تابعنا في المقال السابق حوار الملائكة مع الذات الإلهية واستفسارهم عن الحكمة في استخلاف آدم وذريته في الأرض، وكيف كان الرد عليهم بقوله تعالي: »إني أعلم ما لاتعلمون« ولم يتوقف الحوار عند سؤال الملائكة والردعليهم، بل تابع الخطاب القرآني الحوار ليكشف عن القدرة الإلهية وعلمها بالمصلحة في نزول آدم إلي الأرض. وتتحقق خصوصية آدم وأفضليته في علمه أمورا لا تعلمها الملائكة، تيسر له الحياة الأرضية: »وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين« (البقرة 13) والمقصود هنا أسماء المخلوقات من بشر وحيوان ونبات وجماد، وكان رد الملائكة هو جهلهم بهذه الأسماء: »قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم« (البقرة 23)، فلما ثبت عجزهم، أمر الله آدم أن يعلمهم بهذه الاسماء: »قال ياآدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والارض وأعلم ما تبدون وماكنتم تكتمون« (البقرة: 33)، وهنا يكون الحوار السماوي قد بلغ منتهاه وثبت أفضلية آدم في علم الأسماء ومسمياتها التي لاتعرفها الملائكة. وبعد إلزام الملائكة الحجة والبرهان، جاء الآمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم: »وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين« (البقرة 43) وهذا الأمر الإلهي كان زيادة تكريم لآدم، والمقصود بالسجود هنا سجود التعظيم والاكبار، لاسجود العبادة. وهنا يأتي تساؤل: هل كان إبليس من الملائكة وعصي أمر الله؟ أم أنه كان من الجن، استنادا إلي قوله تعالي: »وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه« ( الكهف05) وعلي هذا أوذاك، فإن الحوار يتجه ليكون بين الذات الإلهية وإبليس وهو ما سوف نعرض له بعد أن نتناول الحوار الذي دار بين الله وآدم، وهوما فصلته سورة الآعراف، وهوالحوار الذي كشف عن طبيعة آدم وذريته في أنهم مجبولون علي المعصية، ولعل هذا كان سبب سؤال الملائكة عن استخلاف آدم علي الارض علي الرغم من هذه الجبلة الفطرية فيهم.