في البدء لابد من تحديد مفهوم (الحوار) والفرق بينه وبين (الجدل)، يقول المعجم: (المحاورة): التجاور والمجاوبة، وتحاور القوم: تراجعوا الكلام بينهم، أي أن الحوار يحتاج إلي تعدد الشخوص، ووجود مسألة يتحاورون حولها، للوصول إلي اتفاق، أو مايشبه الاتفاق، أما (الجدل):فهو اللدد في الخصومة، و (جادله): خاصمه، وقد يكون الجدل بمعني: المناظرة والمخاصمة، وقد يستهدف نصرة الحق علي الباطل، وعليه قوله تعالي: »وجادلهم بالتي هي أحسن«. نصل من هذه المرجعية المعجمية، إلي أن الحوار يشبه شخصين، أو أشخاصا، يسيرون في طرق متعددةو، وقد ينتهي بهم المسير إلي التلاقي في مكان واحد، بينما الجدل أشبه مايكون بشخصين يسيران علي قضيبين لايلتقيان بحال من الاحوال، وهذا يقودنا إلي اختيار مصطلح الحوار ليكون معبرا عن تلك الحوارات القرآنية التي حكاها الكتاب الكريم بين الذات الإلهية وجماعة الملائكة،ثم أدم، ثم إبليس، ثم جماعة الرسل والانبياء. وقد بدأ هذا الحوار السماوي مع الملائكة ومن الضروري تحديد السلطة في كل منهما، فالسلطة الإلهية إذا أرادت شيئا »فإنما تقول له كون فيكون« أما الملائكة فهم الذين »لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون« (التحريم6) ومن ثم فإن حوار الملائكة مع الذات الإلهية لم يكن نوعاً من الاعتراض، وإنما كان هناك أحد احتمالين، الأول: أنه كان نوعاً من السؤال أو الاستفسار، والآخر: أنه درس للبشر ليتعلموا منه حوار التعامل مع السلطة في كل مستوياتها. هذا الحوار الذي دار بين السلطة الإلهية المطلقة، والملائكة الخاضعين لهذه السلطة خضوعا مطلقا، لم يحل بين الملائكة وإظهار رأيهم عندما أخبرهم الله خبراً جديداً »وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون« (البقرة 03) ويبدو أن الملائكة كان عندهم علم بالطبيعة البشرية المخلوقة من »صلصال من حمأ مسنون« والمقصود بالخليفة في الآية، آدم ومن بعده أقوام البشر الذين يخلف بعضهم بعضاً، وكان الرد عليهم حاسما: »إني أعلم مالا تعملون« من المصلحة في خلق البشر، ومايجعله فيهم من الأنبياء والرسل، ومن الصالحين والصديقين والعلماء العاملين بعلمهم، فالمصلحة تعلو علي المفسدة، وسوف نتابع في المقال القادم الدليل الإلهي علي فضل آدم بعلمه.