إن المعني الحقيقي لكلمة النبوة وأصل معناها في كلام العرب هو رفعة المنزلة، وليست وظيفة كما يظن معظم الناس، ورفعة المنزلة إما أن ينالها الشخص بقدراته الشخصية، أو إمكاناته المادية، وإما أن يكتسبه شخص ما بفضل اصطفاء الله له برسالته سبحانه فيصبح في هذه الحالة رسولا نبيا. وكما سبق وأن قلنا، قد ينال الشخص منزلة رفيعة بماله أو جاهه أو سلطانه أو قدرة تأثيره في الناس أو سطوته عليهم. أما رفعة الله لشخص ما، فتلك النبوة لله، أي منزلة لا ينالها العبد من جاهه وماله وسلطانه بل يكتسبها بعلم الله وحكمته والرسالة الربانية، فيرتفع بها الشخص إلي أعلي درجات السمو الإنساني، ويتنحي عن جميع مهاوي الانحطاط الإنساني، هذا هو الفارق بين رفعة منزلة البشر المستمدة من قدرات الشخص نفسه أو قدراته المادية كالمال والجاه والسلطان، وبين نبوة ورفعة منزلة البشر المستمدة من رسالات الله وعلمه وحكمته. معني النبوءة بالهمزة: أما النبوءة بالهمزة فهي من نبأ، ونبأ جاء أصل معناه كالتالي: النون والباء والهمزة قياسه الإتيان من مكان إلي مكان. ومن هذا القياس النبأ: بمعني الخبر، لأنه يأتي من مكان إلي مكان. ومن همز كلمة النبي من القراء وجعلها النبيء، فقد جعله بمثابة المخبر عن الله. لكن كلمة النبي لم تأت بالهمز إطلاقا في القرآن، وقد ذكرت في بعض القراءات المسماة بالقراءات السبع التي تخالف خط المصحف الموجود بين أيدي المسلمين في العالم منذ وفاة الرسول وحتي الآن. كذلك إن من الاعتقادات الخاطئة لدي الغالبية العظمي من الناس، أن الأنبياء والرسل قد خلقهم الله ليكونوا أنبياء ورسلا فقط، لا خيار لهم ولا إرادة في ذلك، أو بعبارة أخري يعتقد معظم الناس أن الأنبياء والرسل قد برمجهم الله علي الإيمان به وبرسالاته، أو قد أنزلهم الله من السماء، أو خلقهم علي صورته، فلا يمكن أن يكونوا غير أنبياء ورسل، ولا يمكن أن يكونوا غير مؤمنين بالرسالات إيمانا راسخا لا يتزعزع، وأن الأنبياء والرسل لابد وحتما أن يؤمنوا بالرسالات فورا ودون تردد، ولا بد أن يمتثلوا للرسالات امتثالا أعمي دون تردد أو مناقشة. هذه كلها اعتقادات خاطئة، لأنها تجعل الأنبياء والرسل أناسا مسلوبي الإرادة، لا خيار لهم ولا مشيئة، وكأنهم دمي في يد الله يحركهم كيف شاء. هذه الاعتقادات الخاطئة والمنحرفة يعارضها القرآن الكريم جملة وتفصيلا، بل إن ما ورد في القرآن الكريم يثبت أن الأنبياء والرسل كانوا بشرا مخيرين، لهم إرادة حرة ومشيئة حرة، كانوا هكذا منذ أن جاءتهم النبوة والرسالة، وظلوا هكذا حتي اليوم الأخير من حياتهم، فنري مثلا أن نوحا عليه السلام قد عاتبه الله حينما حاول أن يشفع لابنه الكافر، فرد الله عليه قائلا: (قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين) (هود-46) وإبراهيم عليه السلام حين طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتي ليطمئن قلبه، فأجابه الله إلي طلبه، قال تعالي: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيي الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَي وَلَكِن لِّيطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَي كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يأْتِينَكَ سَعْيا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (البقرة-260). وموسي عليه السلام حين طلب من الله أن يراه فرد الله عليه قائلا: لن تراني، قال تعالي: (وَلَمَّا جَاء مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَي صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ). (الأعراف-143).