدارٍ تُشير، يا شعر أيّوب؟ هذا الجدارُ يصعد من رَمْلٍ لم يحدث مرّةً أن صارَ مَتَاهةً. حدث أن صارَ شَرْعاً. واختلطَ فيه ذهَبُ القوانين بفضّة الهياكل. ويهبط ذلك الجدارُ من ناطحاتِ كواكبَ لم يحدث مرّةً أن صارت أفقاً. حدث أن صارت أسلاكاً شائكةً، وطيشاً في رأس الهواء. للجدار أكثر من حياةٍ داخلَ هذه الفانية _ الدُّنيا. غيرَ أَنّه في الآخرة الباقية مجرّد قميصٍ عسكريّ، يحرسُ مأوي يَغَصُّ ببشَرٍ يعذّبهم جَلاّدون إِلهيّون. قلَقٌ في شِقٍّ شماليّ من الجدار. مع ذلك، تظلّله كلماتٌ تعرف الغيب. يظلّله كذلك نومٌ يكاد أن يكونَ يَقظةً. وتجرؤ الشمس فوقه أن تعترفَ بأنّها شَيّخَت. وأَنّ لها في ظِلّه نافذةً تُطلّ علي المتوسط _ البَحْرِ، لا توسُّطَ فيها: إمّا القَبْرُ، وإمّا السَّماء. لكن، ما أقربَ القبر، وما أبعد السّماء. ماذا أقول؟ كلاّ، لم تعد هناك سماء: السّينُ سيفٌ، والميمُ موتٌ، والألفُ أبوّةٌ، والهمزةُ فراغ. ح _ أسئلة أسألك، يا شعر أيّوب، كيف يقيم جسراً يَصل بين طرفين، شخص لا يري إلاّ طرفاً واحداً؟ وماذا تقول امرأةٌ تتغطّي بحجابٍ من القطن أو الحرير، لامرأةٍ تتغطّي بحجابٍ من الفولاذ؟ (...) "من الأمم الذين حواليكم تقتنون العبيدَ والإماءَ، وتَقتنونهم أيضاً من أبناء الغرباء المقيمين معكم ومن عشائرهم الذين عندكم، المولودين في أرضكم. هؤلاء تأخذونهم لكم، وتُورِثُونَهم لبنيكم مِن بعدكم ملكاً لهم، فيستعبدونهم ما داموا أحياء..." (اللاّويين 25: 44 _ 64) وأسألكَ أخيراً: ما تكونُ بلادٌ يديرها القتل، أو تؤسّس لها الجريمة؟ (...) "ويلٌ لمن يبني مدينةً بالدّماء، ويؤسّسها بالإثم". (حَبقّوق، 2: 12) ط _ أسئلة أخري حين أقرؤكَ يا شعر أيوب، أري كيف تتأرجح فيكَ وتتكسّر هذه القصبة التي تُسمّي الإنسان. أليس الآخر نبضَ اللانهاية فيك؟ أليس ذاتكَ الثانية؟ أين آخَرُكَ يا شِعر أيوب؟ ولماذا لا تكفّ عن مَحْوه؟ كأنّك لا تكفّ عن مَحْوِ نفسكَ، أنتَ أيضاً. أأنتَ سفرٌ إلي الأطراف القُصوي؟ إذاً، أنتَ والآخَرُ واحد. أين آخَرُكَ يا شعر أيوب؟ ،