تسعة عشر بورتريها رسمتها الكاتبة إيناس حليم في كتاب "تحت السرير"، لتضيء بها روح القارئ الشغوف بالحكايات المكتوبة بالعامية المصرية. حواديت من قلب مصر تحكي عن الإنسان الباحث عن ذاته من أقصي الجنوب في النوبة، مرورا بالصعيد حتي أقصي الشمال، مدينة الإسكندرية. الأنثي محور بارز في الكتاب الصادر عن دار كيان للنشر والحاصل علي منحة المورد الثقافي عام 2014. إلا ان كتابات إيناس حليم لا تنتمي للأدب النسوي بقدر ما تنتصر للمشاعر الإنسانية. الحكايات التي بدأت من النوبة لتحدثنا عن الحفيدة التي كانت تذهب مع جدتها الحنانة لمنزل العروس."قبل ما تموت كانت حاطه كف مريم في برطمان إزاز ملياه ميه وساندة بيه باب أوضتها.. أخدته حطيته تحت سريري.. أنا عارفة إن كفها طيب هيطبطب عليا وقت ما أحتاجه.. وأنا مش طالبة يا ستنا غير شاب حسن.. كتفه حنين وجبينه باصص للسما." الوحدة حين تحتل القلب يصبح عجوزا تماما مثل "البنت اللي قلبها مليان حواديت"، تزوجت من حبيب لا يجيد فن الإستماع، فتبعثرت داخلها الحكايات و شاخ قلبها. حين أدرك "الولد ابو ودان صغيرة" فداحة فعلته، كان الأمر قد انتهي "وشها كان منور، لكن في الحقيقة قلبها كان عجوز.. الولد أبو ودان صغيرة لما شاف كرمشة قلبها، مكنش في إيده أكتر من طبطبة." القراءة لإيناس حليم تدخلك في عالم الفانتازيا فمثل كتابها السابق الذي يحمل عنوان "يحدث صباحا" يأتينا نص "عم إبراهيم" في هذا الكتاب ليؤكد شغف الكاتبة بما وراء الطبيعة، أو بالأحري، الكتابة عن أفكار قطاع كبير من الشعب الذي مازال يؤمن بالخرافات. فعم إبراهيم حكي لبطلة القصة عن الجنية التي عشقته " طويلة وخمرية.. تمثال أبانوس رايح جاي سبع مرات عريان قدام دكاني.. ورد المشي اللي مطوقني لحد دلوقتي!". كذلك قصة "العفريت" التي تحكي عن "الجني اليهودي" الذي ورثته الحفيدة عن الجد. "حط طرحة عي راسي وقرا سورة الجن كلها. أنا كنت برعش زي جدي بالظبط! كتبلي حجاب بحبر أحمر دوبه في المية و حماني بيها. قلتله متسبنيش لوحدي في الحمام، شديته من جابيته.. وقع. دماغه اتخبطت في رجل الحوض. ..َّخيط الدم بيجري علي."" أحيانا يكون الفرق الإجتماعي بين البيئة التي يعيش فيها الإنسان ومحل عمله شاسع، وهذا موضوع حكاية "الرحمة" المنطقة العشوائية القذرة التي يسكن فيها عن عامل النظافة في مول شهير الذي يصف نفسه بالتخين والنظيف في آن. وكيف أنه حين يعود يجلس في السطح." أنا بحط مرتبتي فوق.. ش اللي بيوريهم الدنيا اللي نفسهم يشوفوها، ِجمب الد وأتفرج من السطوح الواطي عي الخلق اللي مش شبهي." "البنت الوحشة" اللي كانت أخر اختيار للولد الذي فاته قطار الحب والزواج، كان كل حلمها أن تكون الإختيار الأول "للحبيب"، لكنه كل حلمه يفتح ازازة نبيذ جديدة لأنه اعتاد أن يشرب ما تبقي من الزبائن. حارس الأمن الذي "يبول" علي الناس كل صباح من فوق المبني الذي يحرسه، ربما لكونه يشعر أنه لا يفعل شيئا يحبه. "أنا غيتي صندوق حاجة ساقعة أقعد بيه في المحطة، بالذات الرصيف التاني اللي مودي عي بحري.. نفي أركب القطر مرة، ياخدني للهوا بالغلط ميرجعش بيا تاني." يبدو أن فيلم "أحلي الأوقات" أثر علي بنات جيل بأكمله. فالفيلم الذي كتبته و أخرجته هالة خليل عام 2004 كان موضوع أحد حواديت إيناس حليم. " امبارح افتكرتك.. لما الفيلم اللي بتحبيه جه عي اروتانا سينماب افتكرتك.. وافتكرت شكل ضحكتنا القديمة.. اأحلي الأوقاتب.. لما شفناه في السينما أول مرة كلهم كانوا بيضحكوا.. وانتي الوحيدة اللي كنتي بتعيطي،، ساعتها اساليب اتريقت عليي.. وبعدها، بقت هي كمان تعيط كل ما تشوفه."