.. انتباه.. لا تري ولا تسمع ولا تتكلم .. خطوة خطوة مع زملائك.. من هدف إلي مدق.. من خيمة إلي خلاء.. من نار إلي نار أشد.. الطاعة، لا تسأل ولا تعارض، ولا تندهش.. .. ما وراءه وأمامه.. ضعفاء يتبعون جهل أنفسهم.. الطعام هو ما يقدم لك.. الجو والمكان والزمان.. نعمة كبيرة.. الغد سيأتي .. حتماً سيأتي .. وحسب التساهيل، كلما قابلت شرخاً عالجه.. العمر والرزق مكتوب علي الجبين لا يراجع. السكوت أمام ما يحدث دليلك.. أحدا لن يلتفت لمخلوق. اتركه يعوي ويتلوي ويلف رأسه بذراعيه وركبتيه.. جلدك من رصاص مطاط.. أمك كانت تهز النخلة وحدها.. من نسلها جئت. .. في وادي الجن زرعت نخلتي.. بالكاد زنقتها في حفرة بكوب ماء.. حفرة برميلية بطول قامتي.. هم زرعوا لانفسهم حفراً بأطوالهم.. نخلات باسقات.. انتباه.. كل من يسمع أسمه يقف علي يميني.. كل الأسماء وردت.. سرنا في طابور طويل.. قالت نملة .. عيني عليكم.. في ممر يشبه المستشفي ورائحته.. في صفين أمام بعض.. أخلع جميع ملابسك بالكامل وضعهم تحت قدميك .. كيف ؟ فاهم .. الحزام والقميص.. للأخر .. يا رب توبة.. ثلاثة أطباء لم يناموا ليلهم.. رفعنا ساقاً بعد ساق والأذرع والاستماع إلي دقات القلوب، والأسنان، والأبصار في غرفة قريبة.. الفلات فوت لا يهم.. نحن في حالة حرب وبناء جيش. في حضرة اللامبالاة والخضوع.. تستدير الرؤوس داخل كرتونه حذاء باردة وصارمة.. في غرف صماء بلون واحد .. مكتظة بالبشر والأشياء .. طريق للتخلص من بواقي الهدوء. أسرعنا إلي ما تحت أقدانا نرتدي حياءنا الذي هزم لأول مرة. - عرفت ليه خسرنا الحرب؟ - فاهم قصدك.! - لا أنت .. ولا هو .. فاهمين صح.. - وأنت فاهم حاجة؟ - يعني - قل - يقولون تجنيد الجامعيين يتم في وقت قصير لقدراتهم.. وأنا باعتباري خريج طب الإسكندرية هذا إجراء روتيني والكل لازم يخدم. - وأنا يا محترم.. باعتباري انسان محترم جداً .. لا أقبل هذه الأهانه العلنية. - .. للضرورة أحكام - .. قل تحكم وسيطرة وإذلال .. في صالون الحلاقة.. حكيت الألم وهو يجهزني للميري بالزيرو.. واقترح الاستغناء عن أصبع السبابة في الذراع الأيمن.. وتحصل علي غير لائق طبياً.. وما فائدة السبابة .. سناده لكف اليد.. والمبلغ للطبيب زهيد جداً أسال روحك وشاور وأنا تحت أمرك.. لم تمر أمامي منذ زمن .. مرورا تشخيصياً .. هناك حيث صعدت إليه تنعم بالصحبة وصفاء الزمن.. أوصتني كثيراً علي نفسي.. وأوصت الله علي، لتضمن لي العمر الطويل بعد أن حصد المرض أشقائي الذكور صغاراً .. - ما هذا الصراخ؟ - طبيعة القطارات المزدحمة.. - قطارنا حربي.. بدون مدنيين. - يعني أيه؟ - أوقفوا القطار.. أقفوا القطار .. زميل سقط من النافذة.. - القطار الحربي.. ممنوع يقف لأي سبب إلا في محطة الوصول..! .. بكائيات الطريق الذاهب إلي وادي الجن في قطار حربي مجنون.. لا يسمع إلا صوت نفسه.. لا يقف .. ولا يرحم .. خرج علي مقتضي الجنازات .. الانتحار وارد، والجريمة نتوارثها منذ تنفيذ حكم دنشواي.. كتل شاهقة من الجبال السوداء.. دخلنا أرض اللواء بوادي الجن.. صحراء وشمس وجبال .. انعدام اللون الأخضر نهائياً.. أصابني بالتواء في عيني وفمي.. .. مضي القطار إلي حاله كل يحمل بقايا الطعام والشراب.. العدد أكثر من أربعة الآلاف.. لأول مرة .. عبرت المزلقان وأنا أبحث عنه.. لم أجد نفسي.. شعر أنه باهت، غير معروف، غير محدد.. مجرد رقم في أول نوبة صحيان عند الفجر.. افزعني العريف (عرفة) عندما سألني عن أسمي ورقمي.. ردوا عليه .. فقال .. الإسكندراني من أصحاب المزاج؟ .. لم يردوا عليه .. فهمهم متوعداً مثل لبؤة الأسد عندما تخسر صيداً .. .. أنصرف معهم الثانية ظهراً للطعام والغسيل والراحة.. كل أثنين في حفرة طويلة بعمق نصف متر أو متر حسب حجم الجسم.. تتسع لرقاد شخصين الواحد عكس الأخر.. حذاء كل في وجه الثاني.. وتغطي الحفرة بقطعة من المشمع الملون مثل الصاعقة .. ليلاً نحكم الغطاء بعدد من الحجارة علي الأجناب حتي لا تنزلق الفئران الجبلية علي وجوهنا : العميان من الفئران دائماً تسقط نطردها لتعود.. لم أجد حلاً.. حتي مدينته الساحلية حكي لها في صمتها. وكأنها: ترد عليه، الحرب هو لعبة الموت.. جاء ليلعب .. ويلعبون معنا.. كان لدي شئ أريد أن أقوله.. ونسي وهو ينظف رشاشه بعد ضرب النار الميداني.. العريف (عرفة) وضعني علي رأس خوذته .. لا يهدأ ابدأ من تتبع نتائج تدريبي.. وينتظر تسليمي إلي غرفة السجن كبداية لنهاية.. غبي.. من أعماق الريف الساذج.. ذو ملامح طفولية خادعة ودهاء محدود، لكن صبره بلا حدود.. حيث يمكن أن تقف ثلاث ذبابات جبلية تهرش أرنبة أنفه مدة دون حراك.. علامته المسجلة لدي كل الزملاء الذين تأكدوا أن هذا التحمل ينبغي أن يسجل عالمياً من النوادر. .. الدوران أثناء النوم علي الجانبين .. مستحيل.. يخطئ من يفعل.. فيضرب وجه الأخر بحذائه.. ليظل كابوس الموت عالقاً يحاصرني طول الليل.. فتح فمه وأفصح عن بياض عينيه وترك الموت يحاصره.. يصرخ فجأة.. في انهيار الأتربة عليهما طرود لمرور مدرعة بالقرب.. ويدور مجنوناً حول نفسه .. أنا كل ما كان.. - أليس هناك من حيلة..؟ - أرجع لعقلك .. قبل فوات الأوان.. - ساعدني في فكرة .. تخلصني من هنا.. - .. الخوف من العقارب وكل ما يدب ويزحف.. تريث يا صديقي.. عما قريب قد نجد العون في عضة ثعبان أو لدغة عقرب.. أو سقوط طائرة من الأعداء .. ضروي تخسرنا بلدنا .. أو نفقد مصر..؟ لا يوجد راديو أو تليفزيون أو صحيفة.. ممنوعون من الاتصال بأي مخلوق .. لا توجد دورات مياه .. مثل القطط والكلاب الضالة .. نروح ونجئ من البعاد .. كتبنا رسائل للأهل وأخذوها لإرسالها بالبريد العادي . نعم كتبت لأطمئن علي أبني الطفل وأمه وأبي وأمي.. أشعر أني بدون مفتاح .. أنفذ الأوامر كأني قطعة شطرنج .. كحيوان لا يفكر ولا يعقل .. كل من حولي يأملون في عضة ثعبان .. ذراعيك وسادة .. العريف (عرفة) لا يتفوه ابدأ بكلمة طيبة أو رديئة أو أياً من كانت.. - عثرنا علي كنز .. يا عريف ( عرفة). - أخرس أنت وهو .. أمنع الكلام.. - خطاباتنا ملقاة في حفرة عميقة تحترق في النار.. أوجاعنا إلي الأهل - مكانك أنت وهو .. ثابت.! - .. كان مجيئك لهذا المكان حقاً في أوانه .. ينحني بتردد استجابة لنداء رفيق النوم في الحفرة (الهايك) وبصوت محبوس.. لا حياة لمن تنادي،