من مفاخر الدستور المصرى الجديد ما تضمنه فى مادته 47 أن الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق والإفصاح عنها وتداولها حق تكفله الدولة لكل مواطن بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى، ولم يجعل الدستور فى هذا النص حق الحصول على هذه المعلومات منزوعًا من قوة تحميه، لكنه نص ولأول مرة على مساءلة من يمتنع عن توفير هذه المعلومات، على أن ينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها وطريقة الحصول على المعلومات والتظلم من رفض إعطائها وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة. وها نحن بصدد تفعيل هذا النص، الذى حلمنا به كثيرا، فقد أعدت وزارة العدل مشروع قانون لتداول المعلومات وطرحته للنقاش العام، ومن الواضح أن مشروع القانون كان سابقا على النص الدستورى بدليل أنه يتحدث عن دور مجلس الشعب، الذى استبدل به الدستور مجلس النواب، وللعلم فهذا القانون لايخص الصحفيين وحدهم، ولكنه يخص جميع المواطنين الذين قد يحتاجون إلى بعض البيانات أوالإحصائيات، التى تفيدهم فى قراراتهم الاقتصادية أو المعيشية أو دراساتهم العلمية، أو التقاضى أمام المحاكم مثلا. فى قراءة أولية لمشروع القانون يتضح أنه التزم إلى حد كبير بالمعايير العالمية للشفافية، حيث يستهدف المشروع تمكين المواطن والمقيم بصورة شرعية فى مصر من ممارسة حق الحصول على المعلومات الموجودة لدى المؤسسات العامة،وبث روح الشفافية والمساءلة فى المؤسسات العامة وتشجيع المشاركة فى الحكم، وقد ألزم المشروع المؤسسات العامة فى الدولة بإنشاء مواقع لها على شبكة الإنترنت تضع عليها كل الوثائق والمعلومات العامة المتاحة للاطلاع العام، وهنا ينبغى التنويه إلى أهمية تعديل النص ليسمح للجميع بالحصول على المعلومات حتى لو لغير المصريين فى بلدانهم الأصلية عبر الوسائل الإلكترونية، كما هو الحال فى القانون الهندى. ويلزم المشروع كل المؤسسات العامة بتكليف موظف أو أكثر للنظر فى طلبات الحصول على المعلومات، كما يلزمها بنشر تقارير سنوية حول خطط عملها وإنجازاتها وقراراتها السنوية، وبهذا النص لم يعد ممكنا إخفاء أو حجب الكثير من المعلومات التى تتضمنها إحصائيات الجهازين المركزيين للإحصاء والمحاسبات مثلا، إذ يلزم أن ينشر كلا الجهازين تقاريره مباشرة على موقعه الإلكترونى، وتصبح متاحة أمام الجميع فى وقت واحد، بعد أن كان الحصول على تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات من سابع المستحيلات. نص المشروع على تشكيل مجلس أعلى للبيانات يمكن أن يكون لنا عليه ملاحظات فنية فى طريقة التشكيل، لكن الأهم للناس هو طريقة تقديم طلب الحصول على المعلومات ومدد الرد على هذه الطلبات، حيث ينص المشروع على الرد على طلب المعلومات خلال 15 يوما يجوز تمديدها لأسبوعين آخرين لتصبح المدة شهرا كاملا وهى مدة طويلة قد تتسبب فى ضياع بعض الحقوق، خصوصا فى حالات التقاضى أمام المحاكم أو فى اتخاذ قرارات اقتصادية عاجلة تحتاج إلى بعض البيانات، ومن هنا وجب خفض المدة إلى أسبوع واحد يجوز تمديده أسبوعا آخر. حدد القانون مددا لسرية الوئائق ب 15 عاما للوثائق التى تحمل تصنيف سرى، و30 عاما للوثائق، التى تحمل تصنيف سرى جدا، وهى مدد معمول بها دوليا، وإن كان من الممكن خفض هذه المدد لأننا أصبحنا فى عصر الشفافية، وكذا من المهم إعادة النظر فى تصنيف الوثائق ودرجة سريتها، وكذلك سرعة الاستجابة لطلبات رجال الصحافة والإعلام فى الحصول على المعلومات تنويرا للرأى العام وإسهاما فى تكوينه، وفقا لنص الدستور.