شاعر وفنان تشكيلي وناشط سياسي من جنوب أفريقيا وأحد أهم شعراء القارة السمراء. تبني مواقف قوية ضد التمييز العنصري في بلاده منذ الستينيات رغم كونه من الأقلية البيضاء، كما يؤيد القضية الفلسطينية بحماس كبير. كتب أغلب أشعاره بلغة "الأفريكانس"؛ لغة المستوطنين في جنوب أفريقيا، وهي مزيج من الهولندية ولغات أوروبية أخري إلي جانب لغة السكان المحليين. اختار الكتابة بهذه اللغة، رغم أنه يكتب بالانجليزية، كموقف سياسي ضد التمييز العنصري، وهو يُعتبر أميراً للشعراء الذين يكتبون بهذه اللغة في عدة دول جنوبي القارة السمراء. نال شهرة عالمية كفنان تشكيلي مُتميز، أقام عشرات المعارض في عديد من مدن أوروبا والولايات المتحدة، وجنوب أفريقيا، كما يشتهر كشاعر من طراز فريد، تُرجمت أغلب أعماله إلي لغات عديدة. ولد "بريتن" في "بونيفيل"عام 1939، ودرس الفن التشكيلي بجامعة "كيب تاون"، إلا أنه لم يتمكن من البقاء في جنوب أفريقيا بسبب مواقفه من سياسية التفرقة العنصرية. سافر إلي فرنسا في مطلع الستينيات هرباً من اضطهاد الحكومة العنصرية، وتزوج سيدة فرنسية من أصل فيتنامي؛ مما حال بينه وبين العودة إلي وطنه، لأن القانون في جنوب أفريقيا كان يحظر زواج ذوي البشرة البيضاء من الملونين، ويعتبره جريمة، كما وجهت إليه حكومة جنوب أفريقيا تهمة الإرهاب. كان يزور وطنه سراً من حين لآخر، وفي إحدي هذه الزيارات عام 1975، تم إلقاء القبض عليه ومُحاكمته بتهمة الخيانة العُظمي وحُكم عليه بالحبس سبع سنوات. أثار حبسه موجة تعاطف عالمية، ومُطالبات بالإفراج عنه من كبار أدباء ومثقفي العالم. وبعد عامين، قدمته الحكومة إلي المُحاكمة مرة أخري بتهمة الإرهاب، لكن المحكمة لم تجد دليلاً علي ذلك الاتهام، واكتفت بتغريمه خمسين دولاراً لقيامه بتهريب قصائده إلي البلاد. وعندما أُطلق سراحه عام 1982، سافر إلي فرنسا مرة أخري وحصل علي الجنسية الفرنسية ليتمكن من زيارة وطنه. وبعد تغير الأوضاع في جنوب أفريقيا، وانتهاء نظام التفرقة العنصرية، تمكن من العمل كأستاذ زائر بجامعة "كيب تاون" منذ عام 2000، إلي جانب عمله بجامعة نيويورك، ومعهد "جوري" بالسنغال.أصدر "بريتن" سبعاً وعشرين ديواناً حتي الآن، وكان ديوانه الأول "علي البقرة الحديدية أن تكدح" عام 1964، هو أول ديوان من الشعر الحديث يصدر بلغة الأفريكانس، وبالطبع لم يتبع قواعد الشعر التقليدي الشفاهي بهذه اللغة. اعتبر النقاد هذا الديوان خطوة رائدة للشعر بهذه اللغة، كما كانت خطوة رائدة علي المُستوي السياسي كذلك. وهو يري أن دور الشعر هو الاهتمام بما أغفله التاريخ؛ علي المستويين الشخصي والجماعي. ومن أشعر دواوينه الشعرية "حفنة من الريش" عام 1996، و"صياد الرياح" عام 2000، وديوان "حوار بدوي مع محمود درويش" عام 2009 عن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش؛ فقد كانت تربط بينهما صداقة قوية. كما أصدر أربع مجموعات قصصية منها مجموعة "الشجرة خلف القمر" عام 1974، وثلاث راويات: "أن تطير" عام 1971، و"موسم الجنة" عام 1980، و"ذكريات الثلج والتراب" عام 1987، هذا إلي جانب عدد من الكتب التي تضمنت مقالاته ومذكراته عن السجن والمنفي منها كتاب "العودة إلي الجنة" عام 1992، و"شخص غريب حميم" عام 2009، و"الاعترافات الحقيقية لإرهابي أبيض البشرة" عام 1985. نال "بريتن" عدة جوائز منها جائزة "رابورت" عن مُجمل أعماله الشعرية عام 1986، وجائزة "ماكس جاكوب"، وجائزة "محمود درويش" عام 2011 مناصفة مع الروائية الكبيرة "أهداف سويف". عالمه الشعري عالم ثري ومتنوع، تلون بتجربته السياسية الطويلة ونضاله ضد التمييز العنصري، وحياته في المنفي وتعرضه للمطاردة، وحبسه الانفرادي لفترة طويلة. يُقسم النقاد أعماله الشعرية والسردية إلي ثلاث فترات، هي: فترة المنفي، وفترة السجن، وفترة فقدان الهوية؛ إذ عاني "بريتن" أزمة هوية في سنوات طويلة من حياته، حين كان عليه التخفي والهرب واستخدام أكثر من اسم وهوية وعنوان حتي وصل به الأمر إلي أنه كان يسأل نفسه: "من أنا؟". ومن المُلاحظ أن القصائد التي كتبها عن فترة المنفي فلسفية الطابع (هناك رحالة منذ قديم الأزل، فلماذا يحزنك المنفي يا صديقي)، بينما قصائد السجن ذات طابع وجودي، وتعكس فقد الإحساس بالعالم: (أشك/ أن هناك دولة/ خلف جدران هذه المتاهة). أما قصائده في فترة فقدان الهوية يفتقر إلي التحديد في قصائده بسبب تلك السنوات، وأنه يكتب عن مواقف غير مُحددة الأشخاص أو المكان أو الزمن. كانت فترة السجن هي أكثر فترات إنتاجه خصوبة، فقد تمكن بفضل وضعه كشاعر بارز من الحصول علي الأوراق والكتب داخل السجن، وحرص علي الكتابة يومياً لتسجيل ما يمر به من مُعاناة في الحبس الانفرادي، وحتي يحافظ علي ذاكرته وإدراكه بالزمن وبالعالم من حوله. وكانت قصائده في تلك الفترة تتسم بالخيال الجامح والخلو من الإشارات الزمنية والمكانية، وكثرة استدعاء الماضي. قصائد تفتقر إلي التماسك؛ كأنها أفكار شاردة أو ذكريات مُراوغة أو أحلام غائمة. قصائد تحتشد بالرموز المُركبة؛ في قصيدة "تسللت إلي جسدك اليوم"، ليس هناك دليل حاسم علي الموقف في القصيدة: هل هي مجاز لاقتحام الحبيبة أم سرد لتجربة التسلل إلي الوطن؛ التي عاشها الشاعر بالفعل. نحن أمام قصائد تعتمد كثيراً علي أعضاء الجسد البشري في تكوين الصور البلاغية؛ فليس أمام الشاعر السجين في حبس انفرادي سوي جسده ليتحاور معه ليلاً ونهاراً. لغة القصائد شديدة الاختزال والكثافة؛ لا تحترم قواعد اللغة أو منطق الكلمات أو بنية الجملة، كأنها أنات خافتة ونشيج مكتوم، وبرقيات تعكس وجع العُزلة والشوق إلي الماضي، والجوع إلي العالم.