تورط المؤلفون في قضايا توزيع كتبهم رغماً عن أنوفهم، علي الرغم من كثرة دور النشر في مصر، وخارجها، إلا أن قضية الانتشار الأدبي والتوزيع في مكتبات الدول العربية فرض نفسه كأمر ملح علي ذهني خلال السنوات القليلة الماضية، إذ شكلت أزمة التوزيع في مكتبات الدول العربية هاجساً منذ فترة، شعرت خلالها أنني أكتب وتظل كتابتي رهينة مكتبات القاهرة أو بعض أنحاء مصر، ولا تتخطاها إلا في مواسم معارض الكتب، لذلك كانت فكرة النشر في دار نشر عربية ملحة. كان لأحد الأصدقاء الروائيين رأي يخص النشر في أكثر من دار، وعدم الالتزام بدار واحدة لإصدار كتبه، كان يقول لي : من الأفضل أن تفتح لكتبك أكثر من سوق نشر، وأن تمنح مؤلفاتك لأكثر من ناشر، نظرا لأن قدرات الناشرين تختلف في التوزيع، بعضهم ينجح في إرسال كتبه إلي معارض لم تطأها زملاؤهم، حدث هذا معي في 2010، حينما أرسلت الناشرة فاطمة البودي كتابي الثاني "الموت يشربها سادة" إلي معرض طهران للكتاب ضمن إصداراتها، وهناك قرأ أحد المترجمين الإيرانيين الرواية وترجمها إلي الفارسية، تعارض الفكرة السابقة، فكرة طرحها صديق آخر، يري أن الروائي لا يجب أن ينشر مع أكثر من ناشر، كي يتسني لقارئه أن يطلع علي إصداراته كلها ويجدها في مكان واحد. لكن تظل فكرة فتح أكثر من سوق أمام كتبك، وأن يكون أحدها موجوداً في بيروت، والآخر مطروحاً في القاهرة هي الفكرة الغالبة التي حمستني للإقدام عليها، وأعتبر نفسي محظوظا لخوضها، ونجاحها فيما بعد ذلك، والتي تدحض فكرة أن تتعامل مع ناشر واحد فقط، فمن أكبر مزايا النشر في لبنان، طرح اسمك في سوق الكتاب اللبناني اهتماماتهم، وضمان توزيع كتبك في مكتبات بالسعودية والعراق، لكن عددا من السلبيات أحاطت بالتجربة مع ذلك، جاء علي رأسها تأخر وصول الكتاب إلي مكتبات القاهرة، وهو أمر كان متوقعا، لصعوبة إجراءات الشحن، وغيرها من الإجراءات البيروقراطية التي تحجم من انتقال الكتب بين الدول العربية في غير أوقات معارض الكتب، وأذكر أيضا من سلبيات التجربة التي تحولت فيما بعد لإيجابية مهمة، تخوفي من سعر الكتاب الفائق. ومع كل إيجابيات التجربة السابقة في النشر خارج مصر، إلا أنني وجدت أن من الأنسب نشر روايتي الأحدث "إيقاع" مع ناشر مصري، هنا يمكنك أن تذهب مباشرة إلي مقر الدار، وأن تعقد جلسات مع ناشرك أو تلتقيه كلما أردت، أو تهاتفه بين الحين والآخر، أو تتلقي منه بروفات العمل. ذلك أيسر من أن تحصل علي المسودات عبر الإيميل، خاصة أن بروفة الكتاب من الأفضل أن تكون مجسدة في شكل مماثل للكتاب كما سيكون علي هيئته الأخيرة بعد النشر، أو ما يعرف باسم "الماكيت" وعلي الرغم من أنني عاينت مسودات كتابي قبل صدوره في بيروت، لكن "الشروق" طبعته لي عدة مرات في هيئة "الماكيت" وحرصت كذلك علي عقد لقاءات لمناقشة ملحوظات هيئة التحرير وملحوظاتي، وهو ما يجب أن يتحقق في العلاقة بين المؤلف والناشر، فالأمر لا ينتهي عند انتهاء الكاتب من كتابه وإرساله لمؤلفه، وكذلك كانت من أبرز مميزات تجربة العودة للنشر مع ناشر مصري، هو التأكد من توزيع كتابك في مكتبات الصعيد والمحافظات الكبري مثل الاسكندرية والمنصورة، وهو ما لم يتحقق في حالة نشر الكتاب خارج مصر للأسف. روائي وقاص مصري