جاءت قرارات الرئيس محمد مرسى بإحالة كل من المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، وقادة كل من القوات الجوية والقوات البحرية والدفاع الجوى إلى التقاعد لتنهى المرحلة الانتقالية والتى بدأت مع تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011، وتقضى على دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أدار شئون البلاد خلال تلك المرحلة. أتصور أننا إزاء ما يشبه ثورة تصحيح جديدة كالتى قام بها الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى 15 مايو 1971 بعد إزاحته لما عرف بمراكز القوى السابقة التى تمتعت بقدر كبير من السلطات فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فلاشك أن الاستغناء عن خدمات المشير محمد حسين طنطاوى، والفريق سامى عنان هو نهاية حقيقية لعهد مبارك – باعتبارهما من علامات هذا العهد (فقد خدم المشير حسين طنطاوى كقائد عام للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربى منذ عام 1993، وخدم الفريق سامى عنان كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة منذ عام 2005)، وبداية لعهد الجمهورية الثانية واسترداد الرئيس محمد مرسى لجميع صلاحيته. نعم للرئيس مرسى كرئيس للجمهورية كل الحق فى تعيين ما يشاء وإحالة من يشاء للتقاعد ومنح من يشاء الأوسمة والنياشين، ولكن أعتقد أن هذه القرارات جاءت فى توقيت خاطئ أو غير مناسب، ولى فى ذلك ثلاث ملاحظات: أولا: لماذا وافق الرئيس محمد مرسى على تعيين المشير حسين طنطاوى كوزير للدفاع والإنتاج الحربى فى التشكيل الوزارى الجديد - حكومة الدكتور هشام قنديل- الذى لم يمض على تشكيله إلا عدة أيام ثم أطاح به بعدها بأسبوع تقريبا، فكان من الأجدى أن يتم اختيار وزير جديد للدفاع مباشرا فى التشكيل الوزارى الجديد بدلا من لعبة الكراسى الوزارية. والأمر كذلك ينطبق على وزارة الإنتاج الحربى، فلماذا وافق الرئيس محمد مرسى على استمرار الدكتور على صبرى كوزير ثم أطاح به بعد أيام قليلة وجاء بالفريق رضا حافظ بدلا منه، فهل اكتشف فجأة أنه لا يصلح للمنصب، ولماذا وافق على استمراره منذ البداية؟؟؟ ثانيا: كيف يتم إجراء تغييرات وتعديلات هيكلية وجذرية وراديكالية فى قيادات الجيش دفعة واحدة فى وقت لم يمر على تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم إلا حوالى شهرين فقط، فأعتقد أنه كان يجب أن يتم إجراء مثل هذه التغييرات والتعديلات بشكل تدريجى حتى لا يحدث خللاً فى مؤسسة هامة من مؤسسات الدولة وهى المؤسسة العسكرية، وذلك لأن تلك القيادات التى تم الاستغناء عنها هى الأجدر والأكثر خبرة فى مواقعها باعتبار أنهم متقلدون لمناصبهم منذ فترة ليست بالقصيرة وعلى دراية تامة بطبيعة الأحداث. ثالثا: لماذا قام الرئيس محمد مرسى بالإطاحة بقيادات الجيش فى وقت تدور فيه معارك طاحنة فى سيناء ضد الارهاب وضد الجماعات الجهادية والتكفيرية التى قامت باغتيال الضباط والجنود المصريين على الحدود فى رفح. فالعمليات العسكرية لم تنته بعد، ولم نعرف حتى هوية منفذى هذا الهجوم الغاشم، فأتصور أنه كان من المهم والضرورى استمرار تلك القيادات لما لها من خبرة فى الاستراتيجيات العسكرية لحين – على الأقل - انتهاء تلك العمليات ومعرفة من هم منفذو هذا الهجوم، ولو حتى على سبيل التكريم لتلك القيادات واعتبارها مكافأة نهاية الخدمة لهم... فحتى لا ننسى قد نتفق أو نختلف مع هذه القيادات وفى أسلوب إدارتهم لمرحلة ما بعد الثورة ولكن لا يسعنا إلا أن نشكرهم على حماية مصر وحدودها وأرضها وشعبها ورفضهم لإطلاق أى رصاصة ضد أى متظاهر أثناء الثورة، ولولاهم لتحولت مصر إلى سوريا أو ليبيا أخرى. ********* بالنسبة للقرارين الأخيرين الذى أصدرهما الرئيس محمد مرسى بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وتعيين المستشار محمود مكى نائبا للرئيس. فوفقا للقرار الأول، أعطى الرئيس لنفسه سلطة التشريع، فأصبح رئيسا للسلطة التنفيذية ورئيسا السلطة التشريعية وهذا مؤشر خطير للغاية أن تتركز السلطتين فى يد شخص واحد. أعرف أن البعض سيقول إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قام فى فترة من الفترات ما بعد الثورة بهذا الدور، ولكن كان هذا فى مرحلة معينة لها طبيعتها التى فرضتها الظروف فى ذلك الوقت بالإضافة إلى انتخاب مجلس الشعب (الذى تم حله لاحقا) ومجلس الشورى بعد ذلك، وكان من الأفضل أن يخول الرئيس مرسى للأخير سلطة التشريع – مؤقتا – بدلا منه، أو على الأقل انتقال سلطة التشريع إلى الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور لحين انتخاب مجلس جديد للشعب صاحب الحق والاختصاص الأصيل فى التشريع. أما القرار الثانى بتعيين المستشار محمود مكى كنائب للرئيس، فلاشك أن المستشار مكى هو أحد القضاة المحترمين الذين ينتمون إلى تيار الاستقلال، و كان له دور بارز فى فضح عمليات التزوير التى قام بها النظام السابق فى انتخابات مجلس الشعب وانتخابات رئاسة الجمهورية فى عام 2005، ولا غبار على تعيينه. ولكن السؤال هنا أين الالتزام الذى وعد به الرئيس محمد مرسى أثناء حملته الانتخابية بتعيين امرأة وقبطى كنائبين للرئيس، ذلك الالتزام الذى أثلج صدور الكثير من إخواننا الأقباط واعتبروه انتصارا وطمأنة لهم، واعتبرته المرأة دعما لها فى الحصول على حقوقها. فهل فشل الرئيس مرسى فى البحث عن شخصين (امرأة و قبطى) لتعيينهما فى هذا المنصب المرموق؟؟؟ وحتى أسماء الفريق الرئاسى الذى تم الإعلان عنهم حتى وقتنا هذا يضم فقط سيدة واحدة وهى الدكتورة باكينام الشرقاوى، وقبطى واحد هو الدكتور سمير مرقص كمساعدين للرئيس. أعتقد أنه على الدكتور مرسى أن يدعم فريقه الرئاسى بعناصر قبطية ونسائية أكثر من ذلك، حتى يأتى كفريق متوازن ويعبر عن كافة أطياف المجتمع. ********** أخيرا... أنا لم أفهم دعوة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة لشبابها وأعضائها للنزول للشوارع والميادين للاحتفال بقرار الرئيس محمد مرسى ودعمهم له، فهل قرار الإطاحة بالمشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان هو نصر عسكرى مثلا ليتم الاحتفال به، وهل مع كل قرار مهم سيتخذه الرئيس مرسى سينزل الإخوان المسلمون بالآلاف للاحتفال به... أتمنى أن ينتهى هذا المرج سريعا حتى يستطيع الدكتور مرسى التركيز فى عمله وفيما يتخذه من قرارات، وحتى لا يتحول الأمر إلى مباراة بين فريق المؤيديين وفريق المعارضين لقرارات الرئيس.