منذ أكثر من عام وهي تسمع صوتاً يحدّثها في أوقات متباعدة، لم تستطع معرفة ما إذا كان صوت رجل أو امرأة علي الرغم من تكرره، كلَّ مرّة يبدو علي نحو مختلف، في المرّة الأولي التي سمعته فيها وبدافع من شعورها بالخوف والمفاجأة ظنته صوت رجل، "رجل لا ريب"، قالت لنفسها، لكنه بدا لها عندما عاد، وكانت وقتها منشغلة بتنظيف حديقة المنزل، صوت امرأة حاد ورفيع، "كيف تصورته صوت رجل، إنه صوت امرأة لا ريب"، حدّثت نفسها وهي تفكر في معني أن يعود. في المرّة الثالثة وكانت قد صحت تواً من النوم ولم تغادر فراشها فهي تحب أن تتأخر في الفراش، تمنح نفسها سعادة الأوقات الحرة وهي تستعيد أطياف النوم البعيدة غير الواضحة، أتاها الصوت فظنته مما يأتيها في المنام، ما إن انتبهت حتي عرفته الصوت الذي يتكرر في صحوها ومنامها، ولم يبد لها إن كان لرجل أو امرأة هذه المرّة، حاولت تبيّنه دون جدوي. أخذت تجلس علي الساحل مترقبة ما سيأتي به الموج، كما حدّثها الصوت مرة بعد مرة، جلست علي الرمل حتي ملأت رائحة البحر صدرها وكادت تفقد الأمل، بعد أن أجهدها الانتظار عادت إلي المنزل ولم تعد تفكر بما يمكن أن يأتيها مع الموج. في أحد الصباحات وكانت ما تزال في فراشها رأت نفسها في مكانها علي الساحل ورأت طائراً صغيراً، أصغر من خنصرها، يحلق قريباً من الموج حتي إذا صار قريباً منها دار حولها ثم حط علي كتفها الأيسر، إنها المرة الأولي التي يحط فيها طائر علي كتفها، أحست بالسعادة وقررت أن تعود إلي الساحل، لم يمر وقت طويل هذه المرّة حتي أرسل لها البحر صبياً يطفو علي الموج، تصورته قطعة ثياب تتهادي حتي إذا رأت رأسه اندفعت نحو البحر حافية، أحست بالبرودة تغطي قدميها وتتصاعد حتي تصل إلي رقبتها، كان وجهه في المياه، كأنه يراقب الأسماك، وشعره يتناثر علي الموج وثيابه منتفخة تتلاعب بها الأمواج، أمسكت يده الصغيرة وسحبته، مدّدته علي ظهره فوق الرمل، وجهه شاحب خفيف الزرقة تركت الأسماك ندوباً علي وجنتيه، تراءي لها أن جفنيه يتحركان، دسّت يدها تحت رأسه ورفعته قليلاً عندها فتح عينيه ونظر لوجهها ثم أغمضهما من جديد، فكرت أنه بحاجة إلي الراحة، سحبت يدها وتمددت إلي جانبه، أخذتها أصوات الموج وبرودة الهواء فنامت طوال النهار ومع الغروب فتحت عينيها فرأت الصبي يلعب بالقرب منها. أنت تنامين علي الرمل. قال لها. ابتسمت وسألته: هل أنت بخير؟ بخير. عادت به إلي المنزل، أحسته خفيفاً يسير إلي جانبها، كانت مصابيح المنازل مضاءة ورأت حركة خلف ستارة جارتها، "إنها تنظر الآن، لن تدع مشهد الصبي يفوتها"، حدّثت نفسها. في البيت خلعت ثيابه وأجلسته قرب المدفأة، مسحت الندوب الصغيرة علي وجنتيه، تصورتها نقرات طائر، والخدوش الرفيعة علي ذراعيه وقدميه، وأحضرت له قطعتي حلوي وكوب حليب، بينما كان يأكل تمدّدت علي البساط المنقوش مقابل المدفأة تواصل