كثيرة جدا المواضع والصفحات في سيرة ليلي دوس الذاتية- التي تكشف فيها عن اختلافها عن السائد، وهي لا تدرك هذا الأمر فقط ،بل وتدافع عنه ،وتفرد عدة صفحات تحت عنوان فتاة متمردة لتؤكد أنها، وإن كانت تمردت في طفولتها الباكرة علي أفكار وممارسات رأت بفطرتها أنها تعوق الإنسان أو تنال من إنسانيته، إلا أنها في أعوامها التالية وحتي رحيلها تمردت بوعي، ومن ثم تحملت نتيجة اختياراتها، وربما رحّبت بها . فمثلا، وفي سن الرابعة، تسللت إلي غرفة إخوتها بعد أن ذهبوا إلي المدرسة وارتدت بنطلونا حتي يُسمح لها بتسلق الأشجار ولعب الكرة شأنها شأن إخوتها الذكور، وغادرت البيت لتمارس حريتها بعيدا عن الرقباء، وكانت النتيجة علقة ساخنة وجرعة زيت خروع!، وفي مدرسة الإرسالية الأمريكية ثم مدرسة القلب المقدس الداخلية للراهبات رفضت معسكرات الاعتقال الخمس نجوم علي حد تعبيرها، ورفضت احتقار الجسد واعتباره خطيئة، وكرهت كل هذا القهر المغلف بشياكة أولاد الأكابر، وتذكر بوضوح إنها رغبت في أن تحرر حياتها منذ الصغر من المؤسسات الدينية. وبعد حصولها علي شهادة الثانوية العامة عام 1933 رغبت في مواصلة تعليمها الجامعي، لكن الباشا الصعيدي رفض مجرد الرد عليها فبنات العائلات لا يمارسن هذه المسخرة! ودورها أن تنتظر أحد العرسان الذين يتسابقون من أجل طلب يدها، وهو ما كانت ترفضه تماما. كتبت ليلي : اكنت علي استعداد للخوض في المخاطر بكل ما فيها من تيارات وأمواج، حتي لو كان هذا يعني مخالفة التقاليد وتحديها، فأنا لا أقبل أن أتحول إلي إنسان آلي، وقد كان لي قدوة في رواد ورائدات العمل الاجتماعي والدفاع عن تحرر المرأة. علي أي حال، رفضت الكثيرين ومن بينهم جراح شهير وابن أكابر من عائلة قبطية شهيرة، كما رفضت إبن هيلاسلاسي شخصيا ولذلك قال عمها »"تلاقيها عايزة واحد ابن كلب "كتبت ليلي" وقد عاقبتني الأقدار علي رفض مثل هذا الزوج المثالي فوضعت في طريقي رجلين ارتبطت بكل منهما بعلاقة عاطفية ،وكان كل منهما زير نساء وكان كل منهما كذلك إبن ستين كلب. بالطبع لا تتحدث ليلي عن حياتها الخاصة علي نحو فضائحي ،ولا تذكر إسمي الرجلين ،وإن كان ليس من الصعب معرفة أحدهما، إلا أنها المرة الأولي في حدود قراءاتي التي تتحلي فيها كاتبة بذكر مثل هذه المسائل بصراحة مطلقة ،ويشعر القارئ ان ما يخجل هو الإخفاء والكذب وليس الصراحة التي تتحلي بها، فقد كان الأخير بالغ الانحطاط أخلاقيا، وكانت هي تدرك ذلك جيدا ،لكنها انساقت في علاقة تعترف هي إنها كانت مهينة لها وكان من الطبيعي أن تمرض بالاكتئاب وعولجت في مصر ثم في لندن، وإذا كانت قد شفيت إلا أنها كانت تتعرض بعد ذلك وعلي فترات لموجات من الاكتئاب، ومع ذلك عاشت حياة عريضة لا أظن أن هناك من عاشها بل اعتصرها بحلوها ومرها وبتضحياتها وبحثها الدائب عن الحرية . وللحديث بقية .