تعرض سورة البقرة حوارا دار بين الله -سبحانه- وإبراهيم- عليه السلام-: »وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي قال أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا وأعلم أن الله عزيز حكيم« (البقرة:062)، وهذه الآية سبقتها رواية قرآنية تحكي حواراً بين إبراهيم والنمرود (حاكم بابل)، إذ قال إبراهيم : »ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر« (البقرة: 852)، إن حوار إبراهيم مع النمرود يدل علي إيمانه بقدرة الله علي الاماتة والإحياء، ولكنه في حواره مع الله سعي لأن يترقي من (علم اليقين) إلي (عين اليقين) بالمشاهدة، ومن ثم كان سؤاله عن كيفية الإحياء، لا عن الإحياء نفسه: »كيف تحيي الموتي«. والإجابة الإلهية علي إبراهيم سبقها تمهيد: »أولم تؤمن« وكانت إجابته: »بلي ولكن ليطمئن قلبي«، أي أنه مؤمن، لكنه أراد ان يترقي في هذا الإيمان بالمشاهدة، كما سبق ان ذكرنا وقد أجابه الله عن سؤاله بالدليل المشاهد: »فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعيا«. وقوله تعالي: »فصرهن إليك« أي: اوثقهن، ثم تبع ذلك ذبحهن، وجعل علي كل جبل جزءاً منهن، ثم أمره الله ان يدعوهن، فأتينه سعيا، بعد ان اكتملت اجزاؤهن، واكتملت لكل طائر أجزاؤه ، وجاءه مشيا، وهذا كله إجابة عن الكيفية. وهنا نتوقف أمام هذا الحوار المعجز، لندرك ان حق السؤال أمر مشروع لكل إنسان، دون أن يكون في السؤال تطاول، أو إسفاف، وعلي المسئول البشري أن يجيب ويقنع، حتي تكون الاستجابة لسلطته قائمة علي الإقناع، لا علي القهر والتسلط. ولنعرف عمق إيمان إبراهيم، نستعيد هنا مارواه القرآن عن قصة الأمر الذي جاءه بذبح ابنه إسماعيل: »فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم« -(الصافات: 101-601)، وهذا العمق الإيماني، لم يحل بين إبراهيم والسؤال عن كيفية إحياء الموتي.