لقد جاءت الآيات القرآنية التي حكت حوار موسي - عليه السلام - مع الله - سبحانه - مسبوقة بتمهيد، علم فيه موسي أن رؤية الله محالة في الحياة الدنيا، وذلك عندما توجه إليه قومه قائلين: »واذ قلتم ياموسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون« (البقرة: 55)، ويبدو أن موسي ظن أن هذه الرؤية ممكنة للأنبياء والمرسلين، فاتجه إلي الله ملتمسا رؤيته: »ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين« (الأعراف: 341). وهذه الآية تؤكد ما سبق أن ذكرناه عن استحالة رؤية الذات الإلهية في الدنيا، سواء في ذلك البشر عموما، والأنبياء خصوصا، وعندها أدرك موسي أنه طلب المحال، فأعلن توبته. لكن الملاحظ أن الله لم يقل لموسي إن رؤيتي محالة، وإنما قدم له الدليل الحسي علي استحالة الرؤية، إذ أوضحت الآية أن الجبل مع ضخامته وصلابته وثباته، لم يتحمل هذه الرؤية، فمن باب أولي لايستطيع الإنسان تحملها. ويستمر الحوار السماوي مع موسي عند تكليفه بالذهاب إلي فرعون ودعوته للايمان بالله الواحد، وهنا نجد درسا سماويا بالغ العظمة، إذ ان موسي لم يتقبل التكليف علي الفور، وإنما التمس من الله أربعة أمور حتي ينجح في مهمته الإيمانية، الأمر الأول: »رب اشرح لي صدري« والثاني: »ويسر لي أمري« الثالث: »واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي «الرابع: »واجعل لي وزيرا من أهلي هارون اخي« (طه: 42 - 03) وكل التماس من التماسات موسي قرنه بمبررات التماسه. وهذا الحوار السماوي يقدم درسا عظيما لأهل الأرض جميعا، وهذا الدرس يتمثل في تكليف بعض الناس بمهمة، أو وظيفة، أو تحمل مسئولية من نوع ما، فإن علي كل منهم أن يحدد الأدوات، وأن يحدد المعاونين الأكفاء الذين يساعدونه في انجاز المهمة الموكولة إليه، لا أن يسرع بقبول العمل، وأداء المهمة، وهو يعلم أنه لن ينجح في مهمته دون توفر كل ما طلبه، وهذا غير ما نشاهده في حياتنا العامة، إذ يسرع المسئول بقبول المهمة أيا كانت، ومن ثم تكون النهاية فشل هذا المسئول، لأنه نسي قول الله »لايكلف الله نفسا إلا وسعها« (البقرة: 682).